هاوية باتت تتسع للجميع
لبنان الفاقد لحصاناته الدستورية والشرعية
بلال خبيز من بيروت:
الحاج رضوان في حزب الله ليس هو عماد مغنية الذي كان يعرفه الناس. فعماد مغنية انقطعت اخباره عند حد معين. كثير من الشائعات حيكت عنه، لكنه لم يعلق ولم يبرر ولم ينف او يؤكد. عماد مغنية حتى يوم استشهاده كان شخصاً يصلح لأن يكون بطلاً سينمائياً. وكان في وسع اي كان، ان يعتبره ارهابياً خطيراً. وبصرف النظر عن صحة ما ينسب إليه من عدمه، إلا ان خطاب السيد حسن نصرالله وتأكيده ان عماد مغنية، الذي هو الحاج رضوان، كان القائد الميداني لحزب الله في معركة الانتصار في ايار - مايو 2000 وقبلها. وانه كان ابرز قادة حزب الله في معركة تموز ndash; يوليو 2006 جب سائر اعمال مغنية والشائعات التي تحاك حوله، الصحيح منها وغير الصحيح. فحين يكون عماد مغنية قائداً في حزب الله، يعني ان له حصة راجحة من الإنجاز الذي حققه الحزب. هذا الإنجاز في حالة عماد مغنية تحديداً يعني ان الرجل الذي وصف بالإرهابي الخطير اصبح بعد نضال طويل قائداً حزبياً عسكرياً وامنياً ومحقق انجازات. الإرهاب لا يصنع انجازات وقد يصنع ابطالاً، لكن الحاج رضوان كان منجزاً في حزب الله فيما الرأي العام يظنه بطلاً، شريراً او خيراً بحسب الجهة التي ينتمي إليها الناظر إليه.

كان يسهل ان يوصف حزب الله في بدايات مغنية بالإرهاب، لكن الإنجاز الكبير الذي حول مغنية من بطل إلى قائد وشهيد، تمثل ويتمثل في تحول حزب الله من عصابة صغيرة إلى حزب مقاوم يتمتع بشعبية جماهيرية ندر ان يتحقق لحزب مثيلها في لبنان. وبعد ان نعاه السيد حسن نصرالله قائداً في حزب الله، لم يعد يسهل على اي كان ان يسميه ارهابياً. ليس خوفاً من السيد طبعاً ولا من سطوة حزب الله، بل لأن الإنجاز الذي حققه حزب الله ماثل للعيان. هذا الإنجاز لا يتمثل في قوة الشكيمة في مقارعة اسرائيل، بل في قناعة شطر واسع من اللبنانيين القاطعة بضخامة الانجاز الذي حققه حزب الله في حروبه مع اسرائيل.

لا احد يعرف يقيناً تاريخ عماد مغنية بدقة. وفي هذا المجال لا تهم التفاصيل الدقيقة. بل يهم القول ان التأريخ لحزب الله اللبناني وعماد مغنية احد اعمدته الأساسية، يؤكد ان حزب الله بدأ موصوماً بالإرهاب، وانتهى في العام 2000 عماداً اساسياً من اعمدة الاستقلال اللبناني، بعد انجاز التحرير، واستطاع في العام 2006 ان يتحول رمزاً لمقاومة اسرائيل في المنطقة. وبذا تحول الحزب من عصبة صغيرة ملاحقة في كل مكان إلى طرف اساسي ووازن في المعادلة اللبنانية اولاً والشرق اوسطية ثانياً.
يستطيع المرء ان يفهم تطلع قادة حزب الله إلى ما هو ابعد من الحدود اللبنانية. ليتحول رأس الحربة الدائمة في مقارعة المشروع الإسرائيلي. لكن الجغرافيا سجن لا فكاك منه. إذ ان حزب الله يعمل وينشط على ارض لبنانية صرف. ولحصرية النشاط هذه احكام لا فكاك منها. حتى لو ظن البعض ان تحويل البلد ساحة يمكن ان يعفي اي كان من هذه الاحكام. فبتحويل البلد ساحة، واستسهال الاعتداء على مقوماته القانونية والجغرافية والحقوقية والسياسية ما يجعل الرأي العام العالمي اكثر تقبلاً لفكرة الجراحة الصعبة. في مثل هذه الحال، ولنا في كردستان العراق مثل فصيح، يسهل ارتكاب المجازر في حق الشعب اللبناني من دون محاسبة او تبكيت ضمير. وفي مثل هذه الحال، يصبح الدفاع عن البلد في مواجهة اي هجوم خارجي صعباً ان لم يكن مستحيلاً. لذلك يجب ان يقلق حزب الله على انجازاته الكبرى في لبنان من واقعة ان البلد يعيش من دون رئيس منذ عدة شهور، وان مجلسه النيابي معطل وحكومته مطعون في شرعيتها داخلياً، وان الاغتيالات تطاول كل قادته ورموزه من دون استثناء، وان لا حصانة للموالاة فيه مثلما لا حصانة للمعارضة من الاغتيال.

بالوصول إلى مثل هذه الحال، يصبح الانجاز عبئاً على اصحابه، ويسهل على دول العالم، القريبة منه والبعيدة، التخلي عنه.
قبل شهور قليلة صرح نائب رئيس الجمهورية السورية فاروق الشرع ان حلفاء سوريا في لبنان اليوم اقوى من اي وقت مضى، حتى حين كان الجيش السوري في لبنان. لكن لبنان اليوم مهدد بأن يبقى بلا رئيس لزمن قد يطول، وان القمة العربية التي قد تعقد في دمشق في اواخر الشهر المقبل، قد تعقد من دون مشاركة رئيس لبناني. تصريح نائب الرئيس السوري يعني ان ثمة في لبنان حلفاء وخصوم. لكن الحلفاء اقوياء ويجدر بمن يحالفهم المحافظة على مصلحتهم وتجنيبهم كل تهديد إذا امكن. مع ذلك ثمة لامبالاة سورية حيال تفريغ لبنان من كل حصاناته السياسية والدستورية والقانونية. أن لم نقل ان النظام السوري يسعى جاهداً لحصول هذا التفريغ وبلوغه مداه الأقصى. وفي هذه الحال، اي حين يفقد لبنان حصاناته جميعاً، يصبح البلد مشاعاً لكل تدخل خارجي مهما بلغت قسوته وشدته. وكان اجدر بالمعارضة اللبنانية، وحزب الله في مقدمها، لأنه المستهدف دولياً اكثر من غيره، ان يتنبه إلى خطورة استهداف البلد واستسهال اغتيال بعض رموزه السياسية والإعلامية والفكرية. ذلك ان القبول بهذا المنطق يزيل الحصانات عن الجميع.