حين ننتقد نحن الكتاب الكرد الوضع السياسي بإقليم كردستان ونتحدث عن الفساد الكبير الذي يعم وطننا هذا،يصفنا أعوان الدكتاتور وأقلامه المأجورة بالخونة والمارقين! وحين ندين السرقات وننتقد سياسة تجويع الشعب الذي بات لا يملك قوت يومه، تخرج علينا وسائل الإعلام الممولة بأموال النفط المنهوب ليصفوننا بأكراد المالكي! وحين نصرخ بزمهرير الشتاء داعين الى تأمين برميل واحد من النفط الأبيض لتدفئة بيوت المواطنين في بلد يعوم على بحور من النفط، يوصمنا كتابهم المرتزقة بالعمالة لإيران!..وحين ننادي بتأمين الكهرباء في عز الصيف لبيوت المواطنين، ينبري قلم مأجور في بيت من بيوت أوروبا المكيفة مركزيا للدفاع عن سياسة حكومة فاشلة تعجز عن تدبير أربع ساعات من الكهرباء.وحين نستغيث بالحكومة وبالبرلمان العراقي لدفع رواتب موظفينا التي أوقفتها حكومة الإقليم، يصفنا معلقو مقالاتنا من المنعمين بإعانة حكومات أوروبا بـ"العراقجية"!

قديما قيل في العراق أنه" إذا قال صدام قال العراق". ذاك كان ديكتاتورا يحكم بالحديد والنار.. واليوم حين يقول مسعود بارزاني بأنه لايطيق بغداد،فعلى شعب كردستان من زاخو الى خانقين أن يخرج الى الشوارع ويهتف "بالروح بالدم نفديك يا ريس كردستان".

اليوم أصبحت الموضة الجديدة هي الحديث عن الإستقلال، وحين نعترض على رفع هذا الشعار، تنهال علينا الشتائم من كل حدب وصوب حتى تنال من أعراضنا، ناهيك عن تهديدنا بالقتل أو الترحيل عن مدننا وديارنا.

أنا عن نفسي كنت جزءا من ثورتي شعبي لنيل الإستقلال، وربما أكون قد ناضلت أضعاف أضعاف ممن يجلسون اليوم خلف حواسيبهم في بلدان اللجوء من أجل أن ينال شعبي حقه بتقرير المصير وإعلان دولته المستقلة، ولكن دعونا نتساءل" أي دولة تلك التي ناضل جيلي من أجلها"؟

- دولة يتجرأ رئيسها قبل إعلانها بغلق البرلمان وطرد رئيسه من العاصمة؟.

- دولة يطرد فيها الوزراء لمجرد أنهم ينتمون الى حركة سياسية تعارض النهج الدكتاتوري للحكم"؟

- دولة تتجاسر على قطع رواتب الموظفين الصغار والمتقاعدين وأبناء الشهداء لدفع ضريبة مغامرات وزير الموارد النفطية وخسارته لدعاوى قضائية من شركات النفط والتي ترتبت عنها ديون بمليارات الدولارات؟

- دولة يقتل فيها الصحفي لمجرد كتابة تقرير يكشف عن فساد مسؤول، أم الدولة التي يمنع فيها المعلمون من التظاهر للمطالبة بقوتهم؟

- دولة تتحالف مع ألد أعداء الشعب الكردي وتضع كل مقدراتها الإقتصادية بيد تركيا لا لشيء سوى لتكون ظهيرا لها في مواجهة الأحزاب السياسية المعارضة للنهج الديكتاتوري؟

لو كانت هذه هي الدولة التي قدم جيلي من أجلها عشرات الآلاف من الشهداء، وقدم شعبي من أجلها مئات الألوف من الضحايا وأرتكبت بحقه أبشع جرائم الإبادة البشرية في حلبجة والأنفال، فبؤسا لهذه الدولة.وأقولها ثانية" بؤسا لهذه الدولة".

لقد كان أملنا وهدفنا ونضالنا المرير هو لتحرير كردستان من الدكتاتورية البغيضة التي أذاقت شعبنا المر والهوان..كنا نناضل من أجل غد تشرق فيه شمس الحرية ويعيش فيه شعبي بالرفاه والأمان..كان نضالنا من أجل الديمقراطية ولأجل فضاء يتسع للجميع وليس للحزب الواحد الأوحد.كان نضالنا من أجل أشقائنا في الأجزاء الأخرى من كردستان ومعاونتهم وإسناد نضالهم من أجل نيل حريتهم. كل هذه الأماني والأهداف تبخرت خلال أداء هذه السلطة الفاسدة عبر ست وعشرين سنة من تجربة التحرر.وحل محلها:

- دكتاتورية الحزب الواحد والفرد الأوحد وإحتكار الحكم بديلا عن أمل الديمقراطية.

- الساحة ضاقت على الأحزاب والقوى الديمقراطية، وأصبحت السلطة تعادي حتى الأحزاب التي فازت بثلث مقاعد البرلمان.

- أنابت السلطة نفسها عن الدول المعادية للقضية الكردية وباتت هي رأس الرمح في محاربة القوى الكردية بأجزاء كردستان الأخرى.

- حل الفساد بجميع مفاصل الإدارة والحكم بديلا عن مشاريع التنمية والعمل الجدي لتحقيق الرفاه للشعب.

- أصبح القتل على الرأي بديلا عن فتح الأجواء أمام حرية التعبير، وأصبحت السجون مكانا تكتظ بالمتظاهرين والمطالبين باقوات أطفالهم.

هذه هي الصورة السوداوية لحكم إقليم كردستان اليوم.

لو كان في كردستان زعيم سياسي جريء بحجم مقتدى الصدر الذي يزلزل الأرض من تحت أقدام زعماء العراق، لإطمأننت على دولتي المستقبلية.

لو كان في كردستان مرجع نزيه وعادل وقور مثل السيد السيستاني الذي رغم عدم تدخله بالسياسة لكن مجرد ظله قادر على تغيير الرؤساء ورؤوساء الوزارات إذا حادوا عن الطريق الصحيح، عندها سأبصم بعشرة أصابعي على تشكيل دولتنا المستقلة.

لو كان في كردستان حزب قوي قادر على مقاومة قرار العائلة الحاكمة بتعطيل البرلمان، لكنت من مؤيدي إعلان الدولة المستقلة.

لو كان في كردستان سياسي يجرؤ على إرغام حزب بارزاني بإعادة دفع رواتب الموظفين ووقف سياسة التجويع المتعمد للشعب، لكنت أول من يخرج بتظاهرة للمطالبة بالإستقلال.

لو كانت هناك هيئة كردية كهيئة النزاهة العراقية تحاسب الوزراء وأكبر رؤوس الفساد في كردستان، خذوا تواقيعنا على مذكرة الإستقلال.

لكل ذلك أعتقد بأن إن الضجيج الإعلامي الحالي الذي يثيره حزب بارزاني بشأن الإستفتاء( ريفراندوم) ليس هدفه إعلان الدولة الكردية المستقلة بقدر ما هو من أجل إسترجاع بعض هيبته المفقودة في بغداد، خاصة بعد طرد وزرائه وممثليه في الكثير من مناصب الدولة بسبب الفساد، حتى أن المتحدث الرسمي بإسم حكومة إقليم كردستان قد قال بصراحة" أن الهدف من الإستفتاء هو الحصول على ورقة ضغط ضد بغداد". ورغم فشل هذا الحزب في محاولته لرفع العلم الكردي فوق مباني كركوك وتراجعه المشين عن الهوية الكردية لهذه المحافظة تحت ضغط الرئيس التركي رجب أردوغان،مع ذلك فإنهم يحاولون بإلعزف على هذا الوتر العاطفي القومي أن يخدعوا شعبهم بإطلاق هذا الشعار وفي هذا الوضع المتأزم سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا بإقليم كردستان والذي لا يعدو سوى محاولة لإلهاء الرأي العام وإمتصاص غضب الشارع الكردي، وإلا كيف يمكن الذهاب الى الإستفتاء وإعلان الدولة في ظل غياب البرلمان، بل كيف يمكن تصديق هذا الشعار وقادة كبار بحزب بارزاني يقولون بأن قرارا كهذا لايحتاج الى البرلمان وإنما يؤخذ من داخل الأسرة البارزانية الحاكمة، حينذاك هل ستكون الدولة القادمة دولة المواطن أم دولة العشيرة؟

قبل أعوام قال السياسي الكردي الكبير نوشيروان مصطفى"نحن الشعب جميعا نريد تأسيس الدولة المستقلة.. ولكننا لا نريد دولة شبيهة بالصومال، بل نريد دولة مثل الإمارات" فهل هؤلاء القوم قدروا أن يحولوا أربيل الى دبي ثانية كما وعدوا، أم تراهم حولوا شعبهم الى حفاة جياع يعيشون على فتات موائد مسؤولي الفساد؟

إذا كانت مواقفي هذه تثير البعض أوتغضب البعض، فليسجلوا بأنني ضد الدولة الدكتاتورية بلون الحزب الواحد الأوحد.