إيلاف من أصيلة: دعا مشاركون، مساء الاثنين، في ندوة "شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية"، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الـ45، إلى إيلاء الثقافة المكانة اللائقة بها، والتعاطي معها على قدم المساواة مع سياسات عمومية أخرى.
وأكدت الندوة، التي نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة، بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، على ضرورة تعزيز الصناعات الثقافية، بوصفها محركًا للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل، من خلال إطلاق برامج تدريب متاحة وملائمة لواقع السوق المغربي؛ مع وضع سياسة ثقافية تعترف وتقدر جميع أشكال التعبير الثقافي، سواء كانت تقليدية أو معاصرة؛ علاوة على دمج الأنشطة الثقافية والتربية الفنية في البرامج الدراسية، بشكل يسمح للأجيال الشابة بتطوير حس ثقافي وفني، بغض النظر عن أصولها الاجتماعية أو الجغرافية، مع إطلاق مبادراتطموحة، تسهم في ديمقراطية الوصول إلى الثقافة.
يسرى عبد المومن
وناقشت الندوة التي أدارها محمد بريك، مسؤول برنامج بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، وتدخل فيها كل من يسرى عبد المومن، الوسيطة الثقافية المتخصصة في الفن المعاصر، ونجيب بونهاي، الأستاذ في جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، ثلاثة أسئلة، ركز أولها على الكيفية التي يمكن بها للسياسات العمومية أن تساهم في توزيع أفضل للبنى التحتية الثقافية بالمغرب، وتناول ثانيها الآليات التي يمكن وضعها لجعل الوصول إلى الأحداث الثقافية أكثر سهولة بالنسبة للفئات الاجتماعية المحرومة اقتصاديا، فيما ركز ثالثها على كيفية دمج الصناعات الإبداعية في استراتيجيات التنمية الاقتصادية بالمغرب لتعزيز نمو شامل.
الثقافة كالصحة
تحدثت عبد المومن عن الحق في الوصول إلى الثقافة، إسوة بالوصول إلى الصحة والتعليم، وغيرها من مجالات التدبير المرتبط بالسياسات العمومية، وذلك أخذا بعين الاعتبار دورها في تحصين المجتمع من كل أنواع الانحرافات ومختلف أشكال التطرف.
وشددت عبد المومن على أن العرض الثقافي بقدر ما يمثل ضرورة إنسانية على مستوى تكريس الهوية، هو رافعة اقتصادية مهمة، لها دورها على مستوى خلق فرص الشغل، فضلا عن إعطائها معنى وقيمة للمهنيين العاملين في المجال.
جانب من الجمهور
وتطرقت عبد المومن إلى التفاوتات المسجلة بين المناطق، على مستوى الوصول إلى الثقافة، في إشارة إلى الإقصاء الذي تعاني منه بعض الفئات التي تعيش بعيدا عن المراكز المعروفة.
دروس أصيلة والصويرة
توقفت عبد المومن عند البعد التنموي الذي يمكن أن يتمخض عن الفعل الثقافي، وأعطت مثالا ب"موسم أصيلة" و"مهرجان كناوة" في الصويرة، مشيرة إلى أنهما ساهما في تطور المدينتين، فضلا عن الإشعاع والصيت الذي توفر لهما، داخليا وخارجيا، وكيف استطاعت المدينتان، انطلاقا من إشعاع الموسم والمهرجان ، أن تبنيا لهما صورة في المتخيل الجماعي، كمدينتين مزدهرتين بالفن والثقافة.
ودعت عبد المومن إلى إعطاء نفَس جديد للفعل الثقافي، مع التركيز على الشباب في علاقة بعصرهم، مع تقوية البحث والتكوين.
دمقرطة الثقافة وديمقراطيتها
من جهته ، تحدث بونهاي عن تقاطع الثقافة مع سياسات عمومية متعددة، تشمل ما هو دبلوماسي وعمراني، وغيرهما، وكذا طريقة العيش، وبالنسبة للمجتمع بشكل عام.
جانب من الجمهور
وتطرق بونهاي إلى مقاربتين، الأولى تتعلق بدمقرطة الثقافة، وهي مقاربة تنطلق من رؤية اشتراكية، ترى أنه مهما كانت الطبقة الاجتماعية ومهما كان مستوى عيشها، فإن من حق الجميع الولوج إلى الثقافة، تحت شعار "الثقافة للجميع". أما المقاربة الثانية، فتتعلق بديمقراطية الثقافة، وترى أن لكل الحق في أن يعبر بطريقته، وأن ينتج ثقافته مهما كان وضعه الاجتماعي، وبغض النظر عما هو ديني، أو لغوي، أو إثني. وشدد على أنه مهما كانت المقاربة المتبناة، فالنتيجة، تبقى واحدة: الوصول إلى الثقافة.
الحضوري والافتراضي
تحدث بونهاي ايضا عن تحولات على مستوى شكليات الوصول إلى الثقافة، مشيرا إلى أنه يكون إما حضوريا، من خلال القيام بزيارات للمتاحف أو حضور عروض سينمائية أو مسرحية؛ أو عن طريق التكنولوجيا أو ما يمكن تسميته بالولوج الافتراضي. كما تحدث على علاقة التربية بالثقافة، مؤكدا ضرورة إدماج الأنشطة الثقافية والتربية الفنية في البرامج التعليمية.
عرض وطلب
شدد بونهاي على أن الفعل الثقافي ليس شأنا خاصا بالوزارات الوصية على القطاع الثقافي، مشيرا إلى أن هناك عددا آخر من المتدخلين يتوجب أن يساهوا بمزيد من الجهد والتعاون في هذا المجال، على غرار المجتمع المدني والمقاولات والمؤسسات الخاصة.
ودعا بونهاي إلى إعادة النظر في ثناية العرض والطلب على مستوى الإنتاج الثقافي، مشددا على ضرورة القيام بتشخيص لتحديد الحاجيات والرغبات، قبل أن يخلص إلى ضرورة الحفاظ على الثقافة وتغذيتها، باعتبار أهميتها، على مستوى أكثر من بعد مجتمعي.
تفاوتات
يلعب القطاع الثقافي في المغرب، بوصفه ركيزة أساسية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، دورا حيويا في بناء الهوية الوطنيةوتعزيز التماسك الاجتماعي والترويج للتنوع الثقافي. ومع ذلك، تكشف التفاوتات المستمرة في الوصول إلى الموارد الثقافية عن فجوات عميقة، سواء كانت جغرافية أو اجتماعية واقتصادية، تتطلب اهتماما عاجلا.
ويؤدي تركيز البنية التحتية الثقافية في المدن المغربية الكبرى، بحسب أرضية الندوة، إلى تقييد وصول السكان القاطنين في المناطق الريفية أو المناطق المحرومة إلى الثقافة . وتتفاقم هذه التفاوتات الجغرافية بسبب التفاوتات الاقتصادية، حيث قد تشكل تكلفة الوصول إلى الاحداث الثقافية ، أو التدريب الفني، عائقا لا يمكن تجاوزه بالنسبة لجزء كبير من السكان؛ علاوة على أن العرض الثقافي نفسه، الذي يهيمن عليه غالبا إنتاج موجه للنخبة الحضرية، لا يعكس دائما التنوع الثقافي للبلاد، مما يحد من شمولية القطاع.
وذهبت أرضية الندوة إلى أن ديمقراطية الفن والثقافة في المغرب تتطلب استراتيجية شاملة، تهدف إلى تقليص هذه التفاوتات، وهو ما يمر عبر لا مركزية البنى التحتية الثقافية، وتشجيع المبادرات المحلية التي تعزز التعبير الثقافي الإقليمي ، وإدماج الأبعاد الثقافية في سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
التعليقات