موسكو: تستعد المعارضة الجورجية هذه الأيام لمعركة مصيرية مع ميخائيل سآكاشفيلي حيث ستنظم يوم غد أمام مبنى البرلمان في شارع روستافيلي في العاصمة تبليسي تظاهرة يشارك فيها، حسب توقعات المعارضين، 100 ألف شخص. ويتوقع المعارضون أن تكون هذه التظاهرة أكبر تظاهرة جماهيرية خلال تاريخ جورجيا المعاصر- ليست أقل أهمية من quot;ثورة الورودquot; نفسها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: quot;هل ستمثل التظاهرة انتفاضة جديدة تطيح برئيس آخر للدولة الجورجية؟
منذ حوالي شهرين لم يكن هذا السيناريو ليخطر على البال- المعارضة كانت متفرقة ولم تشكل أية منافسة حقيقية للرئيس. ولذلك فإن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، التي لم يعلن عن موعد إجرائها بعد (من المحتمل أن تجرى في خريف-شتاء العام القادم)، كانت محددة مسبقا.
إلا أن تصريحات وزير الدفاع الجورجي السابق إيراكلي أوكرواشفيلي الفاضحة، التي اتهم فيها زميله السابق سآكاشفيلي بارتكاب جميع الموبقات المعقولة وغير المعقولة، قلبت كل شيء رأسا على عقب. وعلى الرغم من أن أوكرواشفيلي نفسه، بعد زجه في السجن وإخراجه منه بكفالة (لا يعلم حتى الآن من دفع 6 ملايين دولار)، قرر الاختفاء، إلا ان كرة الثلج، التي بإمكانها أن تطيح برئيس الدولة وفريقه، لا يمكن إيقافها. وقررت المعارضة العمل بنشاط بعد توقيعها في 17 أكتوبر بيانا رسميا بتوحدها.
وقد حدد الهدف الاستراتيجي للمعارضة بالإطاحة بسآكاشفيلي، أما الهدف التكتيكي - فهو إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة ليس في نهاية عام 2008 - بداية 2009، بل في الربيع المقبل. واتخذت المعارضة شعارا لها سترفعه خلال المظاهرة. وقبل ذلك وقفت المعارضة أمام احتمالين للشعار وهما quot;جورجيا دون سآكاشفيليquot; أو quot;جورجيا بدون رئيسquot;. ومع أن الشعار الأول يبدو واضحا، لكن الثاني أثار جدالا واسعا.
وجوهره هو أنه هل هناك حاجة إلى المنصب الرئاسي في جورجيا أصلا، حيث لم يستطع أي من رؤساء جورجيا المستقلة العمل بشكل طبيعي أو حتى إكمال فترته الرئاسية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. وباختصار فالحديث هنا يدور حول انتقال نظام الدولة من رئاسي برلماني إلى برلماني رئاسي. والاحتمال الأخير هو الذي تراهن عليه المعارضة: التوصل إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتحقيق فوز فيها، وعند الحصول على الأغلبية البرلمانية-إعادة كتابة الدستور، وانتزاع السلطة من سآكاشفيلي.
وقد أجريت أول بروفة لتظاهرة المعارضين في زوغديدي، التي تعتبر حصن الرئيس الأسبق زفياد غامساخورديا. وتجمع هناك من 5 إلى 10 آلاف شخص. وقد قامت السلطات ببروفة أيضًا، إذ أرسلت إلى زوغديدي فرقًا شبابية. وقام هؤلاء الشباب باتهام المشاركين في التظاهرة، بأنهم باعوا أنفسهم للكرملين. وانتهت التظاهرة بصدامات بين المتظاهرين وفرق الشباب.
وقد وجهت الاتهامات إلى أفراد المعارضة بأنهم quot;باعوا أنفسهم للكرملينquot; بعد أن أعلن زعماؤها أنهم يرغبون في تحسين العلاقات مع روسيا. ولكنهم لا يراهنون على موسكو فقط. لقد قام المعارضون بتوسيع quot;الزحفquot; على الغرب معلنين من بين أهدافهم في السياسة الخارجية هدف تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والانضمام إلى الناتو. وقد فعلوا ذلك بنجاح.
وأعربت الإدارة الأمريكية بحذر عن عدم رضاها عن نظام سآكاشفيلي الذي تخطى حدوده منذ زمن بعيد. وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ميتيو برايزا إن quot;المعارضة تملك الحق في الاحتجاج بشكل علني، ولا سيما أن quot;مؤشر تطورها الديمقراطي ليس مرتفعا كما يجب أن يكونquot;.
وتتوقع الصحف الأمريكية أن البيت الأبيض مستعد quot;لتسليم سآكاشفيليquot; والمراهنة على المعارضة. وتتوقع أيضا أن زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية دانييل فريد إلى جورجيا قبيل 2 نوفمبر لم تكن مصادفة (لقد التقى فريد الخميس مع المعارضة).
وأجرى رجال المعارضة تحضيرات فنية للتظاهرة وسط دبلوماسيين أوروبيين أيضا بحيث جمع معارضو سآكاشفيلي بأفراد السلك الدبلوماسي الأوروبي في السفارة الفرنسية في تبليسي وأعلموهم بما يجري على الساحة. وفي محاولة لإضفاء طابع عالمي على الأحداث، تم إرسال وفد إلى أوروبا الغربية - بهدف تنظيم فعاليات تظاهرية في برلين وستراسبورغ وأثينا في 2 نوفمبر.
وأصبح معروفا خلال هذا الأسبوع مصدر الموارد المالية للمعارضة في نشاطها للإطاحة بسآكاشفيلي- لقد عرض المليونير الجورجي بدري باتاركاتسيشفيلي، الذي أقام في لندن، خدماته المالية على المعارضة. ويبدو أن رجل الأعمال هذا جدي في نواياه: لقد أعلن عن تسليمه جميع الحقوق للمحطة التلفزيونية المعارضة quot;ايميديquot; في تبليسي إلى مالك الإمبراطورية الإعلامية روبرت ميردوك. ويرى باتاركاتسيشفيلي أن هذا أكثر أمانا، وقال في هذا الصدد: quot;أريد أن أحمي القناة من الضغط. والصحفيون والقناة سيكونون في أمان أكثر فيما إذا كان المساهمون أمريكيين. وميردوك سيضمن حرية الكلمةquot;.
وفي ما يتعلق بموسكو فعلى الأرجح أنها ستفضل عدم التدخل في الوضع. بالطبع فإن تصريحات سآكاشفيلي بشأن السلطات الروسية وجنود حفظ السلام الروس تخطت جميع الحدود منذ فترة طويلة.
ولكن بالتأكيد أن موسكو لن تؤيد المعارضة بشكل قاطع.
أولا، لأنها لا تؤمن بحسن نية التصريحات الاسترضائية حيال روسيا.
وثانيا، لا تعجب مخططات السياسة الخارجية المعلن عنها من قبل المعارضة (بما فيها الانضمام إلى الناتو) روسيا بالطبع، إذ تدرك موسكو جيدا أن المعارضة تراهن على الغرب.
وأخيرا : سيبدو غريبا لو أن موسكو ستؤيد من كان يموله أقرب أصدقاء بوريس بيريزوفسكي، المطلوب للعدالة في روسيا.