لوس أنجليس تايمز تفتح الملف في حوار مع المسرحي علي سالم
إشكالية السلام مع إسرائيل .. شوكة في عنق المفكرين المصريين

أشرف أبوجلالة من القاهرة: لا زالت قضية الاقتراب من إسرائيل والتعامل معها عن قرب ، قضية مسار جدل واسع داخل طيات المجتمع المصري بشكل عام وبين فئة المثقفين والمفكرين بشكل خاص. فعلي الرغم من مرور ما يقرب من ثلاثين عاما ً علي توقيع معاهدة السلام التاريخية بين القاهرة وتل أبيب، إلا أن الهواجس والمخاوف الأمنية لا زالت تشغل بال المفكرين المصريين وتؤرقهم بشكل متزايد، وفي هذا الإطار أعدت اليوم صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية تقريرا مطولا ً حول الواقع المرير الذي لا زالت تعيش فئة المثقفين المصرية تحت أنيابه، وبسببه تحيط بهم المخاطر من جميع الاتجاهات. وقالت الصحيفة في مطلع حديثها أن السلام الذي تم إبرامه مع إسرائيل، يبدو سلاما ً صعبا ً إلي حد كبير بالنسبة للكاتب والمسرحي المصري علي سالم، الذي لم تمثل رواياته علي خشبة المسرح ، ويرفض اتحاد الكتاب منحه المعاش الخاص به منذ عام 2001.

وقد حاورته الصحيفة واستطلعت رأيه في هذا الموضوع الشائك خلال جلوسه بأحد المقاهي وهو يكتب علي جهاز اللابتوب الخاص به ، مدافعا ً عن اختياره منذ مدة طويلة عندما عبر الحدود ودخل إسرائيل وتكوين صداقات هناك. وّذكرت الصحيفة بان مصر وإسرائيل وقعا علي معاهدة السلام عام 1979 ، لكنها لا زالت تثير غضب الفنانين والمفكرين المصريين منذ ذلك الحين. كما أن معظمهم لا يقبلونها، وغالبا ما يتم ذم هؤلاء الذين يقبلونها، كما تدان أعمالهم الفنية دون أن يتم الإعلان عنها.

وقال سالم ، الذي ذهب بسيارته إلي إسرائيل عام 1994 وكتب ما اعتبره النقاد كتاب متعاطف عن تلك الرحلة :quot; يخشى المنتجون الاقتراب مني، فحينما قمت بكتابة هذا الكتاب، كنت أتوقع حدوث ردات فعل عنيفة، لكني لم أكن أتوقع أن يكون الأمر وضيعا ً إلي هذا الحد. فذلك أمر صعب وهذا هو الجرح quot;. وأضاف سالم الذي يكتب مقال بصحيفة الحياة والمؤسس المشارك في حركة القاهرة للسلام قائلا ً:quot; السلام هو الفكرة الصحيحة. لكن المفكرون المصريون خائفون ولا يعرفون الطريقة التي تخلصهم من مخاوفهم القديمة. فهم لا زالوا يعتقدون أن إسرائيل والولايات المتحدة سوف ينقلون لنا أمورا شريرة quot;.

وقالت الصحيفة أن هناك حالة من الانقسام في درجة اعتراضهم علي مسألة الاقتراب من إسرائيل، فهناك كثيرون يعترضون علي تحسين علاقاتهم بإسرائيل إلا بعد أن يحصل الفلسطينيون علي أراضيهم وتصبح لهم دولة مستقلة بهم، في حين يدعم آخرون فكرة إقامة علاقة سلام محدودة لكنهم يحمون عند مناقشة المشاعر المحيطة بالصراع العربي ndash; الإسرائيلي، وقد زار عدد قليل منهم إسرائيل بهدف التواصل مع نظرائهم اليهود. وأشارت الصحيفة في الوقت ذاته إلي أن الفنانين قد يتعرضون في بعض المناسبات للنقد اللاذع، فأحدث الأفلام الوثائقية للمخرجة نادية كامل الذي يتحدث عن أصول والدتها اليهودية تعرض للهجوم والنقد الشديد بعد أن اعتبر علي أنه نداء لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما تم رفع عضوية مغني الأوبرا جابر بلتاجي من نقابة الموسيقيين منذ عام 2007 وحتي الآن عندما أقام حفل غنائي في الذكري المئوية لأحد المعابد اليهودية بالقاهرة.

وهنا عقب منير الوسيمي، نقيب الموسيقيين، بقوله :quot; كيف تجرأ وذهب ليغني بأحد المعابد اليهودية في الوقت الذي يقوم فيه الإسرائيليون بقتل أولادنا ؟ فعن أي مجد كان يبحث ؟quot;. وهو ما رد عليه بلتاجي ، الذي رفع قضية ضد النقابة، بقوله quot; يعد معبد القاهرة أحد الآثار المصرية الرسمية. لم أكن أتوقع رد الفعل هذا، فأنا لم أرتكب شيئا ً آثما ً. كما أنني حصلت علي إذن من أجهزة الأمن الحكومية قبل أن أغني هناك quot;.

وأشارت الصحيفة أيضا إلي حالة الجدل الكبري التي أثيرت مؤخرا ً في القاهرة في أعقاب الكشف عن صورة لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمد سيد طنطاوي ndash; شيخ الأزهر ndash; وهو يتصافح بالأيدي مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز خلال مؤتمر حوار الأديان الذي أقيم مؤخرا ً في واشنطن. حيث طالب عدد كبير من الكتاب الصحافيين المصريين في أعقاب تلك الواقعة بضرورة تقديم طنطاوي لاستقالته. في المقابل أكد الشيخ أنه لم يكن يعرف عند مصافحته لبيريز أنه الرئيس الإسرائيلي.

ونقلت الصحيفة حديثها إلي الروائي المصري الشهير جمال الغيطاني، الذي سبق له وأن قام بتغطية حرب أكتوبر عام 1973 كمراسل وكان شغوف برؤية أرض عدوه، حيث استبعد إمكانية تحقيق السلام بين بلاده وبين إسرائيل علي المدي القريب، وقال :quot; لا يمكن أن يكون التبادل الثقافي بين مصر وإسرائيل مثمرا ً باي حال من الأحوال إلا إذا حقق الإسرائيليون السلام علي أرض الواقع. وكيف أكون في سلام مع هذا السلام إذا كانت تعتمد إسرائيل علي تفوقها العسكري، وتبني الأسيجة والمستوطنات وتطرد الفلسطينيين خارج أراضيهم ؟ فالسياسة يمكنها أن تتبع الطريق الذي تريده، لكننا كمفكرون يجب علينا أن نتبع ضمائرناquot;.

واختتم علي سالم حديثه مع الصحيفة بقوله :quot; لن يتأتي السلام إلي عندك، بل عليك أنت أن تصنعه، وتنحته. فالمفكرون هنا دائما ً ما يسحبون إسرائيل من قاع الدرج ثم يقومون بوضعها علي المائدة. لكن وكما تعرف، يمكن للصفقات التجارية أن تؤدي لتحقيق السلام، وليس التنوير من الكتاب والمفكرين ... وإذا سألت أي رجل أعمال مصري، سوف يخبرك بأن هناك سلام مع إسرائيل. كما أن هناك تعاون حقيقي في النواحي الأمنية والتجارية والسياسية. وعندما ذهبت إلي إسرائيل ، كنت أريد فقط أن أري من هم هؤلاء الأشخاص وماذا يفعلون. وحتي الآن لا يزال اتحاد الكتاب يريدني أن أتراجع عن موقفي هذا، لكني حتي إن فعلت ذلك ، فإنهم لن يغفرون لي quot;.