إيلاف من دبي: في عصرٍ تتزايد فيه الأسئلة حول حدود الخصوصية ومسؤولية المنصات الرقمية، تطفو على السطح قضية جديدة تهزّ الوعي المجتمعي في الصين، وتكشف هشاشة الحماية القانونية للنساء في الفضاء الإلكتروني. من خلال تطبيق مراسلة مشفّر وعابر للحدود، جرى تداول محتوى حميمي مسرّب لعدد كبير من النساء، وسط حالة من الغضب المتصاعد ومحاولات جماعية لكسر جدار الصمت والرقابة.

تحقيق شبكة CNN يُقدّم صورة مفصّلة ومقلقة عن شبكة رقمية سرية باتت تمثل تهديدًا واسع النطاق لسلامة الأفراد وحقوقهم الرقمية.

تقول CNN ان امرأة في العشرينيات من عمرها، تُعرّف إعلاميًا باسم "السيدة د"، تلقت رسالة من مجهول يبلغها أن صورها الخاصة وفيديوهاتها الحميمة قد سُرّبت من قِبل حبيبها السابق، ونُشرت على قناة عبر تيليغرام باللغة الصينية تضم أكثر من 100 ألف مشترك.

الصور والفيديوهات المسرّبة لم تقتصر على السيدة د فقط، بل طالت عددًا لا يُحصى من النساء، من بينهن قاصرات وأقارب لبعض المشتبه فيهم، وفقًا لما أكدته "السيدة د" لـ CNN، مستندة إلى لقطات شاشة جمعتها بنفسها. العديد من الضحايا تعرّضن للإهانة والسخرية داخل المحادثات، بطريقة وُصفت بأنها صريحة ومهينة.

القناة التي تحمل اسم "منتدى ماسك بارك تريهول" اعتُبرت وفق تقرير CNN الأحدث في سلسلة قنوات مماثلة تم اكتشافها خلال العقد الأخير في شرق آسيا. وبالرغم من إغلاقها لاحقًا، ما تزال قنوات صغرى باللغة الصينية تنشط على تيليغرام، وهي منصة لا يمكن الوصول إليها داخل الصين إلا عبر شبكات افتراضية (VPN).

"لا أصدق كم هذا مُقزز. الأمر يُشبه الاغتصاب اللفظي... يتخيّلون حتى أفراد العائلة"، هكذا وصفت السيدة د شعورها. كانت أول من كشف علنًا عن القناة على وسائل التواصل الاجتماعي في نهاية الشهر الماضي، ما فجّر موجة احتجاجات إلكترونية شاركت فيها نساء من مختلف المناطق.

ومنذ انتشار القضية، بدأت مجموعة من النساء التعاون على الإنترنت لجمع الأدلة وتقديم الشكاوى للسلطات، رغم الحذر من الرقابة المشددة في البلاد. بعض المشاركات لجأن إلى شعار رمزي احتجاجي: "لا تحقيق، لا أطفال"، في إشارة إلى رفضهن الاستمرار في الإنجاب تحت ظل ما اعتبرنه تقاعسًا حكوميًا عن حماية النساء، خصوصًا في وقت تسعى فيه الحكومة لتعزيز معدلات المواليد.

لكن جهود المتطوعات والمحققين الرقميين قوبلت بردود فعل محدودة، إذ بدأت منشورات السيدة د وغيرها من الناشطات بالاختفاء من الإنترنت الصيني. ووفق التقرير، أظهرت لقطات شاشة أن منشورات كثيرة أُخفيت مؤقتًا أو أُعيد توجيه نتائج البحث عنها إلى مواضيع أخرى، ما يشير إلى تدخل جهاز الرقابة.

وبحسب CNN، فإن بعض المحققين عبر الإنترنت تلقّوا تهديدات مبطّنة بالتشهير أو الانتقام إن واصلوا الكشف عن تفاصيل قناة "حديقة الأقنعة". وقد اطّلعت الشبكة على إحدى تلك الرسائل الإلكترونية.

وعلى الرغم من أن بعض مستخدمي الإنترنت دعوا إلى احتجاجات شبيهة بتلك التي شهدتها كوريا الجنوبية ضد "المواد الإباحية الزائفة"، فإن أي تحرك علني في الصين يظل محفوفًا بالمخاطر، إذ تُقيّد السلطات بشدة التعبير المنسّق أو التجمّعات غير المرخصة. في آب (أغسطس)، تم حذف منشور شهير كان يتضمن إشارة رمزية إلى احتجاج محتمل، رغم حصوله على أكثر من 900 إعجاب.

قضية "حديقة الأقنعة" قورنت على نطاق واسع بما عُرف في كوريا الجنوبية بـ"الغرفة N"، وهي شبكة ابتزاز جنسي إلكتروني استهدفت قاصرات وشابات، وانتهت بإصدار أحكام سجن ضد الجناة وتعديل قوانين العقوبات. لكن ناشطين صينيين عبّروا لـ CNN عن تشاؤمهم من إمكانية تكرار التجربة في الصين، مستشهدين بالفوارق السياسية العميقة بين البلدين، لا سيما أن السلطات الصينية تعتبر النشاط المستقل تهديدًا للاستقرار.

رغم الاهتمام الشعبي والإعلامي، لم تصدر السلطات الصينية حتى الآن أي بيان رسمي بشأن القضية، على الرغم من تغطية محدودة قدمتها وسائل الإعلام الحكومية. وذكرت CNN أنها تواصلت مع إدارة الفضاء الإلكتروني، ووزارة الأمن العام، واتحاد نساء عموم الصين، لكنها لم تتلقَ أي تعليق حتى وقت إعداد التقرير.

السيدة د أكدت في حديثها أنها تلقت نحو 20 صورة وفيديو حميميًا، إلى جانب بياناتها الشخصية على مواقع التواصل، من طرف مجهول، قبل أن تكتشف أن المصدر هو حبيبها السابق، الذي دعا لاحقًا آخرين في إحدى المحادثات إلى "تبادل" فيديوهات لحبيباتهم السابقات. ورغم نفيه أن يكون قد نشر سوى ثلاثة فيديوهات، فإن السيدة د تعتقد أن الرقم الحقيقي أكبر، وقد راجعت CNN المحادثات بينهما.

قالت السيدة د: "عندما حدث ذلك لأول مرة، شعرت بتضارب في المشاعر... كان الأمر سخيفًا للغاية، لكنني كنت غاضبة وحزينة فعلاً".

وبحسب القانون الصيني، فإن إنتاج أو نشر أو بيع مواد إباحية بغرض الربح يُعاقب عليه بالسجن المؤبد، بينما تصل العقوبة إلى عامين إذا لم يكن هناك دافع مادي. كما قد يواجه المتورطون في هذه المجموعات تهمًا إضافية بالإهانة والتشهير، بحسب ما أفاد به محامون لـ CNN.

رغم حذف "حديقة الأقنعة"، رصدت CNN ما لا يقل عن 12 مجموعة نشطة أخرى على تيليغرام، يتداول فيها المستخدمون صورًا ومقاطع حميمية لنساء، بعضها حقيقي وبعضها مزيف عبر تقنيات تعديل الصور، بالإضافة إلى بيانات تواصل خاصة.

وفي استجابة سريعة، أعلنت منصة تيليغرام أنها أغلقت القنوات فور الإبلاغ عنها، مشيرة إلى أنها تحظر المحتوى الإباحي غير المرخّص "متى ما تم اكتشافه"، وتُفعّل حظرًا دائمًا ضد الحسابات التي يثبت انتهاكها.

وردًا على سؤال CNN حول كيفية منع تكرار هذه الانتهاكات، أوضحت تيليغرام أن "كل حساب مرتبط برقم هاتف، وبالتالي فإن تكرار الجريمة يصبح أصعب وأكثر تكلفة".

في ظل صمت السلطات، يتزايد الضغط الشعبي عبر الإنترنت. قالت "فراني"، وهي محامية تبلغ من العمر 33 عامًا من مدينة شنتشن، إن القضية "تمثل جريمة جماعية بحجم غير مسبوق"، وإنها تُكرّس نحو ست ساعات يوميًا للتحقيق في الشبكة، دون أجر أو مقابل.

وأضافت: "أعتقد أن هناك أسبابًا قانونية كافية لفتح تحقيق جنائي شامل".

وبينما تسعى الصين لمعالجة أزمة انخفاض المواليد، ترى ناشطات أن تجاهل مثل هذه القضايا يقوّض الثقة المجتمعية في حماية الحقوق الأساسية للنساء. بالنسبة إلى السيدة د، فإن حذف القناة لا يعني نهاية المحنة، وإنما بداية معركة أوسع لكشف الحقيقة.