موسى بهبهاني
مضى نحو 35 عاماً من تعرّض دولة الكويت للغزو الغاشم من النظام العراقي البائد، عشنا خلالها أياماً مريرة ولنا فيها ذكريات مُؤلمة لا تنسى، تجلّت خلالها بطولة ومعدن الشباب الكويتي سواءً من شارك بالمقاومة المسلحة أو من قام بشتى الأعمال الخدمية والضرورية في الوطن وكل ذلك من أجل الكويت.
وبالرغم من بعض المواقف السلبية من بعض الدول في جامعة الدول العربية إلا أن الكويتيين كانوا مؤمنين بالمولى عز وجل وبأن الأزمة ستنجلي، والكابوس سينتهي، صمدوا وثبتوا في الوطن غير مبالين بالخطر يحملون حب الوطن في قلوبهم.
فى يوم الأربعاء 1 /8 /1990 انتهى لقاء جدة بين الكويت والعراق الساعة الـ 10 مساءً، على أن تستكمل المباحثات في بغداد، ولاحقاً في الكويت وفقاً للاتفاق بين الطرفين.
وبعد مرور 4 ساعات وفي تمام الساعة الثانية فجراً من يوم الخميس الأسود الموافق 2 /8، بدأ الغدر وتم غزو دولة الكويت واستولت القوات الغازية على المؤسسات الحكومية والأهلية كافة، وأُذيع البيان المشؤوم بسيطرة القوات الغاشمة على كامل الأراضي الكويتية وبغفلة وغدر من الزمن.
تم تشكيل مقر حكومة الكويت في الطائف، حيث تابعت الحكومة الطارئة أحوال المواطنين في الخارج وفي الداخل، وتم تزويد المواطنين بالمساعدات المختلفة وإصدار النشرات والبث الإذاعي اليومي، وكان التواصل بين القيادة الشرعية والصامدين في الكويت مستمراً.
من رحم المآسي يُولد الأمل
سطر أبناء الكويت البررة مواقف مشرفة في أشد الظروف آلاماً عندما استبيحت أراضيها، واستشهد أبناؤها دفاعاً وحباً للوطن العزيز، وبرز من أبنائها أبطال نفتخر بهم، ثبتوا وعملوا ودافعوا عن الوطن دون أن يتباهوا بما فعلوا، ولم يفخروا بما قدّموا، بل أنكروا ذواتهم وكتموا أعمالهم، وابتغوا وجه ربهم الذي لا يُضيع أجر من أحسن عملا، والذي يعلمُ السرَّ والنَّجوى.
عندما استبيحت الأراضي الكويتية وتعرضت لغزو بربري، غادر غالبية الوافدين العاملين في الدولة عائدين إلى دولهم خوفاً على حياتهم وحياة أسرهم ولا لوم عليهم وهذا من حقهم المشروع، والجميل في هذا الأمر هنا أن الكويتيين بجميع أطيافهم (حضري، بدوي، سني، شيعي) هم من أداروا جميع الأعمال عوضاً عن ذلك الرحيل الجماعي، فعملوا في جميع المهن من أدناها بدءاً من قيادة سيارات نقل القمامة من مناطق الكويت إلى موقع المحرقة، إلى إدارة جميع الأنشطة المهنية والخدمية، فالاعتماد كان على أبناء الوطن الذين عملوا دون انتظارٍ للأجر بل العمل كان خالصاً لله والوطن في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
مصابنا كان كبيراً، عانينا لمدة 7 شهور متتالية، فيها الكثير من الأحداث والقصص المؤلمة، فلقد كان الغزو طعنةً بالظهر من جار غدر بجاره، يصعب علينا نسيانه، والأجمل بأن الغزاة لم يتمكنوا أبداً من إضعاف جبهتنا الداخلية، بل العكس زاد الغزو من تماسك وتكاتف وتلاحم شعبنا فكان أُسرة واحدة، يساعد أبناؤه ويساند بعضهم البعض، متعاونين ومتعاضدين ومساهمين جميعاً في حفظ دعائم استقرار وطننا العزيز، ولله الحمد أثبت الكويتيون وفاءً منقطع النظير للوطن.
مواقف مشرفة بالرغم من تبعياتها الخطرة
- العصيان المدني
- عدم تغيير لوحات السيارة
- الاحتفاظ بالعملة الكويتية
- الاحتفاظ بالعلم الكويتي
- الاحتفاظ بصور الأمير الشيخ/ جابر الأحمد وولي عهده الشيخ /سعد العبدالله، طيّب الله ثراهم.
أخت الرجال:
رحم الله والدتي العزيزة، فعندما اجتمع الأشقاء في الأسرة خلال الغزو، واتفقنا بأن يغادر النساء مع الأطفال والأخوات خوفاً على حياتهم، وعندما طلبنا منهم ذلك... قالت والدتي:
«لن نترك الكويت في هذه الظروف بل سنبقى معاً في الديرة نموت أو نحيا معاً».
وهذا ديدن كل نساء الكويت الحبيبة وبمواقفهن الراسخة هذه استمددنا قوتنا ولم يرهبنا الغزاة ولم نركع أو نستسلم وكنا مقبلين على الموت دون خوف.
مصداقا لقول الشاعر:
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها
أعدت شعباً طيّب الأعراق
البث الإذاعي الكويتي
كانت الصرخة الكويتية (هنا الكويت) مدوية لم يتمكن الغزاة من خنقها، بالرغم من احتلال مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي، استمر أبناء الوطن البث عبر أماكن مختلفة عدة بدأت في الجيوان، ثم انتقلت إلى استديو الدسمة، ثم استخدمت سيارة النقل الإذاعي الموقت، والانتقال إلى منطقة صباح السالم، ثم إلى الخفجي وأخيراً إلى مبنى الإذاعة القديم في الدمام.
بدء الأحداث الدولية:
1 - أصدر مجلس الأمن في 29 /11 /1990 القرار رقم (678) حدد فيه تاريخ 15 /1 /1991 موعداً نهائياً للقوات الغازية للانسحاب من الكويت.
2 - في يوم الخميس 17 /1 /1991 انطلقت الحرب الجوية (عاصفة الصحراء) معلنة بدء حرب تحرير الكويت.
3 - في 24 /2 /1991 بدأت الحرب البرية.
ولم تكن تلك الأحداث مغيبة عنا، بل كنا نتابعها من الداخل من خلال النشرات الإخبارية السرية، ومن خلال المذياع (الراديو) أولاً بأول، وتلك الأخبار كانت تخفف عنا الألم والقلق.
الشعب الكويتي سطّر أروع ملحمة من التضامن، والتعاون، والوحدة الوطنية، في تلك الظروف الصعبة، رصوا صفوفه ضد الغازي المحتل كسد منيع ضد كل من يحاول بث الفتنة بيننا، وتفوق في صد العدوان الذي أراد طمس تاريخ شعب وابتلاع جغرافيا وطن حتى انتصر الحق، وعادت الكويت حرة أبية في فجر يوم 1991/2/26.
اللهمّ احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات