نجح دغان بعد سلسلة إخفاقات الموساد
يديعوت عايرت دغان قبل أربع سنوات لعدم قتله مغنية
ولدغان مسيرة حافلة في الخدمة الأمنية والعسكرية، والتعامل مع الملفين الفلسطيني واللبناني، ففي عام 1963، انخرط في الجيش الإسرائيلي، وفي حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967، تطوع قائدا لوحدة عسكرية، ويبدو أن أداءه في هذه الحرب التي أدت إلى تغيير وجه منطقة الشرق الأوسط، لفت انتباه الجنرال ارئيل شارون، فقربه اليه، وبعد ارتفاع حدة العمل الفدائي الفلسطيني في قطاع غزة، اثر الحرب، كلفه شارون الذي كان آنذاك قائدا للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، بمهمة إنشاء وحدة قتالية تجابه الفدائيين، وامتثل دغان للأمر وشكل وحدة عسكرية مختارة، انتهجت أسلوب حرب العصابات في مطاردة المقاومين الفلسطينيين، ونجحت في تصفية العديد من المطلوبين الفلسطينيين في القطاع.
وفي عام 1980 عين دغان قائدا لمنطقة جنوب لبنان في الجيش الإسرائيلي، ويبدو أن ذلك لم يكن من باب الصدفة، فبعد عامين فقط قاد شارون، الذي اصبح وزيرا للدفاع، في حكومة مناحيم بيغن، ما بات يعرف بحرب لبنان الأولى، التي أدت إلى إخراج قوات المنظمات الفلسطينية من لبنان، وانتخاب بشير الجميل، رئيسا للجمهورية اللبنانية، وحدوث مجزرتي صبرا وشاتيلا. وعهد شارون لدغان، الذي اصبح مقربا له جدا، قيادة وحدة المدرعات في تلك الحرب، ثم عينه رئيسا لوحدة التنسيق، وخلال منصبه هذا نسج علاقات واسعة مع بعض الأطراف اللبنانية.
وفي عام 1995، استقال دغان، من مناصبه العسكرية، وقرر في عام 2000، الانخراط في حزب الليكود بزعامة صديقه شارون، واصبح أحد مساعديه عام 2001، وفي عام 2002 قرر شارون تعيين دغان رئيسا للموساد. وبدى للكثيرين أن القرار غريبا، ومخالفا لتقاليد العمل الأمني والعسكري في إسرائيل، فدغان جيء به لرئاسة الموساد وهو معروف الانتماء الحزبي، في حين انه يحظر على قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومنتسبيها الانتماء للأحزاب السياسية، ودرجت العادة، أن يقرر هؤلاء وجهتهم الحزبية بعد انتهاء خدماتهم العسكرية والأمنية.
ولكن يبدو أن شارون لم يجد مثل دغان، من يمكنه من انتشال الموساد من كبواته الكثيرة، وعندما استلم دغان رئاسة الموساد، وسط انتقادات كثيرة لهذا quot;التعيين السياسيquot; غير المسبوق، كان أمامه عملا كبيرا. وبدأ دغان يعمل بصمت، وبعيدا عن وسائل الإعلام، التي كانت تنتظر أي هفوة منه لتنال منه، ومن صديقه شارون، لغضبها مما اعتبرته تعيين سياسي في منصب أمني، وتعيين الرجل غير المناسب في رئاسة جهاز أمني حساس.
وبعد 18 شهرا من تعيينه في رئاسة الموساد، حصل الصحافيون على مبتغاهم، عندما علموا أن شخصا ما، تمكن من سرقة الهاتف الخلوي لمئير دغان، الذي فعل مثل أي quot;مواطن صالحquot; فذهب إلى الشرطة وقدم بلاغا عن سرقة جهازه، ولكن الرقابة العسكرية فرضت حظرا على نشر الخبر، وسط تململ من قبل الصحافيين الذين أرادوا إثارة زوبعة حول دغان، الذي لم يستطع حماية هاتفه النقال، فكيف بحماية امن الاسرائيليين، وبعد أربعين يوما من سرقة الجهاز، سمحت الرقابة العسكرية بنشر الخبر، وكان ذلك يوم الأربعاء (10/3/2004)،
وأدى نشر خبر سرقة الجهاز الخلوي لرئيس الموساد، مناسبة لفتح التساؤلات على مصراعيها مثل: من الذي سرق الهاتف النقال؟ وكيف؟ وهل هدف السرقة جنائي أم أمني؟ وكيف عرف السارق انه هاتف رئيس الموساد؟ وما هي المعلومات التي يمكن أن يحصل عليها السارق من خلال هذا الهاتف؟ وما هي أهمية أرقام الهواتف المخزنة على هاتف رئيس الموساد؟ وما هي نوعية هذا الهاتف؟؟. وبالإضافة إلى هذه التساؤلات وغيرها، أضحي رئيس الموساد هدفا لنكات وسخرية لاذعة، مثل قول أحدهم quot;ذهب دغان ليصيد وإذا به سمكةquot;، وقول آخر quot;إذا سرقوا رئيس الموساد فماذا بالنسبة لنا نحن الغلابة..!quot;. ومن السخرية، إلى الحساب الجاد، نشر الصحافي الإسرائيلي رونين برغمان في صحيفة يديعوت احرنوت (12/3/2004)، تقريرا قال فيه أن دغان لم يستطع إيقاف التدهور في الموساد، مثلما لم ينجح في الحفاظ على هاتفه النقال..!
ومن اخفاقات دغان كما أشار إليها برغمان:
*الفشل في تتبع برامج ليبيا التسليحية وعدم معرفة المفاوضات اللبيبة-الأميركية-البريطانية السرية.
*تدهور علاقة الموساد بالأجهزة الغربية في مسالة تبادل المعلومات والتي تقوم على مبدا quot;خذ وهاتquot; بينما الموساد لم يعد لديه شيء ليعطيه.
*تقديرات الموساد كانت أن إيران ستمتلك أسلحة نووية في عام 2005، ولكن الواقع كشف أن الأمر غير ذلك، ولم يستطع كشف ما تقوم به شبكة عالم الذرة الباكستاني عبد القدير خان.
*لم يعرف الموساد بسلسلة العمليات التي نفذها تنظيم القاعدة ضد أهداف إسرائيلية ويهودية في مناطق مختلفة من العالم.
*لم ينجح الموساد في اختراق حزب الله أو الوصول إلى عماد مغنية، المطلوب إسرائيليا وأميركيا.
ولم يقصر الصحافي رونين برغمان، نقده على دغان فقط، مشير إلى أن التدهور في الموساد بدا في عهد شبتاي شبيط في عام 1989 الذي قاد العمل بشكل دكتاتوري وهمش رؤساء الأقسام وكرس وقتا للصراع مع أجهزة استخبارية موازية له.
وبشان داني ياتوم، الذي خلف شبيط، واستمر في منصبه حتى عام 1996، كتب برغمان بأنه حاول إدخال طرقا وأساليب عمل منظمة ونفذ عدة تعيينات ناجحة إلا انه خرج من الموساد بعد فشله الميداني المتكرر خصوصا في محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان، وعندما جاء افراهام هليفي خلفا له خشي المصادقة على عمليات اغتيال خوفا من الفشل، والعمليات التي صادق عليها كانت في دول تسمى في الموساد (دول القاعدة) التي يوجد للموساد فيها مراكز كالدول الأوروبية، لان الفشل فيها يعني أنها ستنتهي في السجن في ظروف مريحة ثم لفلفة القضية، وركز هليفي على جمع المعلومات وتحليلها مع إقامة قسم قوي للأبحاث.
وعندما جاء دغان وجد تركة ثقيلة بانتظاره، ويبدو أن أخر ما كان يجتاحه سرقة جهازه الخلوي، بعد 18 شهرا فقط من تعيينه، لينفتح عليه وعلى جهازه quot;عش الدبابيرquot;، دون أن يستطع تجنب اللسعات، حتى تمكن أخيرا، كما يسود الاعتقاد، من تنفيذ عملية اغتيال مغنية، الذي ذكر اسمه صحافي يديعوت احرنوت، قبل نحو اربع سنوات، وهو يعدد اوجه اخفاقات دغان، وهذا يعني أن الموساد كان يطارد مغنية، لكن هل هذا الاخير اخذ الاحتياطات المناسبة؟ ربما تكون مشاركته في مناسبة عامة وعلنية نظمتها السفارة الإيرانية في دمشق، خطاه الأكبر المميت، حيث قتل بعد ظهوره في هذه المناسبة فورا.
التعليقات