كما تحدث أهل العلم والمعرفة في كل بقاع العالم عن جدوى معرفة الذات، ثمة حِكم مماثلة أو قريبة منها لدى الكثير من شعوب المنطقة ومنهم على سبيل الذكر سكان كانتون عفرين، وبما أننا بصدد المشهد القاسي ولعله الفصل العسير من مسار وحياة حزب الاتحاد الديمقراطي في كانتون عفرين، تُذكّرنا حِكم ومأثورات (كرداغ) هذه الأيام العصيبة بالمجازفات القولية لقائد وحدات حماية الشعب سيبان حمو في حديثٍ إلى صحيفة الحياة بتاريخ ٢٨ مارس/ آذار ٢٠١٧ والذي من بين ما صرّح به حمو هو أنه لم يستبعد أن تشارك وحدات الحماية الشعبية ضمن تحالف قوات سورية الديموقراطية في تحرير إدلب من جبهة النصرة ومن هم على شاكلتها بعد تحرير الرقة من داعش! بل وأكد حمو في ذلك اللقاء مع إبراهيم حميدي أن التعاون مع الجانبين الأميركي شرق نهر الفرات والروسي غرب النهر سيستمر إلى حين القضاء على الإرهاب وإيجاد حل عادل للقضية الكردية وقيام نظام فيديرالي في سورية ينظم العلاقة بين دمشق والأقاليم!!!
إذن فطالما كان سيبان حمو واثق من علاقته بالروس والأمريكان، وكان يعرف مدى وأبعاد التنسيق معهم فلماذا غدا حزبه يخشى من هجوم تركيا على عفرين؟ وطالما يعي حزب الاتحاد الديمقراطي قدره وأهميته كحليف حربي لدى الروس والأمريكان فلماذا راح كما يفعل حزب البعث يلزم المواطنين للمشاركة في تظاهرة عارمة في شوارع عفرين ضد العدوان التركي المحتمل على المنطقة؟ إذ ليس من باب الشماتة لا قدر الله نورد تناقضات قادة الحزب المذكور ولكن لو لم يكن كلام السيد سيبان حمو مجرد تشطيحة سياسية على غرار تشطيحات الشعراء الذين يمحو النهار كل ما يقولونه في الليل، لما أصدرت هيئة العلاقات الخارجية في مقاطعة عفرين في الآونة الأخيرة هذا البيان الاستجدائي إلى الرأي العام والذي جاء فيه "اننا في هيئة العلاقات الخارجية في مقاطعة عفرين، وفي الوقت الذي نناشد الدول المحبة للسلام والديمقراطية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي والاتحاد الأوربي، والجامعة العربية، والسيد الأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيريس بتحمل مسؤولياتهم التاريخية في ردع اعتداءات الدولة التركية ضد مقاطعة عفرين التي لايوجد فيها داعشي واحد، وهي لا تزال تستقبل النازحين من كل مناطق سورية، وتتقاسم مع الجميع لقمة الخبز، دون ان تفرق بين مكون وآخر، ودون أن تصد أي قادم إليها".
كما أنه وبالرغم من أن القيادي العقائدي التابع لحزب الاتحاد الديمقرطي آلدار خليل معروف عنه مدى عنجهيته التنظيمية وعدم قدرته على قبول الأحزاب الأخرى كشركاء له في إدارة المناطق الكردية في سوريا، وحسب قيادات من أحزاب المجلس الوطني الكري أن خليل من أبرز مَن كان يتهرب باستمرار من استحقاقات اتفاقيات دهوك وهولير إلا أن خليل وبعد أن شعر بخطورة الأمر صرّح لموقع السلطة الرابعة بتاريخ 4 يوليو 2017 على خلاف خطابه الاستعلائي الناشف، داعياً هذه المرة إلى التكاتف قائلاً "إن المؤتمر الوطني الكردي ضرورة إسترتيجية ملحة ومهمة وخصوصا لتلبية إستحقاقات المرحلة الراهنة ولمواكبة تطور الحالة الكردية في الشرق الأوسط، إن وحدة الصف الكردي والنقاش حول مستقبل القضية الكردية حاجة قصوى فمن خلال اللقاء والحوار والنقاش نستطيع الخروج بضمانات ديمومة الدور الكردي النوعي في المنطقة" ولكني حيال أقوال وسلوكيات هذا القيادي لا أجد أي حرج في القول بأن مَن يتهرب مِن مشروع الوحدة في عز قوته، ويدعو للتكاتف فقط أوان الخطر وحين شعوره بقرب فصول هزيمته، هو ليس بالضرورة أن يكون صادقاً قط فيما يدعو إليه.
وبالنسبة لقادة الحزب وقادة وحدات الحماية الشعبية بما فيهم سيبان حمو الذي حسب مؤيدي الحزب وكواده وأنصاره أنه من مواطني منطقة عفرين، وبما أنه من عفرين فعليه إن لم يكون مطلعاً على شروط معرفة الذات والآخر لدى الفلاسفة والحكماء، فعلى الأقل كان عليه أن يكون على دراية تامة بالحكم والأمثال الشعبية في منطقته وحيث يقول العفرينيون:
1- hêr hêrê hespî çê li piş embarê cihê.
2- ker ket ji xwedana mekintir tune.
3- Kî li hespî xelkê siwar bê tim peya ye.
أي بما معناه:
1ـ أن قوة الحصان الجيد وجماحه يكون بسبب مخزون الشعير.
2ـ إذا سقط الحمار فليس هنالك مَن هو أقدر على صاحبه لانتشاله.
3ـ مَن تعوَّد على امتطاء فرس الآخرين يبقى مترجلا.
فهذه الكلمات العفرينية تدل على مدى أهمية اعتماد المرء على نفسه، وأن ما من أحد بقادر على إفادة المرء أكثر من أهله وناسه، وأن على المرء أن لا يعوِّل على الوعود الكاذبة للحلفاء المفترضين، إنما يكون اعتماده على أهل بيته وناسه، ومعرفة المرء لقدراته وإمكانياته، فهم ظروفه وإدراك قدرات جنوده وشعبه، إلا أن الواقع يشير إلى ماهو العكس تماماً فالشارع الكردي ناقم على السياسة الاستبدادية للاتحاد الديمقراطي، والناس يعارضون وبشدة اقتياد أبنائهم لساحات القتال في الحرب مع داعش نيابة عن الآخرين، والضرائب التي فرضها الحزب على المواطنين أنهكتهم فوق ما فعلت بهم الحرب، ويبقى آخر همٍ لدى الحزب هو إرضاء الشارع الكردي عنه، لئن من طبع المستبد أن يكون قاسياً مع أهل بيته وأسرته ويكون في أتم قساوته معهم، بينما مع خصومه يبدو لطيفاً ويتنازل للعدو حتى عن كبريائه لقاء استمراره سيداً على الجغرافية التي يستطيع فيها ممارسة سطوته وجبروته، وأقرب مثال لعنجهية الاتحاد الديمقراطي أنه استبد برأيه في كوباني حتى الرمق الأخير، ولم يقبل بشركاء من الكرد معه في إدارة المنطقة والدفاع عنها إلى أن تم تدمير كل كوباني بسبب غرور قادة الحزب وجبروت كوادره المؤدلجين، ويبدو أن منطقة عفرين ستكون الفيصل في تاريخ هذا الحزب، فإن فشل الحزب كما حصل في كوباني بخصوص المخاطر المحدقة بالمنطقة وإبعاد الشر وآلة الحرب عنها فسيكون المشهد الأخير من مسرحيته السياسية، وأمام المخاطر المحدقة بعفرين وناسها يبقى مصير المنطقة مرهون بمدى التوافق الأمريكي الروسي، ومدى قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على أن ينفذ مطالب أو أوامر الطرفين، وإذا ما استطاع الحزب من خلال الارتماء على عتبة المصالح الروسية أو الأمريكية فإنه لربما يحافظ على ماء وجهه بعض الشيء، ولعل من بعض أبرز المطالب الروسية أو التنازلات المطلوبة منه لتهدئة أنقرة هو الانسحاب من كل القرى والمناطق العربية التي سقوا ترابها بدماء المئات من شباب الكرد، وهو ما دعا إليه مؤخراً الدكتور علاء الدين آل رشي الذي أشار إلى ضرورة انسحاب حزب الاتحاد الديمقراطي من المناطق العربية، علماً أن معظم النشطاء والسياسيين والمثقفين الكرد مع كل أحزاب المجلس الوطني الكردي ليس الآن فحسب بل ومنذ أزيد من سنتين وهم يعارضون ذهاب الشباب الكرد للموت مجاناً في المناطق العربية بدعوى محاربة داعش، علماً أن الحزب وأنصاره يعرفون جيداً بأن صورة الكردي غدت من أسوأ ما يكون لدى الشارع العربي موالين ومعارضين، وربما ليس العاقل وحده إنما وحتى الجاهل قد يتساءل مراراً وهو يقول في سره: طالما أن هذا الشارع لا يطيق الكردي أليس من الحمق والغباء الصرف أن يموت المرءُ كالفطيس دفاعاً عن ديار أناس يحتقرونه؟ إلا أن الحزب من فرط استبداده بالرأي ومن فرط انسياق قادته وانقيادهم من قبل من يستخدمونهم عن بُعد بالريموت كونترول مستعد لأن يفتدي بكل الكرد لقاء إرضاء من يسوقونه، أو لقاء كسب رضا بعض الأعراب عنه لتحقيق مكاسب حزبية تافهة ولو كان على حساب دماء آلاف الكرد، مع أنه من المفروض أن من يتكالب عليه الجيران أن يسعى جاهداً للتصالح في أسرع وقت مع أهل بيته، ويثبت لهم بأنه نادم على كل عسفه السابق بحقهم، ويتعهد أمام الملأ بأنه فتح صفحةً جديدة مع شعبه قبل شركائه الماكثين خلف الحدود، إلاّ أن التجارب التاريخية تشير إلى أن المستبد لا يتنازل بسهولة عن جبروته العَفِن حتى ولو كان سيل الجيران سيجرفه.
وختاماً فبالنسبة لأهالي عفرين نقول قُد نفسك أيها العفريني الحر، فلا تسمح لجاهلٍ عقائدي أعمى أرسلته العناية الأيديولوجية ليحكمك، ويسلب قرارك، ويقودك كما يقود الراعي الأبلهُ قطيعاً من الخرفان صوب قطعان الذئاب، فعوّل على ذاتك، فلا تتوقع أن يدافع عنك مَن يقامر بأبناء المنطقة كرمى إرضاء أرجاس الأنظمة الغاصبة، نعيد وبصيغة أخرى نقول: إذا كان العفرينيون فعلاً يودون تسطير موقفهم البطولي في الدفاع عن منطقتهم من أي عدوان محتمل، فعليهم المباشرة بتنحية كل قيادات المنطقة ممن ليسوا من أهلها، ممن فرضتها الأيديولوجيا القنديلية عليهم، لأن هؤلاء القادمون من خلف الحدود هم الأسافين، وهم مجرد سماسرة ومقامرون يغيرون الأوطان والمواقع والقضايا كما يغيرون ملابسهم، فلتوقنوا بأنه لن يفيد عفرين أحد أكثر من فلذات أكبادها، ولن يحزن عليها أحد أكثر من أبنائها، ففقط بإرادة وصمود أبنائها قد تنتصر المنطقة ولو تخلى عنها العالم كل العالم.
- آخر تحديث :
التعليقات