مقاطعة واسعة النطاق من قبل شخصيات وجهات وأحزاب
إيران: الحملة الإنتخابية الفاترة إلى أين؟

يوسف عزيزي من طهران، وكالات: يشكو النشطاء السياسيون، وحتى بعض المسؤولين من الحملة الإنتخابية الفاترة للإنتخابات التشريعية، حيث فتحت مراكز الإقتراع أبوابها عند الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي اليوم لإنتخاب 290 نائبًا للبرلمان المقبل. إذ عزا المتحدث بإسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي الأمر إلىquot; القوانين القائمةquot; التي تفرض قيودًا على الدعاية الإنتخابية. إيران، وعلى الرغم من أنها كانت أول دولة أنشأت quot;البرلمانquot; في قارة آسيا في العام 1906،لم تشهد إنتخابات حرة بمعناها الحقيقي خلال الأعوام المائة المنصرمة إلا في فترات خاصة. ويشير الإيرانيون إلى إنتخابات الدورتين 14 و 16 في عهد الشاه السابق وإنتخابات الدورتين الأولى والسادسة في عهد الجمهورية الإسلامية كدورات برلمانية أقيمت بحرية تامة،شكل البرلمان من خلالها دورًا فاعلاً في الحياة السياسية الإيرانية. وقد خض البرلمان الإيراني في دورته السابقة (السادسة) مضاجع المتشددين بسبب إتجاهاته التحررية، حيث قرر المحافظون المهيمنون على السلطة بألا يسمحوا بالوجوه الإصلاحية البارزة من دخول البرلمان المقبل مما أدى إلى إقصاء الألوف منهم لمنعهم من الترشح.

وقبل دقائق من فتح مراكز الاقتراع، قال التلفزيون إن quot;كل بطاقة اقتراع توضع في الصندوق تشكل ضربة قاسية للعدوquot;. وأعلنت السلطات أن نتائج الاقتراع ستعلن قبل رأس السنة الايرانية في 20 آذار/مارس.

انقسامات بين المعسكرين الرئيسين

وعلى الرغم من فوز المحافظين على الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية عام 2005، ووصول احمدي نجاد إلى السلطة إثر تشتت صفوفالإصلاحيين الذين قدموا ثلاثة مرشحين (معين وكروبي ورفسنجاني)، لم يأخذ الاصلاحيون العبر من تلك الانتخابات حيث نشهد قائمتين رئيستين لهم، الاولى لتحالف الاصلاحيين (ائتلاف اصلاح طلبان) والاخرى لحزب الثقة الوطنية (اعتماد ملي) الذي يتزعمه رئيس البرلمان السابق مهدي كروبي. ويبدو ان 80 في المئة من المرشحين مشتركون في القائمتين الاصلاحيتين. غير ان الانقسام في معسكر اليمين المحافظ اشد، حيث دخل هذا المعسكر المعركة بثلاث قوائم: الاولى quot;الجبهة المتحدة للاصوليينquot; التي تضم المجموعات الرئيسة للمحافظين والمتشددين كمؤيدين للرئيس احمدي نجاد وجماعة علي لاريجاني الامين العام السابق للمجلس الاعلى للامن القومي ومناصري محسن رضائي القائد السابق لقوات الحرس الثوري الايراني ومؤيدين لمحمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران.

ثانيًا قائمة الاصوليين المنشقين عن الجبهة والناقدين لأداء احمدي نجاد، وتضم عددًا من النواب الاصوليين في البرلمان الحالي. والقائمة الثالثة تقدم نفسها باسم quot;جبهة الاصوليين التقدميينquot; وتضم رجال امن سابقين كعلي فلاحيان وروح الله هاشميان (وزير الاستخبارات الاسبق ونائبه). وقد تثير هذه القائمة مخاوف الاصلاحيين بسبب ما يصفونه بدور هؤلاء في الاغتيالات السياسية التي وقعت قبل سنوات في ايران، وشملت نشطاء سياسيين وكتابًا ومثقفين. غير أن هذه القائمة هي الاقل حظًا للفوز قياسًا للقائمتين الأخريين للمحافظين. وهذا ما نسمعه ونشاهده في الشارع الايراني.

الحملة الانتخابية والشارع الايراني

جولة في شوارع طهران تظهر أن دعاية قائمة quot;الجبهة المتحدة للاصوليينquot; هي السائدة تليها دعاية quot;التحالف الاصلاحيquot;. حيث نشاهد في الشوارع والحارات لافتات قماشية للمجموعتين المذكورتين وكذلك لحزب الثقة الوطنية. وقد اختارت معظم الاحزاب ndash; التي يتزعمها او يؤيدها اساسًا رجال الدين ndash; شعارات قومية خلافًا للدورات السابقة التي كانت الشعارات دينية بحتة. لكن الحملة الانتخابية تبدو فاترة في العاصمة الايرانية والمحافظات الكبرى كاصفهان وتبريز والاهواز، وذلك بسبب فقدان المنافسة الناجمة عن اقصاء الاصلاحيين من الترشح.

وفيما تقاطع الشخصيات والاحزاب المعارضة ومنها القوى الاسلامية الليبرالية المعروفة بتحالف القوى القومية ndash; الدينية (ملي ndash; مذهبي) التصويت بسبب فقدان ما تصفه بالمعايير الاولية للانتخابات الحرة تدعو الفصائل الاصلاحية وحركة حرية ايران الى المشاركة في هذه الانتخابات، اثر ما تصفه بضرورة خرق السلطة المنسجمة للمحافظين. ويظهر جس نبض الشارع الطهراني ان المشاركة لن تكون واسعة في العاصمة والمحافظات الكبري. لكن الوضع يختلف في المحافظاتوالمدن الاصغر، حيث تؤدي الحزازات والمنافسات القومية والقبلية دورًا في تنشيط الحملة الانتخابية.

وفيما يدعي كل من الاصلاحيين والمحافظين بأنهم سيفوزون بغالبية مقاعد البرلمان المقبل، يتوقع المراقبون ان يشكل المحافظون بفعل quot;المنشطاتquot; الحكومية، الاكثرية النسبية في البرلمان فيما يشكل الاصلاحيون اقلية فاعلة ومؤثرة، يكون اداؤها افضل بكثير من اقليتهم الحالية في البرلمان الراهن، اي انهم سيحوزون على نحو ثلث المقاعد في البرلمان الثامن. وبما ان الشعب الايراني عودنا على المفاجآت في معظم الانتخابات السابقة يمكن ان يتكرر الامر في انتخابات اليوم ايضًا.

الصحف البريطانية

على صعيد آخر، تناولت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية موضوع الانتخابات الايرانية تحت عنوان: quot;ايران يمكنها فقط الانتظار والصلاةquot; لمراسل الصحيفة في طهران ديفيد بلير. يقول بلير فى بداية مقاله: quot;لكي تتعرف على حالة الركود واليأس في إيران، عليك ان تعلم التحديات الاساسية التى تواجه اقتصاد الاسرة. فإذا رغب رجل وإمراة فى الزواج، وأرادا استئجار شقة فى حي متواضع فى طهران، فإن ذلك سيكلفهما ما بين مئتين وخمسين وثلاثمئة جنيه استرليني، اذا وجد الاثنان فرص عمل فإن اجمالي دخلهما سيكون حوالى ثلاثمئة جنيه.

يضيف بلير: نظريًا، فإن للايرانيين الحق فى انتخاب من يرغبون فيه، هم عادة يفضلون الاصلاحيين الذين يسعون الى التقارب مع الغرب، ولكن عمليًا فإن معظم الاصلاحيين لا يخوضون هذه الانتخابات بسبب رفض ترشيحاتهم، حيث إنه تم استبعاد ثمانمئة من الاصلاحيين من اصل تسعمئة وتسعة كانوا قد خاضوا الانتخابات الماضية.

حديثو النعمة في ايران

من جهتها، تطرقت آنا فيفيلد في الفاينانشيال تايمز الى اغنياء ايران في ضاحية طهران الشمالية الغنية عشية الانتخابات. وتقول فيفيلد انه في هذه المنطقة حيث تقود النساء الايرانيات سيارات المرسيدس وتسكن بيوتًا كبيرة تحيط بها جدران عالية، لا تبدو واضحة ملامح الازمة الاقتصادية التي يعاني منها الايرانيون العاديون. فعشية الانتخابات التي تجرى تحت عناوين اقتصادية، تقول المراسلة إن هناك ارتفاعًا كبيرًا في اسعار العقارات التي تضاعفت خلال العامين الماضيين، ما يوحي بأن هناك بوادر حالة من الازدهار في اوساط الطبقة الوسطى والغنية. وتقول فيفيلد ان هناك جيلاً جديدًا من quot;حديثي النعمةquot; ينشأ في ايران وذلك بشكل كبير يعود الى الاستثمار في مجالي العقارات والبناء.

وتشير المراسلة إلى ان شمالي العاصمة يشهد فورة عقارية كبيرة، اذ ازدادت ورش البناء بشكل كبير جدًا، والكثير من الابنية الجديدة عالية جدًا، وذلك إضافة الى عمليات ترميم واضحة للابنية القديمة. ويعود سبب الفورة في السوق العقاري الايراني حسب المراسلة الى خوف الناس من الاستثمار في الاسواق المالية وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية والمالية المفروضة على الجمهورية الاسلامية. وفي مقال في التايمز، تطرق المحلل السياسي امير طاهري للانتخابات الايرانية واصفًا إياها بانتخابات تجرى داخل المؤسسة العسكرية.

فهناك من جهة تيار احمدي نجاد الذي وصف النظام الايراني بالقطار السريع الذي لا يملك أي جهاز كبح او توقف، ويقول طاهري ان هذا التيار في المؤسسة العسكرية وعلى رأسه الرئيس الايراني مقتنع بقدرته على اخراج الولايات المتحدة من الشرق الاوسط.

ومن جهة اخرى، هناك في المقابل تيار اكثر واقعية في الجيش يريد المحافظة على النظام والامتيازات التي منحها للمؤسسة العسكرية. ويرى هذا التيار حسب طاهري ان ما يضمن استمرارية النظام الايراني هي سياسة خارجية اقل هجومية ستساعد الجمهورية الاسلامية بتخطي عزلتها وتنزع عنها خطر الحرب. ويختم طاهري بالقول ان احمدي نجاد يخوض حملته كمرشح ليس لديه أي شيء ليخسره، الا ان هذه الانتخابات ستضع الرئيس الايراني حسب طاهري وجهًا لوجه امام خصم سيخسر الكثير من امتيازاته في حال لم ينجح.