موسكو: يبدو أن الحظ لم يحالف الرئيس الروسي الجديد ديمتري مدفديف، لأن النزاع حول إقليم أوسيتيا الجنوبية قد ألقى بظلاله على فترة حكمه التي كانت حتى ذلك الحين تسير مسارا جيدا. فلم تؤد الحرب ضد جورجيا إلى تقويض مكانة مديفديف دوليا فحسب، وإنما أيضا إلى كشف النقاب عن لعبة quot;القيادة المزدوجةquot; في روسيا، التي بقيت قيد الخفاء طيلة تلك الفترة. إنها سياسة يمكن وصفها بـquot;الديمقراطية الترادفيةquot;، كونها تعني تقاسم السطة بين رئيس الوزراء الجديد والرئيس السابق فلادمير بوتين.
فترة حكم إيجابية حتى اندلاع الحرب
كانت فترة حكم الرئيس الجديد دميتري مدفديف تعتبر قبل احتدام أزمة إقليم أوسيتيا الجنوبية وتدخل روسيا العسكري ضد جورجيا، كانت تُعتبر إيجابية وذلك لعدة أسباب: أولا، نجح دميتري ميدفديف طيلة تلك الفترة في تفادي الوقوع في أخطاء داخلية كبيرة، حيث أنه لو تجرأ على مواجهة النخب القيادية في روسيا، لكانت العواقب وخيمة. وثانيا، تمكن مدفديف من خلال تصريحاته المتريثة من التحرر - ولو جزئيا - من دائرة تأثير بوتين. كما استطاع - ولو بصفة محدودة جدا - إظهار شخصيته في الخارج والداخل. ففي الخارج استطاع الرئيس الروسي الجديد من خلال أسلوبه اللطيف وتصريحاته الليبرالية والمقربة من أوروبا الحصول على الإعجاب في العواصم الأوروبية.
كما تمكن من ترك انطباع جيد عنه في الغرب، عندما خفف من القوانين المتشددة المفروضة على الإعلام والتي كان بدأها الرئيس السابق بوتين. وعندما هاجم رئيس الوزراء الحالي بوتين علنا وبغضب شركة المعادن والفولاذ الروسية ميشيل، والذي أدى إلى سقوط أسهم الشركة إلى مستويات متدنية، أعلن الرئيس ميدفديف رفضه ممارسة الدولة مزيدا من الضغوط على الشركات، طبعا دون ذكر اسم رئيس حكومته.
على الرغم من أن مثل هذه التصريحات لا تصنع من مدفديف بطلا، إلا أنه - وعلى ضوء نظام السلطة المعقد في روسيا - فإنك تلك التصريحات تُعد ولو للحظة على الأقل إشارات على استقلالية سياسة الرئيس الجديد مدفديف.
بوتين مازال يسيطر على السلطة في روسيا
كما أظهر عجزه على تولي منصب القائد الأعلى للقوات الروسية المسلحة. وكالمعتاد كان بوتين هو من يُسطّر الخطوط العريضة للسياسة الروسية على الرغم من تواجده في ذلك الوقت في بكين البعيدة. ومن خلال زيارته المفاجأة يوم السبت الماضي إلى فلاديكافكاس في شمال إقليم أوسيتيا الجنوبية، أبرز فلادمير بوتين أنه فعلا سيد الموقف. في حين بدى مدفديف وكأنه تحول إلى نائب لبوتين، اقتصر دوره على تحويل الأوامر لسياسة بوتين العسكرية المتشددة ضد جورجيا.
مثل هذا الموقف السياسي قوض في نفس الوقت محاولات الرئيس الجديد التقرب من أوروبا، حيث أن التدخل العسكري الروسي في جورجيا قد زاد من عمق الفجوة بين الغرب وروسيا، إلى درجة أن كلمات مدفديف الليبرالية، التي ينبغي أن تقربه من أوروبا قد ذهبت طي النسيان، حتى أن تقاسم الأدوار بين بوتين quot;الشرطي المتغطرسquot; وميدفديف quot;الشرطي الطيبquot; لم يُعد يُجد شيئا، ذلك أنه قد اتضح للجميع في الداخل والخارج أن السلطة الفعلية في روسيا، إنما مازالت بيد فلادمير بوتين.
أما إذا أراد مدفديف الحصول على القبول والاعتراف كرئيس فعلي لروسيا من قبل الشعب الروسي ومن قبل المجتمع الدولي، فإنه يتعين عليه أن يظهر عن طريق تصريحاته وأفعاله أنه فعلا أقوى رجل في روسيا، ليس حسب الدستور فحسب، وإنما حتى إذا اقتضى الأمر إتباع سياسة تتناقض مع سياسة معلمه ورئيس حكومته الحالي فلادمير بوتين.
إنغو مانتويفل
التعليقات