إحذروا من أميركا المكبلة بأزماتها
أجندة حروب تنتظر أوباما في البيت الأبيض

الانتخابات الامريكية
بلال خبيز من لوس انجلس: تذهب بعض التحليلات المهتمة بما يجري في اميركا، والتحديات التي تواجه باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة الاميركية مذاهب متناقضة في تطلبها وتوقعها، إذا ما قورنت بالوقائع الداهمة التي لا بد ستواجه الرئيس المقبل وتجبره على التحرك سريعاً على اكثر من جبهة وفي اكثر من ملف. في هذا السياق يرى مايكل ايزنستادت من معهد واشنطن للدراسات ان الرئيس المقبل سيكون قائداً لحرب واحدة على الاقل ان لم يكن اكثر من حرب في وقت واحد وعلى جبهات متعددة، وان الصعاب التي ستواجهه لن تمهله الوقت لدراسة ملفات الأزمات مثلما درجت العادة في الإدارات الأميركية السابقة. حيث عادة ما تكون السنوات الاولى من عهد كل رئيس سنوات يعكف فيها على رسم سياساته الخارجية، وتتسم خطواته فيها بالحذر والجمود على اكثر من صعيد.

President-elect Senator Barack Obama speaks on the phone in ...
Signs honor US President-elect Barack Obama in Chicago, Illinois. ...
US President Elect Barack Obama speaks to advisor Robert Gibbs ...
لكن باراك اوباما مواجه بملفات ساخنة ولا تحتمل التأجيل، بدءاًَ من العراق الذي بدأ تنظيم القاعدة فيه والقوى المسلحة التي تقاوم الوجود الاميركي هناك، في محاولة ملاقاة النية الاميركية المعلنة بالانسحاب في منتصف الطريق. حيث شهدت الاسابيع الاخيرة ارتفاعاً في وتيرة العمليات الأمنية موقعة عدداًً كبيراً من الضحايا بين المدنيين، في محاولة لجعل اي انسحاب اميركي من العراق يشبه هزيمة وتقهقهراً. والحال نفسها في افغانستان التي تعمل حركة طالبان فيها على خطين متوازيين، فهي من جهة تريد ان تستثمر انتصاراتها الموضعية في الاعمال العسكرية، واحكام سيطرتها على بعض المناطق في السياسة ومن جهة اخرى تريد ان تجعل الانسحاب الدولي من افغانستان امراً لا مفر منه في القريب العاجل.

والحق ان الإدارة الاميركية هناك تجد نفسها مضطرة لتحقيق انتصار معنوي كبير، يتمثل بدعوة اوباما لتنشيط عمليات البحث الاميركية عن اسامة بن لادن. وفي هذا السياق لا يبدو ان وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية تعرف كيف تدير وجهها في هذه المعركة، فبحسب مسؤوليها الذين استجوبهم بعض مستشاري اوباما، تبين ان نصفهم يظن ان اسامة بن لادن قد مات ونصفهم يظن انه لا يزال حياً ويعيش في باكستان على الحدود مع افغانستان، لكن القاسم المشترك بين الرأيين يتمثل في انعدام اليقين. فلا الذين يقولون انه مات قادرون على اثبات ما يقولونه ولا الذين يقولون انه ما زال حياً قاردون على اثبات صحة ما يعتقدونه. ما يجعل امر تنشيط البحث عن اسامة بن لادن مجدداً اشبه بلعبة متاهات لن تستطيع الإدارة الاميركية ان تربح فيها إلا بتوافر قدر كبير من الحظ.

من جهة ثانية يستشعر بعض المناوئين لأميركا في منطقة الشرق الاوسط ان اميركا مكبلة اليوم بأزمتها الاقتصادية، ما يتيح لهم التشدد في مطالباتهم اقتناعاً منهم أن الولايات المتحدة غير قادرة في ظل الازمة الاقتصادية والفترة الانتقالية بين إدارتين على ردعهم عسكرياً وبالقوة. وفي هذا الصدد ثمة من يشير إلى احتمال تدخل سوري مباشر في لبنان تحت حجج محاربة الارهاب لأن النظام السوري يستشعر ان الولايات المتحدة غير قادرة على ردعه في هذه اللحظة، وإلى ان تستعيد اميركا قدرتها على المبادرة والهجوم يكون النظام السوري قد ثبت ما يريد تثبيته في لبنان، واصبح وجود جيشه فيه امراً واقعاً يجدر التعامل معه على هذا الاساس.

الامر نفسه على جبهة الملف النووي الايراني، حيث ينظر الكثيرون من المحللين بقلق بالغ للتجربة الصاروخية الاخيرة في ايران، وللنشاط المفرط في تخصيب اليورانيوم الخفيف، حيث تشير بعض التقديرات إلى ان ايران قد تصبح قادرة على انتاج القنبلة النووية في غضون العام المقبل على ابعد تقدير، ما يستدعي رداً اميركياً حازماً وسريعاً.

والأخطار لا تقل دهماً على المستوى الفلسطيني ndash; الاسرائيلي، إذ يبدو ان اسرائيل تتجه حثيثاً نحو مواجهة مع حماس مستغلة هذه الفترة الانتقالية في اميركا لتحقيق مكاسب معينة على الارض، فضلاً عن قرب انفجار المواجهة بين حركتي quot;حماسquot; وquot;فتحquot; التي يضرب لها المحللون موعداً محدداً هو التاسع من كانون الثاني - يناير المقبل، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يتجه إلى تمديد ولايته عاماً آخر، في ظل رفض حمساوي واضح.

هذه القضايا الساخنة تواجه الرئيس الجديد من قبل ان يتسلم مهامه فعلياً، وحيث ان اميركا موعودة بأزمة اقتصادية طويلة في ما يبدو، فإن الأطراف التي تناوئها في المنطقة قد تجد الفرصة مناسبة لتغيير الوقائع على الارض ما دامت القوة الرادعة الأكبر مكبلة بأزماتها. لكن الأمور يجب الا تؤخذ على هذا النحو من التسرع في التحليل، إذ يشير ريتشارد كوهن محلل الواشنطن بوست، ان الأزمات المالية الكبرى التي تضرب العالم، قلما تنتهي من دون حمامات دم عالمية، هذا ما أثبته العالم خلال الحربين العالميتين الكبريين، وهذا ما قد يحصل اليوم. إذ لم يخرج العالم من ازمته الكبرى في الثلاثينات إلا بعدما سبح في دمه، واخشى ما يخشاه المرء، ان تكون هذه الفترة من الزمن اشبه ما تكون بتلك الفترة من التاريخ.