نجلاء عبد ربه من غزة: لم يكن الأمر عادياً عصر هذا اليوم من العام 1987 عندما أشعل مواطنون فلسطينيون إطارات السيارات وأغلقوا الشوارع نتيجة مداهمة شاحنة عسكرية إسرائيلة لعمال فلسطينيين بالقرب من معبر إيرز كانوا متوجهين إلى منازلهم في مخيم جباليا، شمالي قطاع غزة، فقتلت أربعة عمال وأصابت 7 آخرين من نفس المخيم، لتتطور الأمور وتأخذ مناحي مختلفة لسبعة أعوام متتالية، وتنتهي بدخول أول مقاتل فلسطيني في العام 1994.

عفوياً، هب سكان قطاع غزة في ذاك اليوم ليجدوا أنفسهم أمام إنتفاضة شعبية كان عنوانها الحجر، لتتطور لاحقا وتصبح مالوتوف ثم سكيناً ثم مسدس وكارلو، وتنتهي بكلاشنكوف وخطف جنود وإشتباكات مسلحة قتل خلالها 1550 فلسطينياً، واعتقل نحو 100000 فلسطيني (وفق معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى).

ففي الثامن من كانون الأول من العام 1987، كانت حافلات تقل عمالاً فلسطينيين عائدين من مساءً من أماكن عملهم داخل الخط الأخضر إلى قطاع غزة، وحين كانت على وشك القيام بوقفتها اليومية أمام الحاجز الإسرائيلي quot;بيت حانونquot; للتفتيش، داهمتها شاحنة عسكرية إسرائيلية، ما أدى إلى مقتل أربعة عمال وجرح سبعة آخرين، جميعهم من سكان مخيم جباليا في القطاع. ولاذ سائق الشاحنة العسكرية الإسرائيلية بالفرار على مرأى من جنود الحاجز، وعلى أثر ذلك اندلع الغضب الشعبي صباح اليوم التالي من مخيم جباليا، حيث يقطن أهالي الضحايا ليشمل قطاع غزة برمته وتتردد أصداءه بعنف أيضاً في الضفة الغربية.

عند تشييعالقتلى الأربعة ظهر اليوم التالي، شاركت طائرات مروحية إسرائيلية جنود الاحتلال الذي كانوا برا في قذف القنابل المسيلة للدموع والدخانية لتفريق المتظاهرين الغاضبين، فقتل وأصيب خلال التشييع عدد اخر من لمواطنين، فيما فرضت القوات الإسرائيلية نظام منع التجول على بلدة ومخيم جباليا وبعض أحياء في قطاع غزة. وسرعان ما أتسعت الإحتجاجات والمظاهرات والاشتباكات مع الجنود الإسرائيليين بمجرد ورود أنباء من راديو quot;مونتي كارلوquot; الذي كان الوسيلة الأسرع لدى الفلسطينيين أبان تلك الإنتفاضة في نقل أخبراهم، حيث عمت مختلف مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، ليبدأ الفلسطينيون يومها في حياة جديدة يدركون حجم معاناتها.

كان إغتيال خليل الوزير quot;أبو جهادquot; في تونس بتاريخ 16/4/1988، الرجل العسكري الأول في حركة فتح، أثر كبير في علو وتيرة الأنتفاضة، فقد قتل يوم إغتياله في الضفة الغربية وقطاع غزة 18 فلسطينياً، نتيجة الثورة الغاضبة التي إنطلقت في أزقة المخيمات والبلدات والمدن الفلسطينية المختلفة. الأمر ذاته كان خلال إنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر، عندما أعلن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في كلمته الشهيرة التي رددها الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية quot;إعلان وثيقة الإستقلالquot;. كان ذلك في الثاني عشر من نوفمبر من العام 1988، حينها فرض الجيش الإسرائيلي منعا للتجوال في كافة أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن ألعاباً نارية عمت سماء الأراضي الفلسطينية من أسطح منازل الفلسطينيين.

وأشير في وثيقة الاستقلال عند إيرادها للسند القانوني، إلى 'الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقري المصير، إثر قرار الجمعية العامة (للأمم المتحدة) رقم 181 لعام 1947 الذي قسم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، ثم أضافت أن هذا القرار quot;ما يزال يوفر شروطاً للشرعية الدولية، تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلالquot;.

لكن الحدث السنوي المعروف لدى الفلسطينيين، حتى فلسطينيو الداخل، هو quot;يوم الأرضquot;، الذي يصادف 30/ 3 من كل عام، فهو مناسبة جيدة لقيادة الإنتفاضة الأولى بأن ترفع من وتيرة المواجهات، لكن على الدوم كان الجنود الإسرائيليون يتصدون بحزم لتلك المواجهات، فيوقعون عدداًُ من القتلى والجرحى، فضلاً عن إعتقال أعداد هائلة جدا من الشبان الفلسطينيين.

واستمرت الانتفاضة الشعبية، في وقت استمرت فيه منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عرفات، بمواكبتها وتوجيهها ودعمها سياسيا من خلال فضح الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وإعلاميا من خلال مؤسساتها الإعلامية التي كانت تغطي بشكل دقيق وشامل أحداث الانتفاضة، ما ساهم في خلق رأي عام عالمي متعاطف مع الانتفاضة الجماهيرية الفلسطينية، ومادية من خلال إرسال الأموال لتغطية فعاليات الانتفاضة اليومية وصرف معونات مادية وعينية لأسر الضحايا والجرحى والأسرى والأسر المستورة، وإقامة بعض المشاريع الاقتصادية التي ساهمت في خلق فرص عمل للمواطنين لرفع مستواهم الاقتصادي ولتقوية صمودهم في وجه اعتداءات الجيش الإسرائيلي.

وبعد عشر سنوات من الانتفاضة الشعبية من جانب الفلسطينيين، مقابل رد عسكري عنيف من الجانب الإسرائيلي، قتل 1550 فلسطينياً، واعتقل نحو 100000 فلسطيني (وفق معطيات مؤسسة رعاية أسر الشهداء والأسرى). وتشير معطيات المؤسسة إلى أن عدد جرحى تلك الإنتفاضة يزيد عن 70 ألف جريح، يعاني نحو 40% منهم من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في احد الأطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف هامة.

وكشفت إحصائية أعدتها مؤسسة التضامن الدولي حينذاك أن 1346 فلسطينياً قتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي مباشرة، من بينهم 276 طفلاً، و162 ضحية على أيدي ما يسمى بالوحدات الخاصة، إضافة لمقتل 133 فلسطينياً على أيدي المستوطنين، و40 فلسطينياً سقطوا خلال الانتفاضة داخل السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلية، بعد أن استخدم المحققون معهم أساليب التنكيل والتعذيب لانتزاع الاعترافات، وتم إبعاد 481 فلسطينياً من الأراضي الفلسطينية إلى خارج الوطن، وإصدار 18000 أمر اعتقال إداري ضد المواطنين، وتم هدم 447 منزلاً فلسطينياً على الأقل هدماً كاملاً، وإغلاق 294 منزلاً فلسطينياً على الأقل إغلاقاً تاماً.

إنتهت الإنتفاضة بخروج الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة ومنطقة أريحا بالضفة الغربية، بعد إتفاق أسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين، ودخول قوات من المنظمة، لتشكل نواةً للدولة الفلسطينية بعد مراحل من التفاوض بين الجانبين. إلا أن إسرائيل ضغطت بشكل لم يسبق له مثيل على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد ليتنازل عن حق العودة وترسيم الحدود بشكل غير مرضي للعب الفلسطيني، إلا انه عاد من ذلك المنتجع وفي جعبته إنتفاضة أخرى quot;الإنتفاضة الثانيةquot;.