بقلم أندرو جاكوبز: تستقبل الصين خلال الصيف الجاري عددا هائلا من الأجانب. وسيفاجأ الكثير منهم بمجموعة واسعة من المحال التجارية الخاصة بمصممي الأزياء والحانات الجميلة التي تقدم مشروب المارتيني، بهدف تسلية المغتربين والصينيين الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى في هذه العاصمة التي كانت في السابق مدينة غير عصرية.

وفيما تتوقع الصين استقبال 1.5 مليون زائرا لمشاهدة الألعاب الأولمبية، يعمد المسؤولون عن الأمن العام إلى إحكام السيطرة على الحياة اليومية وفرض القيود على تأشيرة الدخول، مما يتسبب بقلق في صفوف 250 ألف أجنبي استقروا في هذا البلد خلال السنوات الماضية. لا تسمح القيود التي تم فرضها على تأشيرة الدخول في شهر نيسان (أبريل) ومن دون تقديم شرح واضح، للكثير من الزوار الحصول على تأشيرة دخول تتعدى مدتها الثلاثين يوما، بعد أن كانت تلك التأشيرات في السابق مرنة وتسمح بالدخول لأكثر من مرة، وتخوّل الأشخاص أن يبقوا لمدة سنة واحدة. وبسبب الإجراءات الجديدة، يصعب على الأجانب أن يبقوا في بيجينغ ويعملوا فيها من دون تقديم طلب إجازة إقامة، الذي يصعب الحصول عليه. كما تعقّد هذه القيود حياة رجال الأعمال في كل من مدينة هونغ كونغ وتابي وسيول وسنغافورة، بعد أن اعتادوا عبور الحدود بسهولة.

أعلن ريتشارد فولستيك، رئيس غرفة التجارة الأميركية في هونغ كونغ: quot;لا أستطيع أن أفسر مدى خطورة هذه الإجراءات. فلا شك في أن قيود مماثلة سيكون لها آثار وخيمة على الأعمالquot;. ترغب الحكومة في أن تقدّم صورة غير مشوهة عن مدينة بيجينغ التي تستضيف الألعاب الأولمبية. وفي هذا الإطار، أخلى رجال الشرطة الشوارع من المتسولين، وأغلقوا المحال التجارية التي تبيع الأقراص المدمجة المقرصنة، وأجبروا بعض العمال النازحين على العودة إلى الريف.

وفي الشهر الماضي، داهمت الشرطة الحانات والنوادي المشتبه بأنها ملاذا لتجار المخدرات. قد تبدو القيود الأخرى اعتباطية، على غرار اتخاذ قرار بإلغاء مهرجان الأغنية الشعبية قبل أسبوع من موعده. وقالت شركة quot;ميدي فيستيفالquot;، منظمة الحدث الذي يجري منذ ثماني سنوات على التوالي، إن المسؤولين أعلموها بقلقهم حيال الأمن. وكان من المقرر أن يشارك في المهرجان أكثر من 80 فرقة موسيقية، أتى عدد منها من الخارج.

الا ان الإجراءات الجديدة التي تطبق على تأشيرة الدخول كانت محط الخوف والقلق، فسعى عدد من المقيمين الأجانب إلى الحصول على وثائق في السوق السوداء، فيما فكر البعض الآخر مليا في الرحيل. كما طُلب من المقيمين الذين كانوا يتقدّمون في السابق بطلب تمديد فترة التأشيرة السياحية أو تأشيرة العمل في الصين، أن يعودوا إلى وطنهم ويتقدموا بطلب تأشيرة على المدى القصير في السفارة الصينية في بلدهم الأم.

وأشار البعض، مثل ديسموند ماك غاري وهو عازف موسيقى الجاز، يعيش في الصين منذ العام 2002 إلى أنه قد يرحل عن هذا البلد. فبالنسبة إلى ماك غاري، تعني العودة إلى كندا التخلي عن شقته وشبكة أصدقائه. واعتبر ان quot;الوضع كان مريحا لغاية اليوم، حتى لو كنا نعيش في وضع غير مستقر. قد أرحل أو أعود في الخريف عندما تهدأ الأمور أكثرquot;.

تأتي الإجراءات الجديدة المتعلقة بتأشيرة الدخول في وقت تزيد فيها التوترات في بيجينغ وفي المدن الأخرى، حيث يتحوّل الغضب العام على الحكومات الغربية والمنظمات الإعلامية في ما وراء البحار التي تتعاطف مع استقلال التيبت. وقد أذكى عدم الرضا هذا إلى انطلاق مظاهرات أمام السفارة الفرنسية في بيجينغ وأمام متاجر كارفور، وهي سلسلة من السوبر ماركت الفرنسية، اتهم المدراء التنفيذيون فيها بأنهم مرتبطون يؤيدون دالاي لاما.

وعلى الرغم من أن معظم الأجانب يعتبرون أنهم لم يلمسوا أي تغيّر في سلوك جيرانهم والعمال الصينيين، يشتكي بعض المقيمين الفرنسيين من أن الغضب الوطني يتسرب إلى حياتهم اليومية. وقال رجل أعمال يمارس رياضة كرة المضرب في ناد رياضي صيني إن معارفه رفضوا الانضمام إليه في الملعب.

وقال صاحب مطعم شعبي فرنسي إن مسؤولا رفض طلبه لتمديد فترة التأشيرة لأنه فرنسي بكل بساطة. وأعلن الرجل، الذي طلب عدم ذكر اسمه وطبيعة عمله خوفا من مناهضة السلطات إنه خائف، مضيفا quot;حياتي كلها هناquot;. يقرّ معظم الغربيين إنهم يتمتعون بحياة مميزة، فيحظون مثلا بحصانة غير معلنة إزاء الإجراءات التي من الممكن أن تعقد حياة الصينيين العاديين.

من الممكن ان يتغير هذا الوضع قريبا. فبدأت اللافتات باللغة الإنكليزية تظهر في شوارع بيجينغ وعلى أسطح المباني العالية، وهي تطلب إلى الأجانب الذين لا ينزلون في الفنادق تسجيل أسمائهم لدى الشرطة. تنصّ هذه الإجراءات، التي ليست بجديدة ولكن نادرا ما كانت مطبقة، بفرض غرامات مالية باهظة في حال لم يتم الاتزام بها.

وبما أن الحكومة لم تصدر تعليمات رسمية حول الإجراءات الجديدة للحصول على تأشيرة، تنتشر الشائعات والشكوك. وقد لفت وكلاء السفر إلى أنه تم رفض طلب الحصول على تأشيرة لعدد كبير من السياح من دون تقديم ذريعة مقنعة. ذكرت كلوريس ييب، مديرة وكالة السفريات quot;سمايلي ترافيلquot; في مدينة هونغ كونغ مثالا عن سائحين، أحدهما سويسري والآخر ألماني. حصل المواطن السويسري على تأشيرة لمدة 30 يوما، فيما حاز زميله الألماني تأشيرة لمدة خمسة أيام فقط، فقالت إن الرجلين اضطرا إلى إلغاء رحلتهما.

وأضافت ييب: quot;ربما الحكومة الصينية غير راضية عن الألمان حاليا. وربما تعتبر أن الأجانب يريدون أن يعترضوا على مسألة التيبت خلال الألعاب الأولمبية. على أي حال، لا يمكن مناقشة الموضوع أو التفاوض فيهquot;.

يشعر رجال الأعمال أيضا بالعجز. فقد اعتاد المدراء التنفيذيون في هونغ كونغ على زيارة المصانع الرئيسية أو الإطلاع على مشاريع البناء كل يومين أو ثلاثة أيام، غير أنهم يمضون حاليا يوما واحدا في كل أسبوع ينتظرون الحصول على تأشيرة دخول لمرة واحدة أو تأشيرة دخول لمرتين. وأعلن سيث بيتيرسون، نائب رئيس شركة quot;تيكترونيك إنداستريزquot; التي تصنع المكانس الكهربائية والأدوات الكهربائية في جنوبي الصين: quot;تأثر الجميع بذلك وهم غير راضين عن الموضوعquot;.

وفي ما يتعلق بالقيود، أكّدت الناطقة باسم وزارة الخارجية جيناغ يو، أنه لم يتم تطبيق أي تغيير على إجراءات الحصول على التأشيرة، مضيفة في مؤتمر صحافي، quot;سيستقبل الصينيون الأصدقاء الأجانب بحفاوة وبحماسة وانفتاحquot;. في حال كانت هذه الإجراءات مؤقتة أم لا، يعتبر الأشخاص الذين يعتمدون على الخبرات الأجنبية في عملهم إن الوقع كبير. وقال كولن كراول المحرر المدير في صحيفة quot;سيتي ويك أندquot; وهو دليل ترفيهي باللغة الإنكليزية في بيجينغ، إن المتطلبات الجديدة تتسبب بغضب بين الصحافيين المستقلين في المجلة. وأعلنت رالوكا ريكي، وهي مصممة حفلات تنظم عروض فنية للصيف أنها تناضل لتجد قيّمين يملكون تأشيرة صالحة.

وأضافت ريكي التي تحمل الجنسيتين الفرنسية والرومانية: quot;سنجد حلا للموضوع إلا أن الأمر ليس سهلا. تريد الحكومة أن تسيطر على كل شيء وعلى الجميع قبل انطلاق الألعاب الأولمبية. بالنسبة إلينا نحن الأجانب، يشكل ذلك تغييرا هائلاquot;.