موسكو: استأنفت المفاوضات بين سورية وإسرائيل برعاية تركيا. وقد أعلن عن ذلك في نفس اليوم ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت ووزارة الخارجية السورية. ولا شك في أن هذا الخبر يبعث على التفاؤل والأمل في أن السلام بين سورية وإسرائيل سيتحقق عاجلا أم آجلا. ومن أجل تحقيق هذا الهدف ستضطر تل أبيب ودمشق لتقديم تنازلات متبادلة من شأنها تغيير توازن القوى السياسية في الشرق الأوسط. فما الذي ستطلبه تل أبيب ودمشق إحداهما من الأخرى، ومن الولايات المتحدة وغيرها من الدول؟ لا يتوفر الى حد الآن رد على هذا السؤال.

تتطلب مهمة تحقيق السلام بين سورية وإسرائيل حل مجموعة كبيرة من المشاكل الثنائية والإقليمية، ومنها:

الأرض

كان شعار quot;الأرض مقابل السلامquot; المطلب السوري الرئيسي الذي طرح في أثناء مؤتمر مدريد عام 1991. وعلى الرغم من أن إسرائيل تتمسك بمرتفعات الجولان السورية منذ أكثر من 40 عاما إلا أن الطرفين باشرا بإجراء مفاوضات سرية أكثر من مرة بعد مؤتمر مدريد فقط، ولكن تلك المفاوضات فشلت جميعها. ولا تعارض تل أبيب من حيث المبدأ الانسحاب من الجولان، ولكنها طالبت بتعويض بمليارات الدولارات لتمويل عملية ترحيل المستوطنين الإسرائيليين من الجولان الى العمق الإسرائيلي. لقد طالب اسحق رابين آنذاك وبعده شيمون بيريس بمبلغ 17 مليار دولار، ووافقت إدارة كلينتون على تقديم هذا المبلغ. فمن سيدفع الآن إذا كان الوسيط هو تركيا وليس الولايات المتحدة الأمريكية؟

الماء

لا بد من القول إن الثروة الرئيسية للجولان هي الماء وليس الأرض، وخاصة مياه بحيرة طبريا. ونتيجة لحرب عام 1967 فقدت دمشق موارد مائية كبيرة. ومما لا شك فيه أن مشكلة المياه بالنسبة لإسرائيل أكثر حساسية مما هي عليه بالنسبة لسورية، وترى في بحيرة طبريا مصدرا إستراتيجيا للمياه تستخدمه منذ أكثر من 40 عاما.

الحدود

من المؤكد أن إسرائيل في حال موافقتها على إعادة الجولان لسورية، ستطالب دمشق وواشنطن بضمان أمن الحدود الشمالية (الهدوء في جنوب لبنان). وهيهات أن تقدم سورية مثل هذه الضمانات التي يجب مطالبة طهران بها لأن إيران تمول حركة حزب الله بنشاط. ونظريا، تستطيع سورية قطع العلاقات مع إيران، ولكنها في هذه الحال ستكون بحاجة الى راع جديد تتمنى لو يصبح الولايات المتحدة. أما quot;العم سامquot; فهو يفكر في الموضوع، ولديه شروط خاصة به، وأهمها أن تدور سورية في فلك السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.

الأمن النووي

لا يخفى على أحد أن إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط حاليا. ومع ذلك لم تؤكد تل أبيب هذه الحقيقة أو تنفيها في يوم من الأيام. وهناك دولة أخرى في المنطقة تسعى الى امتلاك السلاح النووي، وهي إيران التي يؤكد المسؤولون فيها على الطابع السلمي لبرنامجهم النووي. وهناك احتمال يشير الى سعي سورية لامتلاك برنامج نووي، وأن المنشأة التي دمرتها طائرات حربية إسرائيلية كان مفاعلا نوويا قيد الإنشاء. ولهذا ستطالب تل أبيب ودمشق بضمانات أمنية نووية إحداهما من الأخرى، ومن الولايات المتحدة، وربما من روسيا وليس من تركيا.

دور إيران في المنطقة

هناك عقبة رئيسية تقف في طريق تحقيق السلام بين سورية وإسرائيل تتمثل في إيران التي أصبحت نتيجة لحرب العراق القوة الإقليمية الأولى في المنطقة. وتمثل إيران الشيعية دولة تيوقراطية تعتقد بأنها تحمل رسالة روحية لكل العالم العربي مما يثير غضب واستياء المسلمين السنة، وخاصة في السعودية ومصر. تجدر الإشارة الى أن بشار الأسد وأسرته يمثلان العلويين الشيعة في الوقت الذي يشكل فيه السنة أغلبية سكان سورية.

وكانت سورية وإيران تعتبران نفسيهما القوى المؤثرة الأولى على الساحة السياسية اللبنانية، ولكن بعد مقتل الحريري وانسحاب القوات السورية من الأراضي اللبنانية تقلص نفوذ هذين البلدين، ولكنه لم ينحسر تماما. ويعد بشار الأسد وحزب الله العامل الرئيسي للتأثير الإيراني في لبنان. والسؤال الذي نطرحه هنا: هل يستطيع بشار الأسد التخلص من quot;الأحضانquot; الإيرانية، وهل يرغب بذلك أصلا؟ وحتى الآن يؤكد الأسد أنه لا يريد ذلك.

هل تتوفر الأموال الكافية لدى الوسيط؟

من المثير أن تركيا هي التي ترعى المفاوضات السورية الإسرائيلية، وليس الولايات المتحدة على الرغم من أن لعب أنقرة لهذا الدور جاء للتمويه فقط. ومما لا شك فيه أن السلام يكلف ثمنا باهظا، وشهد التاريخ مثالا وحيدا للسلام بين العرب والإسرائيليين وهو كامب ديفيد. لقد أمكن التوصل إلى سلام بين مصر وإسرائيل قبل 30 عاما برعاية الولايات المتحدة وعلى وبأموالها. لقد تعهدت الولايات المتحدة آنذاك بتقديم مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 5ر3 مليار دولار لإسرائيل و5ر1 مليار دولار لمصر. وقد رفعت الولايات المتحدة قيمة المساعدات العسكرية لمصر بعد فترة إلى 2ر2 مليار دولار، وربما ازداد هذا المبلغ الآن. وباختصار تنفق الولايات المتحدة في هذا المجال 5ر5 مليار دولار. ومثل هذا السلام رغب حافظ الأسد وياسر عرفات بشرائه من واشنطن سابقا، ولكنهما لم يتمكنا من تحقيق ذلك لأسباب مختلفة. لقد تغير العالم .. وأصبحت الولايات المتحدة تلعب مع العرب بقواعد أخرى.

واستنتاجا لكل ما قيل، أعتقد أن السلام بين دمشق وتل أبيب لن يتحقق قريبا.. فسورية لا تستطيع قطع العلاقات مع إيران، وهما معا (سورية وإيران) لن تتمكنا من الاتفاق مع إسرائيل في أي حال من الأحوال.