إيلاف من بيروت: أحدث مقتل سبعة من عمال الإغاثة في غزة سلسلة من ردود الفعل الغاضبة حول العالم تجاه الجيش الإسرائيلي، وأزكت الدعوات إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة.

وعلى الرغم من أن الغارات الإسرائيلية قتلت 196 من عمال الإغاثة الدوليين والأمميين في القطاع منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، إلا أن هذا الحادث اكتسى زخما غير مسبوق خاصة وأن العمال القتلى يحملون جنسيات دول "حليفة" لإسرائيل.

نتانياهو: سنبذل جهدنا لعدم تكرار "الحادث"
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قد عبر الثلاثاء عن أسفه لما أسماه "الحادث"، ووصفه بـ"المأساوي وغير المتعمد".
وقال نتانياهو في بيان "من الوارد أن يحدث مثل هذا في زمن الحرب. نفحص الأمر بدقة، ونتواصل مع الحكومات التي سقط قتلى من رعاياها في الحادثة... سنبذل قصارى جهدنا لضمان عدم تكرار ذلك".

الغارديان: مرحلة قاتمة
وأوردت صحيفة الغارديان البريطانية في افتتاحيتها إن القوات الإسرائيلية "قتلت سبعة من عمال الإغاثة الأجانب، من بينهم مواطن أميركي/كندي مزدوج الجنسية، وثلاثة بريطانيين، بالإضافة إلى أعضاء الفريق من بولندا وأستراليا، وسائقهم الفلسطيني، أثناء محاولتهم تلبية جزء من الاحتياجات الماسة".
ونقلت "بي بي سي" عن افتتاحية الغارديان قولها إن "عمال المطبخ المركزي العالمي كانوا في سيارات تحمل علامات واضحة"، وكانوا يعملون في منطقة وصفتها الصحيفة بـ "منزوعة السلاح"، وقاموا بتنسيق التحركات مع الجيش الإسرائيلي، وأضافت أن القافلة "لم تتعرض للقصف مرة واحدة بل ثلاث مرات، ما أسفر عن مقتل الناجين الفارين".
وأفادت الغارديان أنه "حتى بمعايير الصراع الذي أودى بحياة ما يقرب من 33 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وخلق مجاعة من صنع الإنسان بالكامل في غزة، فقد عبرت إسرائيل خطوطاً متعددة في غضون يومين فقط".

إسرائيل على بعد خطوة واحدة من النبذ الدولي
وأشارت الغارديان أن "إسرائيل تفتخر وقواتها المسلحة باتباع القانون الدولي"، بينما أشارت أيضاً إلى تحذير الرئيس الإسرائيلي السابق، رؤوفين ريفلين، من أن إسرائيل "على بعد خطوة واحدة من النبذ الدولي". ولفتت الصحيفة إلى أن "خطاب حلفاء إسرائيل أصبح أكثر تشدداً وإن كان ببطء، وتغير موقفهم الدبلوماسي، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن المزاج العام يتحرك بشكل أسرع".
وترى الصحيفة أنه "لا يمكن شطب مأساة موت بهذا الحجم، أو تبنيه على أنه سلسلة من الحوادث المؤسفة"، في إشارة إلى اعتراف رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووصفه بأنه "حادث مؤسف".
وتضيف الصحيفة أن أفعال كهذه "تتجاوز بكثير أي محاولة معقولة لملاحقة المسؤولين عن الهجوم المروع الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي".

بايدن يشعر "بالغضب"
وعبر الرئيس الأميركي جو بايدن عن "غضبه وحزنه" لمقتل عمال الإغاثة السبعة، منتقدا بشدة إسرائيل على تنفيذها الغارة التي أودت بحياة هؤلاء. وفي موقف يعتبره البعض نادرا، أكد بايدن أن "إسرائيل لم تقم بما يكفي لحماية عمّال الإغاثة الذين يحاولون تقديم المساعدة لمدنيين هم بأمسّ الحاجة إليها"، وأن توزيع المساعدات في قطاع غزة بات صعبا جدا.

بريطانيا تطالب بتوضيح
وانضمت لندن إلى حليقتها واشنطن في كيل الاتهامات للحليفة أيضا تل أبيب، حيث أعلنت الخارجية البريطانية عن استدعاء سفير إسرائيل لديها للتعبير عن "تنديدها الحازم" بمقتل عمال الإغاثة، والذين كان من بينهم ثلاثة بريطانيين.
وجاء هذا بعد أن أعلن مكتب رئيس الوزراء ريشي سوناك أنه طالب إسرائيل بتوضيح ملابسات "الواقعة المأساوية"، وأن رئيس الوزراء شدد على ضرورة أن تتخذ إسرائيل "خطوات فورية لحماية عمال الإغاثة وتسهيل العمليات الإنسانية الحيوية في غزة".
وكان وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية آندرو ميتشل قد قال في بيان "طلبت إجراء تحقيق سريع وشفاف، وتقاسم النتائج مع المجتمع الدولي برمته، ومحاسبة المسؤولين (عن الهجوم) بشكل كامل على أفعالهم".
ولفت بيان ميتشل إلى ضرورة أن تضع إسرائيل "آلية فاعلة لفض الاشتباك على الفور وبشكل عاجل لتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية". وأكد على وجوب "تعليق إنساني فوري للعمليات العسكرية لإدخال المساعدات وإخراج الرهائن ومن ثم المضي قدما نحو وقف دائم لإطلاق النار".

متى يقول حلفاء إسرائيل: كفى!
وقللت الغارديان من شأن مطالبة المملكة المتحدة إسرائيل بالتحقيق في هذه الوفيات، ووصفت هذه المطالبات بأنها "أمر سخيف بالنظر إلى تاريخ إسرائيل في التعتيم في مثل هذه الحالات وتجنب المساءلة".
وتحلل الصحيفة أنه "في مواجهة انخفاض الشعبية في الداخل، ومع انضمام عشرات الآلاف من الإسرائيليين إلى عائلات الرهائن للمطالبة بإزاحة رئيس الوزراء، فإن نتنياهو يرى أن أفضل أمل له في البقاء هو الحرب إلى الأبد".

وختمت الغارديان افتتاحيتها بسلسلة أسئلة حول موقف حلفاء إسرائيل، "ما الذي يتطلبه الأمر لتحويل استنكار الولايات المتحدة إلى فعل؟ وما الذي يتطلبه الأمر لمنع جو بايدن من إعطاء الضوء الأخضر لصفقة بقيمة 18 مليار دولار لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-15؟ وما الذي يتطلبه الأمر أمام حلفاء إسرائيل ليقولوا بشكل عملي: لن يكون هناك أكثر مما حدث؟"


بقايا سيارة "المطبخ العالمي"، التي تعرضت لضربة إسرائيلية في دير البلح

غوتيريش: مليونا شخص في غزة دون أي أمان
وفي كلمته أمام اجتماع غير رسمي للجمعية العامة للأمم المتحدة عقد لمناقشة تقريره حول الأمن البشري، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، دعوته لوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، معتبرا أن "الغارات الإسرائيلية المدمرة التي قتلت موظفين في منظمة المطبخ المركزي العالمي بمدينة دير البلح وسط القطاع، أمر غير معقول".
وأورد غوتيريش بأن ما حدث "يبرهن مرة أخرى على الحاجة الملحة إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية إلى غزة كما طالب مجلس الأمن في قراره الذي اتخذه الأسبوع الماضي".
وذكر الأمين العام للمنظمة الأممية بأن مقتل عمال منظمة "المطبخ المركزي العالمي" الإنسانية رفع عدد عمال الإغاثة الذين قتلوا في غزة إلى 196، بمن فيهم أكثر من 175 من موظفي الأمم المتحدة.
وقال غوتيريش إنه عندما يسمع عبارة "الأمن البشري"، يفكر في مليوني إنسان في غزة لا يتمتعون بالأمن على الإطلاق، ويبحثون بشدة عن الحماية من الجوع والمرض والقصف المتواصل.

كندا تدعو للمساءلة
من جهتها، دانت كندا أيضا مقتل عمال الإغاثة في غزة بغارة إسرائيلية، وقال رئيس الوزراء جاستن ترودو "من غير المقبول على الإطلاق مهاجمة عمال الإغاثة”، مضيفا "هذا شيء لم يكن ينبغي أن يحدث أبدا ونحن نشعر بالحزن تجاه العائلات والمنظمة...".
وتابع ترودو "من الواضح أننا بحاجة إلى المساءلة الكاملة والتحقيق في هذا الأمر".

أما وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، فقالت الثلاثاء إن بلادها تدين الغارة الإسرائيلية التي أسفرت عن مقتل عمال الإغاثة في غزة، وقالت في منشور على منصة إكس "كندا تتوقع المساءلة الكاملة عن عمليات القتل هذه وسننقل ذلك إلى الحكومة الإسرائيلية مباشرة. الضربات على العاملين في المجال الإنساني غير مقبولة على الإطلاق".

بولندا: الهجوم يضع التضامن مع إسرائيل أمام امتحان
رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك اعتبر الأربعاء أن الهجوم، الذي راح ضحيته أيضا مواطن بولندي، إضافة إلى ردة فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، تسببا في "غضب مفهوم" وتوتر للعلاقات مع وارسو.
وعلى حسابه على منصة إكس قال توسك "السيد رئيس الوزراء نتانياهو، والسيد السفير ليفني، أبدت الغالبية العظمى من البولنديين تضامنا كاملا مع إسرائيل بعد هجوم حماس (السابع من أكتوبر)... اليوم تضعون هذا التضامن أمام اختبار صعب حقا، الهجوم المأساوي على المتطوعين ورد فعلكم يثير غضبا مفهوما".

من ناحيته، طالب نائب وزير الخارجية البولندي أندريه زيجنا الثلاثاء، إسرائيل بـ"تعويض" عائلات عمال الإغاثة السبعة، قائلا "على السلطات (الإسرائيلية) أن تفكر في الطرف الذي ينبغي أن يتحمل مسؤولية جنائية لضغطه على زر معين، وفي كيفية تعويض عائلات الضحايا، رغم أنه يستحيل القيام بذلك بالمال".

وفي وقت سابق الثلاثاء، أعلن وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أنه "طلب شخصيا من السفير الإسرائيلي ياكوف ليفن تفسيرات عاجلة"، وأن وارسو تعتزم إجراء تحقيقها الخاص.
وقدم الوزير "تعازيه (...) إلى عائلة متطوعنا الشجاع وإلى جميع الضحايا المدنيين في غزة".

الإمارات تعلق جهودها
من جهته، أعلن مسؤول إماراتي الثلاثاء عن تعليق بلاده مؤقتا جهود المساعدات الإنسانية عبر الممر البحري في قطاع غزة، بانتظار الحصول على المزيد من ضمانات السلامة وإجراء تحقيق كامل بمقتل عمال الإغاثة.
والإمارات هي الممول الرئيسي للمساعدات عبر الممر البحري إلى غزة، بينما كانت سنترال ورلد كيتشن تعمل على ترتيب البعثات.

قبرص تستدعي سفينة أخرى كانت متجهة إلى غزة
كما أعلنت قبرص عودة سفينة تحمل مساعدات لسكان غزة بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت عمال منظمة "المطبخ المركزي العالمي".
وكانت السفينة "جنيفر" قد أبحرت من لارنكا نهاية الشهر الماضي، محملة بنحو 240 طنا من المساعدات الإنسانية، وعادت الثلاثاء عقب الأنباء عن الهجوم.
وأفاد وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس إن السلطات القبرصية تتواصل مع المنظمة وأن الهجوم الإسرائيلي وقع على بعد 12 كيلومترا من منطقة وصول المساعدات إلى رصيف مؤقت أنشأته المؤسسة الخيرية.

وأوضح الوزير أن عمال الإغاثة كانوا قد أنهوا للتو تفريغ المساعدات وقت الهجوم، وكان من المفترض أن يستأنف تفريغ السفينة الثانية في وقت مبكر يوم الثلاثاء.

هآرتس: الجيش الإسرائيلي يسعى للتملص من مسؤوليته
وفي خضم عاصفة التنديدات والاستنكار، نقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر في الجيش الإسرائيلي قوله إن مقتل عمال الإغاثة في قطاع غزة مساء الاثنين يرجع إلى سلوك القادة الميدانيين في الجيش، وليس بسبب مشكلة في التنسيق بين القوات والمنظمات الإنسانية كما زعم الجيش ووزارة الدفاع.

وأوضحت الصحيفة في تقرير نشر مساء الثلاثاء أن عدم انضباط هؤلاء القادة الميدانيين ومخالفتهم للقواعد هو ما أدى إلى مقتل الفريق المكون من 7 أفراد، وأوردت على لسان ما أسمته مصادر في شعبة الاستخبارات العسكرية أن القيادة الإسرائيلية تعرف بالضبط سبب الهجوم على موكب الفريق الإغاثي، وأن القيادة الجنوبية تسعى للتملص من مسؤوليتها عن الهجوم.

وقالت المصادر للصحيفة إن هجمات مماثلة ستتكرر إذا لم يوضع حد لسلوك بعض القوات الإسرائيلية العاملة في غزة.