تخيّل أنك فلاديمير بوتين! الغرب ينعتُك بـ"المارق" لأنك اجتحت أوكرانيا عسكرياً، ويسعى عبر العقوبات إلى اقتلاع اقتصاد بلادك من الأسواق العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية أصدرت بحقك مذكرة توقيف.

فماذا يمكن أن تفعل لكي تخبر الغرب أن ضغوطه لا تؤثر عليك؟

حسناً، حاوِل أن تستضيف قمة.

هذا الأسبوع بمدينة قازان الروسية، يستضيف بوتين أكثر من 20 رئيساً في قمة مجموعة دول بريكس للاقتصادات الناشئة.

ومن بين القادة المدعوّين: الرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.

الكرملين من جهته، يصف القمة بأنها "من أضخم أحداث السياسة الخارجية على الإطلاق" في روسيا.

كريس ويفر، وهو خبير اقتصادي وشريك مؤسس لشركة ماركو أدفايزوري للاستشارات، يرى أن "الرسالة بوضوح هي أن محاولات عزل روسيا قد باءت بالفشل".

يقول كريس ويفر: "جانب كبير من رسالة الكرملين هو أن روسيا تقف صامدة في مواجهة العقوبات. نعلم أن هناك شروخاً عديدة تحت السطح، لكن على المستوى الجيوسياسي، روسيا تنعم بكل هؤلاء الأصدقاء وكلهم يسعى للشراكة مع روسيا".

مَن هم أصدقاء روسيا؟

"بريكس" اختصار يشير إلى: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وعادة ما يشار إلى تجمّع بريكس باعتباره ثِقلاً موازياً للمعسكر الغربي، وقد توسّع هذا التجمّع مؤخراً فشمل كلاً من: مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة.

كما أنّ المملكة العربية السعودية، أيضاً، تتلقّى دعوات للانضمام إلى بريكس.

وتمثّل أُمم تجمّع بريكس نسبة 45 في المئة من إجمالي سُكان العالم، فيما يمثّل مجموع اقتصادات هذه الدول أكثر من 28.5 تريليون دولار – ما يناهز 28 في المئة من إجمالي الاقتصاد العالمي.

بوستر لقمة بريكس في قازان
EPA
قمة بريكس لهذا العام تنعقد في قازان، روسيا

ألمح مسؤولون روسيون إلى أن 30 دولة أخرى ترغب في الانضمام إلى تجمّع بريكس أو تحاول توثيق علاقاتها بنادي بريكس الاقتصادي.

بعض هذه الدول سيشارك هذا الأسبوع في قمة قازان؛ حيث ثمة توقعات بأن يكثر الحديث الذي يفيد بأن تجمّع بريكس يمثّل "أغلبية عالمية".

لكن، إلى جانب إعطاء فلاديمير بوتين فرصة هامة على المسرح الجيوسياسي العالمي، ما المتوقع تحقيقه أيضاً من قمة قازان؟

في إطار السعي الدؤوب إلى تخفيف الضغوط الناجمة عن العقوبات الغربية، سيحاول قادة الكرملين إقناع أعضاء بريكس بتبنّي بديل للدولار في المعاملات المالية الدولية.

يرى كريس ويفر، الشريك المؤسس لشركة ماركو أدفايزوري للاستشارات، أن "الكثير من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد الروسي متعلق بالتجارة والمدفوعات العابرة للحدود، وأن الكثير من ذلك مرتبط بالدولار الأمريكي".

يقول كريس ويفر: "تتمتع وزارة الخزانة الأمريكية بقوة ضاربة ونفوذ هائل على حركة التجارة العالمية، وذلك ببساطة لأن الدولار الأمريكي هو العملة الرئيسية التي تسوّى بها المعاملات في هذا المضمار. وتستهدف روسيا بالأساس تقويض هذه الهيمنة للدولار الأمريكي".

"ترغب روسيا في أن توجِد دول البريكس آلية تجارية بديلة ونظام معاملات عابراً للحدود لا يشتمل على الدولار أو اليورو أو أيّ من عُملات دول مجموعة السبع الصناعية، بحيث لا يكون للعقوبات هذا الأثر الكبير"، حسبما يوضح كريس ويفر.

نظام عالمي جديد

لكن مراقبين يشيرون إلى اختلافات داخل مجموعة البريكس، قائلين إن "تشابه الرؤى" ليس وصفاً يمكن أن ننعت به أعضاء البريكس في الوقت الراهن.

جيم أونيل، الاقتصادي البارز في مجموعة غولدمان ساكس، يرى أنه "من بعض النواحي، يرتاح الغرب لفكرة عدم اتفاق الصين والهند على أي شيء. لأن هاتين الدولتين في حال جديّتهما ستضيفان لتجمّع البريكس نفوذاً هائلاً".

يقول أونيل: "الصين والهند تفعلان كل ما بوسعهما لتفادي مهاجمة إحداهما الأخرى في معظم الوقت. ومحاولة الجمع بينهما في تعاون اقتصادي يُعدُ تحدياً لا ينتهي".

وليست الصين والهند وحدهما من بينهما اختلافات؛ فثمة توتر بين أحدث عضوين في تجمّع بريكس – مصر وإثيوبيا.

وعلى الرغم من الحديث عن انفراج سياسي، فإن إيران والسعودية لطالما كانتا خصمين إقليميين كذلك.

ويعتقد جيم أونيل أن "فكرة اجتماع هذه الدول للاتفاق على شيء عظيم الأهمية، تعدّ شيئا لا منطقي".

وفي حين تسعى روسيا -مدفوعة بحالة من الاستياء تجاه المعسكر الغربي- إلى إيجاد "نظام عالمي جديد"، فإن هناك أعضاء آخرين في مجموعة بريكس، مثل الهند، حريصون على الحفاظ على علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع الغرب.

وفي قمة قازان، ستتمثل مهمة فلاديمير بوتين في تجاوُز تلك الاختلافات بين الدول الأعضاء وتصوير أن هناك وحدة بين تلك الدول. هذا إلى جانب إرسال رسالة إلى الداخل الروسي وكذا المجتمع الدولي، مفادها أن روسيا أبعد ما يكون عن أن العزلة.