الإحباط واليأس يسيطران
قطاع غزة... حينما يفترس الحصار الحياة

خلف خلف من رام الله:
في 12 أيلول / سبتمبر 2005، كان سكان قطاع غزة أعصابهم مشدودة، وعيونهم مشدوهة صوب التحرير، على أمل أن ينعموا بحياة كريمة وهدوء واستقرار، وذلك بالتوازي مع مراقبتهم لعملية انسحاب آخر جندي إسرائيلي من القطاع، ولكنهم لم يكونوا على دراية ومعرفة أن عقارب الزمن ستوصلهم للإحباط واليأس الذي يعيشونه هذه الأيام، فيزجون في معتقل كبير لا تغادر الطائرات الإسرائيلية سماءه، متحينة الفرصة للأنقاض على ما تعتبرهم إسرائيل مطلقي الصواريخ محلية الصنع، ولا يسمح كذلك لمقومات الحياة من كهرباء وماء وغاز وقمح وسكر وغيرها من المواد الأساسية من الدخول للقطاع، إلا بتصريح من تل أبيب التي اعتبرت قطاع غزة مؤخرًا quot; كيانًا معاديًا quot;.هذا في وقت تجددت الاشتباكات اليوم السبت بين القوة التنفيذية التابعة لحركة حماس وعائلة حلس، وسقط قتلى وجرحى بينهم أطفال منذ اندلاع الاشتباكات بين العائلة وحماس عصر يوم الأربعاء الماضي.
ومن جانبها، تواصل إسرائيل دفع القطاع نحو الهاوية، وأغرقت شماله ليلة أمس بالظلام بعدما قصفت دبابة إسرائيلية محول الكهرباء، كما أنها تتوغل في العديد من المحاور في كل ليلة، ويخوض عناصر المقاومة الفلسطينية مواجهات دامية معها وبخاصة في منطقة مطار غزة شرق رفح.
إلى ذلك، تشير معطيات رسمية أن ما لا يقل عن 15 ألف طفل فلسطيني في غزة يعانون بسبب الحصار من سوء التغذية، هذا فيما يتعرض سكان القطاع الذين يزيد عددهم عن مليون ونصف المليون نسمة لعقاب جماعي وسط صمت دولي مطبق، وقد ازدادت حدة الحصار والإغلاق المفروض على غزة منذ سيطرة حركة حماس على غزة منتصف يونيو الماضي.

وأوضح مركز الميزان لحقوق الإنسان في تقرير له اليوم الأربعاء الماضي أن إسرائيل اتخذت من سيطرة حماس ذريعة لتبرير ارتكاب عقوبات جماعية وجرائم ضد السكان المدنيين، وأفادت مصادر فلسطينية أن قوات خاصة إسرائيلية اقتحمت صباح اليوم منزل احد سكان حي الجرادات شرق رفح في قطاع غزة يدعى جهاد أبو شوشة وقامت باعتقاله.
هذا فيما يطال الحصار أوجه حياة الفلسطينيين في القطاع كافة، ويصف بعض المواطنين الحياة في القطاع بالتراجيديا في ظل نفاد معظم المواد الأساسية من الأسواق، حيث وصل سعر كيس الدقيق لما يزيد عن 40 دولار، بينما زادت أسعار بعض السلع لثلاث أضعاف وبعضها لأربعة أضعاف وأغلبها بات غير متوفر.
هذا فيما تواصل إسرائيل احتجاز أكثر من ستة آلاف فلسطيني ممن قدموا إلى زيارة قطاع غزة لأسباب مختلفة قبل التاسع من يونيو المنصرم، وحسب تقرير لمركز الميزان لا تقف معاناة العالقين عند حد انتهاك حقهم في حرية التنقل والسفر بل ينتهك مختلف حقوقهم الأساسية كالحق في التعليم، بالنظر إلى أن عددًا كبيرًا منهم من الطلبة الملتحقين بالدراسة في جامعات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبين مركز الميزان إن إسرائيل بإغلاقها معبر رفح تحرم هؤلاء الطلبة من حقهم في الوصول إلى جامعاتهم. وربما شكل توقيت الإغلاق دورًا ضاعف من المشكلة، خاصة وأن إغلاق المعبر جاء بعد بدء الإجازة الصيفية في الجامعات، وهي فترة عادة ما تشهد عودة أعداد كبيرة من الطلبة لقضاء الإجازة بين أفراد أسرهم.
كما أن عددًا كبيرًا من الطلبة الجدد كانوا أنهوا معاملات التسجيل في الجامعات خارج قطاع غزة، ومنهم من دفع رسوم فصل دراسي، إلا أن أحدًا منهم لم يتمكن من الوصول إلى جامعته. كما يسهم الحصار في تشتيت شمل آلاف الأسر، ممن جاءوا في زيارة لذويهم أو استخراج بطاقات هوية لأطفالهم، حيث تواصل قوات الاحتلال حرمانهم من العودة إلى البلدان التي قدموا منها، لجمع شملهم مع أسرهم، باستمرار إغلاقها لمعبر رفح البري، ووقف آلية السفر عبر معبر بيت حانون (إيرز) ndash; العوجا.
ولا يقتصر الضرر بحسب المركز عند حدود معاناة العالقين النفسية والمادية بل يتجاوزه ليتهدد مئات الأسر خطر التشتت، ولا سيما أن عددًا كبيرًا ممن قدموا لزيارة ذويهم في غزة انتهت إقامتهم في البلدان التي قدموا منها أو شارفت على الانتهاء، الأمر الذي قد يحول دون عودة بعضهم في ظل تشدد كثير من الدول في السماح للفلسطينيين بدخول أراضيهم. هذا إضافة إلى المشكلات المتعلقة ببدء العام الدراسي، الأمر الذي قد يهدد الكثيرين منهم بضياع عام دراسي إذا ما استمر الإغلاق، خاصة وأن المدارس لا تقبل من تخلف عن الدراسة لفترة طويلة.
وكانت إسرائيل أغلقت معبر رفح وأعاقت العمل فيه طوال الفترة التي تلت 26/06/2006. ومنذ اندلاع الاقتتال الداخلي 9/06/2007، الذي انتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، فرضت السلطات الإسرائيلية إغلاقًا شاملاً للمعبر، وبعد أن اتبعت آلية إدخال العالقين على الجانب المصري عبر معبر بيت حانون (إيرز) مرورًا عن معبر العوجا، توقفت عملية السماح لمن علقوا داخل القطاع للعودة بالآلية نفسها.
وquot;خطة الانسحابquot; التي نفذتها إسرائيل عام 2005، كان المركبان الأساسيان لها، تفكيك جميع المستوطنات التي أقيمت في قطاع غزة وإخلاء المستوطنين إلى المناطق الإسرائيلية وسحب كافة قوات الجيش الإسرائيلي إلى خارج منطقة القطاع. ومع إتمام تطبيق الخطة، أصدرت إسرائيل أمرًا أعلنت من خلاله عن انتهاء الحكم العسكري في قطاع غزة. وبهذا أرادت إسرائيل أن تعفي نفسها من أي مسؤولية عن سكان قطاع غزة ومجرى حياتهم السليم. غير أن إسرائيل احتفظت لنفسها، حتى بعد تطبيق خطة الانفصال، بالسيطرة على المجال الجوي والمجال البحري لقطاع غزة، وعلى المعابر بين القطاع وبين الضفة الغربية (حتى عن طريق الدول المجاورة)، وكذلك إدارة سجل السكان وإجراءات لم شمل العائلات، ودخول البضائع إلى غزة أو الخروج منها.