محمد عيادي

يظهر أن الرئيس السوداني عمر حسن البشير سلم بأن انفصال الجنوب عن الشمال بات مسألة وقت، وأن كل المؤشرات الداخلية والخارجية تؤكد أنه حاصل لا محالة، وهو ما دعاه الأحد الماضي لإعلان عزمه على تعزيز تطبيق الشريعة الإسلامية وأن تصبح المصدر الرئيسي للدستور في حال اختار الجنوب الانفصال في الاستفتاء الذي تفصلنا عنه بضعة أيام.
وسبق لمساعده نافع علي نافع قبل أيام أن اعترف بفشل كل الجهود للحفاظ على وحدة السودان، وقال بصريح العبارة laquo;انفصال الجنوب أصبح أمرا راجحا لأنه يمثل توجه الحركة الشعبية الذي يدعمه الغربraquo;.
والسؤال المطروح هو: هل سينهي الانفصال في حال حصل -وشبه مؤكد أنه سيحصل- مشاكل السودان الناتجة عن التنوع الثقافي والعرقي حتى وإن كان الجميع يدين بالإسلام في الشمال ويقبل به مصدرا رئيسيا للتشريع بالدولة السودانية؟
ويبدو أن تأكيد البشير على تطبيق الشريعة الإسلامية -بغض النظر عن السؤال الكبير laquo;كيف؟raquo; ووفق أي رؤية ومعطيات اقتصادية واجتماعية وسياسية- لا يعدو أن يكون تبريرا لعجز الدولة السودانية وحزب المؤتمر الوطني في السنوات الماضية عن تفادي واقع الانفصال وتحدياته وإشكالاته والحفاظ على وحدة الأمة السودانية بتنوعها الديني والعرقي والقبلي والثقافي.
والأسوأ أن إعلان البشير المذكور، قد يزرع تخوفاً داخل شرائح من المجتمع السوداني من سيناريوهات تطبيق الشريعة، مستحضرين نماذج ينتظرها جزء من الغرب بفارغ الصبر ليشن حملاته المعهودة على الدين الإسلامي واتهامه بالقسوة ووصفه بما ليس فيه، وأستحضر هنا ما حصل للصحافية التي توبعت بالمادة laquo;152raquo; من القانون الجنائي السوداني، بسبب لبسها laquo;البنطلونraquo; واعتباره laquo;زيا فاضحا مخلا بالآداب العامة يسبب مضايقةً للشعور العامraquo; وبالتالي استحقاق العقاب بـ laquo;الجلد بما لا يتجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاًraquo; رغم أن القضية من أساسها مفتعلة حسب كثيرين، لكن المعنية -التي كانت مغمورة- استثمرتها كفرصة واستغلت خطأ وسوء تقدير المسؤولين لتصبح بطلة وشخصية يشار إليها بالبنان تجول وتصول في العواصم الغربية باعتبارها مناضلة من أجل تغيير قوانين تصفها بالظالمة.
إن السؤال المركزي المطروح اليوم على حكومة الرئيس البشير، ليس سؤال تطبيق الشريعة، بقدر ما هو سؤال حماية السودان من مزيد من التشرذم والعمل على وحدة ما سيتبقى بعد انفصال الجنوب، مع أن هذا الأخير قد يكون مشجعا لفكرة التجزيء البغيضة خاصة في ظل واقع سياسي سوداني مطبوع بضعف أحزابه وتراجع آثارها في المجتمع، وهيمنة الحزب الوطني على الحكم، وبدا ذلك واضحا جدا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والجماعية في أبريل الماضي.
ولئن كانت تلك الانتخابات قد أعطت للرئيس البشير شرعية جديدة، فإنها لم تحدث نقلةً في النظام السياسي السوداني، ولا تجديداً في الحياة السودانية وبقي الوضع على ما هو عليه، من غياب حوار حقيقي بين الفرقاء السياسيين يسمح بشراكة في الحكم تُدبِّر المرحلةَ الحرجة التي تمر منها البلاد في ظل ضغوط خارجية غربية مستمرة على نظام الحكم بالسودان.
ويعتقد كثير من المتتبعين والمهتمين بالشأن السوداني، أن نجاح حكومة الرئيس السوداني عمر البشير في مرحلة ما بعد استفتاء التاسع من الشهر المقبل رهين بالأساس بمعالجة ثلاث إشكالات جوهرية: وهي أزمة الهوية التي أضرت باستقرار السودان، وهيمنة المنطق الأمني في إدارة الخلافات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وإشكالية غياب الديمقراطية في إدارة الخلافات في المجتمع السياسي والمدني.
ومعالجة هذه التحديات أو الإشكاليات لا تقتصر مسؤوليتها على تهم الحزب الحاكم فقط -وإن كان الأكثر مسؤولية لكونه مطالباً بتوفير الأجواء الدافعة والمشجعة وفتح الباب للشراكة- بل النخبة السياسية والفكرية السودانية هي الأخرى ملزمة بالسعي في بناء هوية سودانية جامعة موحدة وإرساء ثقافة الديمقراطية والمواطنة ضداً على الثقافة الطائفية والمناطقية والعرقية، وأول خطوة في هذا الاتجاه هو قيام الجميع بنقد ذاتي ومراجعة للمرحلة السابقة والقطع مع أخطائها.