قصص أبطالها أطفال
الأطباق الورقية الطائرة في غزة.. تهريب من نوع آخر
نجلاء عبد ربه من غزة:
حصار إسرائيل على قطاع غزة ولّد الكثير من الأفكار والإبداعات التي وصلت ما بين إختراع سيارة تسير على الكهرباء إلى أساليب معالجة الطهي في ظل منع الوقود والغاز وغيرها من السلع التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية.
ولأن الحصار الإسرائيلي خلق حالة من الفقر المدقع في قطاع غزة وصلت لأعلى مراحلها (82% نسبة الفقر في غزة)، وأغلقت أبواب 3500 مصنع من أصل 3900 كانوا يعملون في قطاع غزة، ما فاقم من نسبة البطالة والفقر، حتى وصل الأمر للفتية الأطفال في ابتكار أساليب خاصة بهم تدر على أسرتهم أموالاً ولو بالحد الأدنى.
فتية رفح محظوظون
عندما تشاهد فتية في عمر الـ 15 سنه يطيرون أطباقهم وطائراتهم الورقية، فهو أمر مألوف في الإجازة المدرسية لنهاية العام الدراسي.. لكن أن تفكر كيف تجني أموالاً من خلال تلك الأطباق الطائرة، فهو يحتاج إلى وعي وإدراك أكبر من قضية فتى لم يتجاوز الـ 15 من عمره. فهموم الحياة اليومية الغزية طالت فكر الأطفال والفتية مع والديهم الذين يعانون تسيير يوم أسرتهم.
ولأن الحدود التي تفصل رفح المصرية ونظيرتها الفلسطينية لم تتجاوز عرض 100 متر فقط، كان بإمكان السلك الفاصل بين شطري المدينتين أن يذوب أمام طموحات حلم بسيط كحياة بسيطة دون الغير، ولهذا فإن عشرات الأنفاق تشكلت تحت السلك الحدودي، لإدخال البضائع المختلفة من المصرية إلى الفلسطينية التي تحاصرها إسرائيل. بيد أن سعر إنشاء النفق الذي يبلغ 40 ألف دولار، لم يمكن عشرات الآلاف من الشبان الغزيين من التسلح بنفق يدر عليهم أرباحاً في مهمات خطرة، فماذا عن الفتية الذين لا يملكون مصروف الجيب!!؟.

ورصدت quot;إيلافquot; في مدينة رفح، تعانق أطباق وطائرات ورقية بين رفح المصرية والفلسطينية. في البداية توقعنا أن الأمر لا يعدو أكثر من لهو ولعب فتيةٍ ين شطري المدينة المقسومة منذ توقيع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة كامب ديفيد الشهيرة التي رسمت الحدود المصرية وفصلت رفح لنصفين، ومعها تواجد العديد من العائلات في المدينة ذاتها بين تلك المدينة.
قصة عصافير الزينة
هنا في غزة يعشقون عصافير الزينة جميلة الألوان، ولأن إسرائيل تحاصر غزة وتمنع دخول المواد التموينية ، فما بالنا بالعصافير، كان لا بد من تهريب العصافير بطرق مختلفة. إحدى هذه الطرق تبنّاها عدد من الفتية بالتعاون مع أقربائهم في الشطر المصري. يقول الفتى جهاد (14 عاماً) لإيلاف: quot;أتفق مع قريب لي من رفح المصرية على شراء عصفورين يومياً لأبيعهم في قطاع غزة، فأتواعد أنا وهو في وقت محدد من ظهر كل يوم على تطيير طائرة ورقية من منطقتي، وهو كذلك يقوم بالشيء نفسه، ونحاول بعد أنتقترب الطائرتان من بعضهما البعض أن نشبكهما وتتلاصقا بشكل يصعب فصلهما، وعندها اخبره على الجوال أن يقص الخيط من طرفه، فأسحب طائرته الورقية الملاصقة مع طائرتي لجهة رفح الفلسطينية، لأجد يوميا العصفورين وقد ربطهما قريبي بحبل محكم في الأقطاب الخشبية للطائرةquot;.
ويوضح جهاد أن إختياره لوقت الظهيرة هو وقت مناسب، حيث يكون الجنود المصريون المتواجدون على الحدود خلال هذا الوقت في فترة استراحة ويستظلون من الشمس الحارقة.
ويضيف جهاد لإيلاف بينما كان برفقة سبعة من جيله يقومون بالدور نفسه مع أقربائهم quot;نبيع العصفور الواحد بـ 50 شيكلاً (15 دولارا)، فهي تجارة مربحةquot; مشيراً إلى أنه يرسل سعر العصافير لقريبه الذي يسكن رفح المصرية بالطريقة ذاتها التي يجلب من خلالها العصافير.
ويحكي رفيقه خليل ( 16 سنه) انه يجلب بعض الأدوية أيضاً. ويقول quot;في مرات عديدة يطلب مني أصحاب الصيدليات نوعا من الأدوية غالي الثمن في قطاع غزة، فأتفق مع صديقي على شراء الدواء من صيدليات مصرية ويرسلها لي بطريقة العصافير نفسها .
وينوه الفتى خليل بأن الهاتف المحمول يساعده على ذلك، فهو يبدأ بالحديث مع قريبة عندما تعلو طائراتهم وتقترب من بعضها البعض. ويقول إنه يمارس تلك المهنة فقط في الإجازة السنوية من العام الدراسي، وهو الصيف الثاني له في تلك المهنة. ويتابع quot;أوفر الكثير من المال كمصروف يومي، بالإضافة إلى شراء ملابس جديدة للعام الدراسي الجديد ولوازم مدرسية أخرىquot;.
ويعترف خليل أنه خسر مرتين منذ بداية مهنته، عندما هبطت طائرته في مكان خطأ يصعب الوصول إليه، ويقصد داخل الأسلاك الشائكة التي تفضل قطاع غزة عن مصر، إلا انه قال quot;عوضت الخسارة بعد يومين من وصول عشرين شريطا من الأدوية المهمة التي يحتاجونها في غزةquot;.