إيلاف من الرباط : في حوار أجرته معه مجلة "تل كيل" المغربية الناطقة بالفرنسية،، في عددها الأسبوعي (5 -11 تموز /يوليو ) ، بدا عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، واضحا في أفكاره، مدافعا عن قناعاته وما يؤمن به، متفائلا بالأوراش التي يشتغل عليها في الوزارة التي يوجد على رأسها منذ ثلاث سنوات.
على مدار الحوار ، الذي طرحت خلاله 21 سؤالا، لها راهنيتها، علاوة على أنها شائكة في ما تثيره من جدل ونقاش وتفاوت في وجهات النظر والمقاربات ،بدا وهبي أيضا منتصرا لبلاده ومواطنيه، قبل أي شيء آخر. وهي قناعة لخصها العنوان الرئيسي الذي وضعته المجلة للحوار ، حيث نقرأ بالبنط العريض على الغلاف الذي تصدرته صورة للوزير بنظرات ثاقبة، متأملة: "عبد اللطيف وهبي .. أريد أن تكون للمغاربة حقوق أكثر وضوحا".
أما بخصوص حزبه، الذي ترك أمر قيادته لقيادة جماعية، فقد بدا الأمين العام السابق لحزب "الأصالة والمعاصرة" متفائلا بالمستقبل، مؤمنا بالجيل الشاب، الحداثي والمنفتح على لغات وثقافات أخرى، بشكل يجعل كل تفكير في مستقبل هذا الحزب "إيجابيا".
بدا وهبي كذلك ، على مدى الحوار، مرتاحا في وضعية من يدافع عن أفكاره وما يقوم به وينشغل به. لم يركن إلى لغة الخشب والكلام الفضفاض، لأنه، كما قال، في معرض إجاباته، يعرف من يكون وماذا يريد؟
تبعا للإجابات التي تفاعل بها مع الأسئلة المطروحة، يخرج القارئ بخلاصة تؤكد أن وهبي لم يخض حواره بحثا عن تعاطف المغاربة. لنقل إنه جاء ليوضح وجهة نظره ولكي يضع الأمور في نصابها، خصوصا وأن الأمر يتعلق بقضايا وقوانين تتعلق بانشغالات وحقوق المغاربة ، وبعلاقاتهم داخل مجتمعهم، مع امتدادات سياسية ودينية واجتماعية وحقوقية، ركزت على القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، وإصلاح مدونة الأسرة (قانون الأسرة)، وقانون العقوبات البديلة، فضلا عن الحريات الفردية.
في معرض إجاباته، شدد وهبي على أنه يتوقع من كل ما يقوله أن يخلق جدلا. أولا، لأن ما يقوله غالبا، ما يتم تحريفه وإخراجه عن سياقه. وثانيا، لأن البعض يعمل على إعطاء تفسيرات لكلامه،تكون بعيدة عن قصده ومعناه. وقال وهبي، في هذا السياق، إنه يفضل "عدم الرد على هؤلاء"، لأنه يعرف من يكون وماذا يريد،وأن الآخرين "هم الذين لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط".
في تقديمها للحوار، شددت المجلة على أن وهبي لا يحب السكوت، ويقوم بإظهار ذلك، مشيرة إلى أنه أثار، منذ تحمله مسؤولية وزارة العدل، كثيرا من الجدل داخل المشهد السياسي الوطني، وخارجه؛ آخر فصوله، تصريحه في 21 مايو الأخير، تحت قبة البرلمان، في معرض إجابته على سؤال بمجلس المستشارين، تناول مطالبة الفنادق للمواطنين بالإدلاء بعقد الزواج قبل الموافقة على منحهم غرفا، مشيرا وقتها إلى أن هذا التصرف لا يحظى بسند قانوني.
الخريطة القضائية
في معرض سؤال تناول مشروع المرسوم المتعلق بالخريطة القضائية للمملكة، الذي صادقت عليه الحكومة، قال وهبي إن الهدف يتمثل في تقريب المحاكم من المواطنين، ما أمكن. وأشار إلى إشكاليتين: تتعلق الأولى بعدد موظفي العدالة، والثانية بعدد القضاة. وأضاف: "اليوم، ليس لدينا ما يكفي من القضاة على مستوى كل محكمة. يتعين علينا أن نحافظ على نوع من التوازن بين عدد القضاة الذين نتوفر عليهم والحاجيات المتعلقة بالمحاكم الجديدة التي يتم إنشاؤها".
المسطرة الجنائية
وبشأن تأجيل عرض مشروع قانون المسطرة الجنائية إلى وقت لاحق لتعميق مضامينه، قال وهبي إن هذا القانون سيخلق ثورة على مستوى السياسة الجنائية للمملكة. وأوضح أن مشروع هذا القانون يهدف إلى استكمال تطبيق الإصلاحات على مستوى منظومة العدالة وتحديثها؛ وأنه أحد أهم المشاريع التي تم إطلاقها من طرف الوزارة، لأنه المحرك الرئيسي لمنظومة العدالة الجنائية، ولأنه مرتبط بشكل واسع بحماية الحقوق والحريات، ومكافحة الجريمة، وأمن الأفراد. ولأنه، كذلك، من القوانين المركبة، بحكم أنه يحدد العلاقة بين المواطن الذي يتم تقديمه أمام العدالة، ومنظومة العدالة، والنيابة العامة، وقاضي التحقيق، وغيرهم. كمايحدد طبيعة المسطرة بين كل هذه المؤسسات والشرطة القضائية والدرك الملكي والنيابة العامة، وبين إدارة السجون والنيابةالعامة.
بالنسبة لوهبي، يتعين وضع مسطرة تسهل إجراء المحاكمة، وتقليص الزمن القضائي. ومثل لذلك، بالقول إنه ليس عاديا أن يبقى شخص موضوع رهن الحبس الاحتياطي إلى ما لا نهاية؛إذ من حق هذا الشخص أن يعرف عقوبته في أقل مدة ممكنة حتى يتمكن من الاستفادة من وسائل الدفاع ومن ضمانات المحاكمة العادلة. وأضاف أن من حق المواطن أن يعرف الجريمة التي اتهم بها، والأدلة المتوفرة ضده، والمدة الزمنية التي يتوفر عليها للدفاع عن نفسه.
وأشار وهبي إلى أن مساطر جديدة ستجد طريقها إلى التنزيل. ومثل لذلك، بالقول إنه في السابق، كان بإمكان الشرطة القضائية أن تضع أشخاصا قيد التصنت على مكالماتهم الهاتفية، بترخيص من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف. أما اليوم، فيمكن القيام بذلك بواسطة كاميرات أيضا. مع كل هذا، يضيف وهبي، "سيكون علينا أن نقوم بكل شيء لحماية العائلات واحترام الحياة الخاصة".
وشدد وهبي على أن "التحدي الأكبر" يتمثل في "أن نجعل هذا النص متوافقا مع الالتزامات الدولية ضمانا لشروط المحاكمة العادلة، في ظل تنسيق جيد بين جميع المؤسسات التي لها دور على مستوى القضية المعروضة. بالنسبة لوهبي، يتعلق الأمر بتأكيد التطور الذي حققه المغرب خلال العقدين الأخيرين في عددمن المجالات، بما في ذلك مجال حقوق الإنسان، الشيء الذي يتطلب نوعا من التوازن بين حق الدولة في معاقبة ومتابعة الأشخاص بهدف ضمان أمنها الداخلي، واحترام حقوق الإنسان.
بخصوص الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، في المشروع الجديد، قال وهبي إن القانون الجديد سيمكن من تقوية حقوق الدفاع، وتطوير آجال المتابعة والحكم، حماية الضحايا خلال المحاكمة، حماية القاصرين، وغير ذلك. ومثل لذلك بالإشارة إلى أن الأطفال والأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة يتعين أن يكونوا مرفوقين بمحامي حتى يتم الاستماع إليهم من طرف الشرطة القضائية. وأيضا، يمكن للأشخاص المتابعين الاطلاع على محاضرهم عند قاضي التحقيق والنيابة العامة. كما سيسهل هذا القانون الجديد العلاقة بين المحامي وموكله، من خلال الاطلاع على ملفه وإمكانية التحاور مع هذا الأخير. كما سيكون بإمكان المحامي التحاور مع موكله، خلال الأيام الأولى لوضعه رهن الاعتقال، وأن يزوره من دون حاجة إلى ترخيص مسبق من الوكيل العام.
وبخصوص القانون الحالي، قال وهبي إن هناك شكايات كثيرة بخصوص التوقيع على المحاضر. وأضاف أن هذا التوقيع سيتممستقبلا عبر تقنية المراقبة بالفيديو.
العقوبات البديلة
بخصوص قانون العقوبات البديلة، أشار وهبي إلى أنه عوض إيداع قاصرين السجن، سيكون بإمكانهم القيام بأشغال للصالح العام. أشخاص آخرون يمكنهم أن يحملوا سوارا إلكترونيا حتى يمكنهم مواصلة العيش في منازلهم والذهاب إلى عملهم، بدل الذهاب إلى السجن.
عبد اللطيف وهبي
وجوابا على سؤال الشكوك التي أبداها البعض في قدرة هذا القانون على تقليص الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، رد وهبي بأن كل تغيير هام في القوانين يثير أسئلة عديدة، من جهة أن الناس اعتادوا العمل بطريقة معينة. وحين يحدث تغيير عميق وواقعي، تبدأ الملاحظات. وأضاف: "أظن أن بعض التغييرات التي قمنا بها على مستوى القانون حول العقوبات البديلة ستدفع المغرب إلى التقدم إلى الأمام. لم ندخل هذا التغيير القانوني لتقليص الاكتظاظ في المؤسسات السجنية، بل لترسيخ تدبير قامت بها بلدان عديدة، ورأيناه إيجابيا بالنسبة لبلادنا.
وجوابا على سؤال يهم انتقادات تقول إن وضع قانون العقوبات البديلة جاء لتمكين الأغنياء من ارتكاب جرائم وشراء أيامهم في السجن، رد وهبي بأنه متأكد من أن الأشخاص الذين يطلقون هذه الاتهامات لم يطلعوا على النص أو، ربما لم يفهموه. وأضافأنه يترك لمن قرأ النص أن يصدر حكمه، وليس لأولئك الذين يصدرون أحكاما اعتباطية أو حتى تعسفية. ورأى أن كل تدبير من القانون له شروطه، سياقه، ظروفه وعناصره الخاصة. وتبعا لذلك، يضيف وهبي، فهذه "الاتهامات غير عادلة، وغير حكيمة وليس لها علاقة بالحقيقة".
القانون الجنائي
قال وهبي إن القانون الجنائي، إلى جانب مدونة الأسرة، يبقى "التحدي الأكبر" بالنسبة إليه. وأضاف: "هذان التحديان هما المشروعان الكبيران في حياتي". وشدد على أنه "متفائل". وأشار إلى أن هناك تعديلات عميقة عديدة تم إدخالها، سواء على مستوى التصور العام للقانون الجنائي، السياسة الجنائية، النصوص، العقوبات أو بعض أشكال العقوبات.
عقد الزواج
دافع وهبي عن قناعاته ووجهة نظره بخصوص عقد الزواج، الذي تطالب به المؤسسات الفندقية المواطنين قبل الموافقة على منحهم غرفا. وقال وهبي إن عقد الزواج عقد خاص، وأنه اتفاق بين الرجل وزوجته. وأضاف: "أولا، حين يذهب مواطن إلى فندق ويطلب منه عقد زواج، هذا يشكل تدخلا في الحياة الخاصة. ثانيا، حين يتجول شخصان في الشارع العام، علينا أن نفترض أنهم يقومون بذلك عن حسن نية، وليس العكس. إذا كانت لهما نوايا أخرى، فليس من حقنا نحن أن نصدر حكمنا تبعا لذلك. على الجريمة أن تحدث حتى نعاينها وليس العكس. كذلك الأمر بالنسبة لمن يقصدان فندقا. حين يسأل موظف استقبال في فندق سيدة إن كانت قدمت لقضاء الليلة مع رجل، أليس في ذلك إهانة لها ؟ لماذا يتعين أن ننظر إلى المرأة بهذا الشكل؟ كما أنه ليس هناك نص في القانون يسمح لهذا المستخدم بطرح هذا النوع من الأسئلة. من يفكرون في أن كل من يسير في الشارع من المحتمل أن يرتكب خطيئة ليس أمامهم إلا أن يشيدوا جحيما إن كان بإمكانهم ذلك.
وحول حجم الجدل الذي رافق وجهة نظره بخصوص مطالبة الفنادق الأزواج بعقوق الزواج، قال وهبي إنه يتوقع أن يحدث كل ما يقوله جدلا. أولا، لأن كلامه غالبا ما يتم تحريفه ووضعه خارج سياقه. كما أن البعض يجتهد في إعطاء تفسيرات لعباراته تكون بعيدة عن معناها. وأضاف: "أفضل عدم الرد على هؤلاء، لأني أعرف من أكون وماذا أريد. إنهم هم من لا يعرفون ماذا يريدون بالضبط".
ونفى وهبي أن تكون خرجته بخصوص مسألة عقد الزواج "بالون اختبار" للرأي العام قبل الإصلاح الذي يهم القانون الجنائي ومدونة الأسرة. وقال: "أبدا. هناك أشياء في القانون تزعجني، كأن يكون هناك مواطن في الشارع وتطلب منه الشرطة البطاقة الوطنية للتعريف، وإذا لم تكن في حوزته يتم اقتياده إلى المخفر. لماذا عليه أن يقضي الليلة هناك ؟ ولكن هذا سيتغير مع القانون الجنائي الجديد وقانون المسطرة الجنائية. على السلطة أن يحكمها القانون، والحياة الخاصة للمواطنين يتعين أن تكون محمية. إن أعظم جريمة أخلاقية يمكن أن يقوم بها شخص هي أن ينتهك الحياة الخاصة للمواطن. هناك أشخاص يعتقدون أن لديهم هذا الحق.
وجوابا على سؤال إن كان هناك رابط ما بين إثارته لمسألة مطالبة الفنادق بعقود الزواج واستعدادات المغرب لاحتضان كأس العالم 2030 بمعية البرتغال وإسبانيا، رد وهبي بالنفي، حيث قال: "لا. بالطبع لا. تفصلنا ست سنوات عن مونديال 2030. إلى ذلك الحين، مياه كثيرة ستجري تجت الجسر، وكثير من الأشياء ستتغير. هل تخدم المطالبة بالاحترام وتطبيق القانون مصالح شخص معين؟ أم يتعلق الأمر بتلميع صورة بلدنا في الخارج ؟ أريد تحديدا أن تكون للمواطنين المغاربة حقوق واضحة وحماية لهذه الحقوق. وأن يتصرف الجميع طبقا للقانون.
وأَضاف وهبي أن معظم الفنادق لم تعد تطالب بعقد الزواج؛مشددا على أن الأساسي هو عدم الافتراض، بشكل مسبق، أن شخصا ما سيرتكب جريمة.
العلاقات الرضائية
بخصوص تصريحه في مارس 2023، بأن المغرب يتجه إلى عدم تحريم العلاقات الرضائية (خارج الزواج) في الفضاء الخاص، مع وضع شروط بالنسبة للفضاء العام، قال وهبي: "لا. لم أقل شيئا كهذا. قلت إن هناك فضاءان للعيش بالنسبة للمواطنين: فضاء عام وفضاء خاص. كدولة، يمكنني أن أتدخل على مستوى الفضاء العام لأنه من مسؤولياتي حماية النظام العام، فضلا عن أمن وحريات المواطنين. لكن حين يغلق المواطن عليه باب بيته أو غرفة الفندق، فليس من حقي التدخل في فضائه الخاص. لم أقل أبدا إنني مع أو ضد شرعنة العلاقات الجنسية الرضائية خارج الزواج. قلت إنني أحترم الحياة الخاصة للناس وأن علينا أن نحترم بعضنا البعض في الفضاء العام.
مدونة الأسرة
من جهة اخرى ، قال وهبي إن الملك حين أمر بإصلاح مدونة الأسرة، كانت لديه رؤية معينة. يتعلق الأمر برؤية واضحة في رسالته وفي اختيار الأفراد الذين يكونون اللجنة المكلفة المراجعة . في نهاية الأمر، الملك هو الذي ستكون له الكلمة الأخيرة، بتشاور مع رئيس الحكومة، لأن الرسالة الملكية وجهت إليه. من جهتنا، قمنا بعملنا بقدر ما نستطيع.
وهبي :كل ما قمت به من أجل أن تحترم استقلالية القضاء
استقلالية القضاء
شدد وهبي على أن كل ما قام به منذ تقلده المسؤولية على رأس وزارة العدل هو لأجل أن تحترم استقلالية القضاء، مشيرا إلى أن أشياء كثيرة كانت مرتبطة بوزارة العدل لم تعد كذلك. وأضاف أنه حاول الاشتغال في الاتجاه، بتشاور مع محمد عبد النباوي،الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابةالعامة.
وأضاف: "قمنا بتجسيد هذه الاستقلالية في شكلها المادي والتطبيقي، فيما لم تكن، من قبل، إلا بشكل نظري".
الأصالة والمعاصرة
تساءل وهبي، في سياق حديثه عن القيادة الجماعية لحزب "الأصالة والمعاصرة"، التي جاءت خلفا له: "لماذا الخوف من التغيير على مستوى الشكل؟ هي تجربة جديدة، وسنرى ماذا ستعطي؟ هذه التجربة تبدو لي إيجابية مع فاطمة الزهراء المنصوري كمنسقة، يقودها جيل شاب. أما فيما يتعلق بقدراتهم على قيادة الحزب، فالزمن وحده الكفيل بالإجابة".
وأضاف وهبي أنه متفائل بمستقبل الحزب: "أولا، لأن الأمر يتعلق بجيل من الشباب، الحداثي والمنفتح على لغات وثقافات أخرى، لكنهم كذلك أبناء الحزب ترعرعوا فيه ولهم به علاقة روحية. لكل هذا أنا مقتنع بأن المستقبل لن يكون إلا إيجابيا".
التعليقات