قالت زوجة جوليان أسانج، قبيل موعد الاستئناف الأخير للحكم بترحيله إلى الولايات المتحدة، إن مؤسس موقع ويكيليكس سيموت إن سلم إلى واشنطن.

وقالت ستيلا أسانج في مؤتمر صحفي إن زوجها قد يرحل إلى الولايات المتحدة من بريطانيا "في غضون أيام" إذا خسر الاستئناف، الذي من المقرر أن تنظر فيه المحكمة العليا الثلاثاء 20 شباط (فبراير).

وأضافت أن الوضع "خطير للغاية"، إذ إن صحته العقلية والجسدية "في تدهور". وقالت: "إذا سلم فسوف يموت".

وتطالب الحكومة الأميركية بترحيل أسانج، البالغ 52 عاما، بتهم التجسس في الولايات المتحدة، وهو حاليا محتجز في سجن بلمارش الشديد الحراسة بجنوب شرق لندن منذ نيسان (أبريل) 2019.

وقد قبض على جوليان أسانج بعد أن أمضى سبع سنوات متحصنا في سفارة الإكوادور في لندن لتجنب تسليمه إلى السويد، حينما كان يواجه اتهامات بالاعتداء الجنسي أسقطت في النهاية.

وتريد السلطات الأميركية محاكمة الناشر الأسترالي بتهمة إفشاء أسرار عسكرية أميركية بشأن الحربين في العراق وأفغانستان.

وإذا نجح أسانج في استئنافه، فستتاح له فرص للدفاع عن قضيته أمام المحاكم المحلية البريطانية، مع تحديد موعد لجلسة استماع كاملة للاستئناف.

أما إذا خسر، فسيكون قد استنفد جميع الطعون في بريطانيا وستبدأ إجراءات ترحيله، على الرغم من أن فريقه القانوني قال إنه سيستأنف الحكم أمام المحاكم الأوروبية.

ومازالت بريطانيا جزء من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولدى المحكمة السلطة لأن تأمر بوقف التسليم. لكن هذا لا يتم إلا في "الظروف الاستثنائية".

وسيتطلب الأمر هذا أيضا موافقة الحكومة البريطانية، وهو أمر غير مؤكد نظرا لنزاعها المستمر مع المحكمة الأوروبية بعد أن حالت المحكمة دون تنفيذ خطة الحكومة لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا.

ومن غير المعروف حتى الآن إن كان القرار سيصدر بعد جلسة الاستماع فورا، أو إن كان سيسمح لأسانج بالحضور شخصيا.

فمن هو أسانج وما أهم الأسرار التي كشفها موقعه ويكيليكس؟

زوجة أسانج
PA Media
زوجة أسانج في المؤتمر الصحفي عبرت عن خوفها على حياته

لماذا تطلب واشنطن ترحيله؟

يعد جوليان أسانج في نظر مؤيديه أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول للحقيقة. لكنه في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة فعرّض حياة كثيرين للخطر من خلال نشره عددا هائلا من المعلومات الحساسة.

ويُوصف أسانج بأنه شخص متحمس للغاية وفائق الذكاء، ويتمتع بقدرة استثنائية على فك شفرات برامج الكمبيوتر.

وفي عام 2006، أسس أسانج موقع ويكيليكس، الذي يهتم بنشر الوثائق والصور، والذي تصدر عناوين الصحف في أنحاء العالم في نيسان (أبريل) عام 2010 حينما نشر لقطات تظهر جنودا أميركيين يقتلون بالرصاص 18 مدنيا من مروحية في العراق.

ثم اعتقلته بريطانيا في وقت لاحق من العام نفسه بعد أن أصدرت السويد مذكرة اعتقال دولية له بسبب اتهامه بالاعتداء الجنسي.

وهي تهم أسقطها الادعاء السويدي فيما بعد، في آب (أغسطس) عام 2015 بعد انقضاء الفترة المحددة للتحقيق وتوجيه الاتهام.

لكن أسانج يتهم في الولايات المتحدة بنشر نحو 700 ألف وثيقة سرية تتعلق بالأنشطة العسكرية والدبلوماسية الأميركية بدءا من عام 2010.

وتتهمه الولايات المتحدة بالتآمر مع تشيلسي ماننغ للوصول إلى معلومات في أجهزة الكمبيوتر الخاصة بوزارة الدفاع الأميركية.

وتحاول الولايات المتحدة إدانته بموجب قانون التجسس لعام 1917، الذي يحذر أنصاره من أنه قد يحكم عليه بالسجن لمدة 175 عاما.

ووجهت وزارة العدل الأميركية له بالفعل 17 تهمة في أيار (مايو) 2019 لانتهاكه قانون التجسس، وقالت إن المواد التي حصل عليها موقع ويكيليكس عرّضت حياة الناس للخطر.

لكن فريق أسانج القانوني يقول إن الوثائق السرية التي نشرها موقع ويكيليكس والتي تتعلق بحربي العراق وأفغانستان كشفت عن انتهاكات أميركية وتخدم المصلحة العامة.

وفي 17 حزيران (يونيو) 2022 وافقت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل على تسليم أسانج للولايات المتحدة الأميركية.

ووافقت محاكم بريطانية على طلب تسليمه إلى السلطات الأميركية بعد أن تعهدت الولايات المتحدة بعدم حبسه في سجنها الأكثر تطرفا، "إيه دي إكس فلورنسا"، وعدم إخضاعه للنظام القاسي المعروف باسم "التدابير الإدارية الخاصة".

أسانج
Reuters
أسانج قضى في سفارة أكوادور نحو سبع سنوات

كيف ذاع اسم أسانج؟

ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحا جوالا.

ورزق بطفل وهو في سن الـ18، وسرعان ما خاض معارك قضائية بشأن حق حضانة الطفل.

ووفر له تطور الإنترنت فرصة لاستخدام تفوقه في مجال الرياضيات، لكنه سبب له مصاعب.

إذ واجه مع صديق له في عام 1995 اتهامات بارتكاب عشرات من أعمال القرصنة الإلكترونية. وألقي القبض عليه وأقر بذنبه.

ودفع أسانج كفالة بعدة آلاف من الدولارات الأسترالية كي يظل خارج السجن بشرط ألا يكرر فعلته.

وأمضى بعد ذلك ثلاثة أعوام يعمل مع الباحثة الأكاديمية "سويليت دريفوس" التي كانت تجري أبحاثا تتعلق بالجانب التخريبي الناشئ من الإنترنت، وأعد معها كتاب "العالم السفلي"، الذي بات من الأكثر المؤلفات المتعلقة بالكمبيوتر مبيعا.

ووصفت دريفوس أسانج بأنه "باحث ماهر جدا" كان لديه "شغف بمفهوم الأخلاق ومفاهيم العدالة، وما يجب على الحكومات فعله وعدم فعله".

ثم التحق بدورة في الرياضيات والفيزياء في جامعة ملبورن، وأصبح بعدها عضوا بارزا في قسم الرياضيات.

نشأة موقع ويكيليكس

ودشن أسانج موقع ويكيليكس في عام 2006، مع مجموعة من أصحاب الأفكار المماثلة لأفكاره، مبتكرا ما يُطلق عليه "علبة رسائل ميتة" على الإنترنت، لمن يريد نشر أي تسريبات.

وقال أسانج لبي بي سي في عام 2011 "كان علينا أن نوزع الأصول، ونشفر كل شيء، ننقل الاتصالات السلكية واللاسلكية وكذلك الأفراد حول العالم لإبقاء مصادرنا في أمان. ولتفادي قوانين الحماية في دول تشريعاتها القضائية مختلفة".

وأضاف "أصبحنا بارعين في ذلك، ولم نخسر يوما قضية أو مصدرا، لكن لا يمكننا أن نتوقع أن يفهم الجميع الجهود الاستثنائية التي نبذلها".

وتبنى أسانج نمط حياة أشبه بالبدو الرحالة ليدير ويكيليكس من مواقع مؤقتة ومتغيرة.

ويقول مراسل مجلة "نيويوركر"، رافي كتشادوريان، إن لدى أسانج القدرة على أن يمضي أياما عدة بلا طعام، منكبا على العمل، وبدون نوم لساعات كافية.

وقال دانيال شميت، أحد الشركاء المؤسسين لموقع ويكيليكس إن أسانج "واحد من قلة يهتمون حقا بالإصلاح الإيجابي في العالم".

أسانج مع فريق عمله وأصدقائه
WikiLeaks
جوليان أسانج وشريكته ستيلا موريس مع الفريق القانوني أيتور مارتينيز وكارلوس بوفيدا وجنيفر روبنسون

أهم التسريبات التي كشف عنها

1- مروحية أميركية تطلق النار على مدنيين عراقيين

نشرت ويكيليكس وثائق من بلدان مختلفة، لكنها لم تشغل عناوين الصحف إلا بعدما نشرت شريط فيديو لمروحية أميركية تطلق النار على مدنيين في العراق في نيسان (أبريل) عام 2007.

وتسببت اللقطات التي نقلتها وسائل الإعلام في صدمة واسعة في العالم.

وسمع في الرسائل اللاسلكية شخص يقول "اجعلهم في مرمى النيران" ثم أطلقت النيران على أشخاص كانوا في الشارع من المروحية.

وعندما وصلت شاحنة لإجلاء المصابين، أطلقت عليها الطائرة النيران أيضا.

وأسفر هذا الهجوم عن مقتل نمير نور الدين، مصور وكالة أنباء رويترز، ومساعده سعيد شماغ.

وتسلطت الأضواء أكثر على أسانج حينما دافع عن شريط الفيديو إضافة إلى نشر وثائق عسكرية أمييركيةسرية عن حربي العراق وأفغانستان في تموز (يوليو) وتشرين الأول (أكتوبر) عام 2010.

واستمر الموقع في نشر أعداد جديدة من الوثائق، من بينها خمسة ملايين رسالة بريد إلكتروني سرية من شركة الاستخبارات "ستراتفور"، التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة.

2- وثائق المخابرات الحربية الأميركية

نشر موقع ويكيليكس مئات الآلاف من الوثائق المسربة عن طريق تشيلسي ماننغ التي كانت تعمل محللة بيانات في المخابرات الحربية الأميركية.

وكشفت هذه الوثائق الحربية عن قتل الجيش الأميركي مئات المدنيين دون الإبلاغ عن ذلك خلال حرب أفغانستان.

كما كشفت وثائق تتعلق بحرب العراق عن مقتل 66 ألف مدني – وهذا الرقم أكبر مما أشارت إليه التقارير التي ظهرت قبل نشر وثائق ويكيليكس.

كما كشف التسريبات عن تعذيب السجناء على أيدي القوات العراقية.

3- معلومات شخصية عن مسؤولين في الأمم المتحدة

وتضمنت الوثائق أيضا 250 ألف رسالة من دبلوماسيين أميركيين أشارت إلى أن الإدارة الأميركية أرادت الحصول على معلومات "شخصية وحيوية" - من بينها بصمات الأعين، وعينات الحمض النووي، وبصمات الأصابع، عن مسؤولين مهمين في الأمم المتحدة.

4- رسائل 11 أيلول (سبتمبر) 2001

نشر الموقع أيضا 573 ألف رسالة اعترضتها بعض الأجهزة خلال الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

وتضمنت هذا رسائل من أسر تحاول الاطمئنان على أقاربهم، وردود أفعال من المؤسسات الحكومية تجاه الهجمات.

وقالت إحدى الرسائل: "حول مسار طائرة الرئيس، ولن يعود إلى واشنطن. لكني لا أعلم إلى أين سيذهب."

5- رسائل بريد إلكتروني للديمقراطيين

نشر موقع أيضا تسريبات لوثائق سرية تتضمن آلاف الرسائل الإلكترونية التي أرسلت واستقبلت عبر حساب مخترق لجون بوديستا، مدير حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، أثناء ترشحها للانتخابات الرئاسية في أواخر 2016.

وتضمنت إحدى الرسائل ما قاله مدير حملة كلينتون عن منافسها بيرني ساندرز ووصفه له بأنه "جاهل" لانتقاده اتفاقية باريس للمناخ.

وأدى نشر هذه الوثائق في ذلك التوقيت إلى اتهامات واجهها ويكيليكس بمحاولة للنيل من كلينتون.

كما سرب الموقع معلومات من حساب البريد الإلكتروني الخاص بعضوة الحزب الجمهوري سارة بالين على موقع ياهو الإلكتروني عام 2008.

6- بيانات أعضاء الحزب القومي البريطاني

في 2008، نشر الموقع أسماء وعناوين وبيانات اتصال خاصة بأكثر من 13 ألف من أعضاء الحزب البريطاني القومي.

وتضمنت أجندة الحزب مقترحات بحظر الهجرة إلى بريطانيا من الدول الإسلامية وتشجيع بعض المقيمين في بريطانيا على العودة إلى "مسقط رأسهم".

وغُرم عضو سابق بالحزب 200 جنيه إسترليني لتسريبه تلك البيانات.