موسكو: أنهت روسيا عملية quot;إنفاذ السلامquot; التي أجرتها في أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وجورجيا. وأعلنت قيادة البلاد والقوات المسلحة عن الشروع في سحب القوات الروسية من منطقة النزاع. من المبكر الحديث عن انتهاء النزاع بين جورجيا والجمهوريتين غير المعترف بهما، ولكن يمكن إجمال بعض نتائج العملية العسكرية الروسية.

بدأ كل شيء من محاولة جورجيا لإحلال quot;النظام الدستوريquot; من جديد في أوسيتيا الجنوبية. ولكن تقود تصرفات جورجيا قبل تدخلها في أوسيتيا وأثناء عملية الاجتياح التي انطلقت ليلة 8 أغسطس، إلى استنتاج أن الهدف الحقيقي الذي وضعته القيادة الجورجية نصب عينيها تمثل في إبادة سكان أوسيتيا الجنوبية غير الجورجيين أو إزاحتهم إلى روسيا. وسقط ضحية لهذا النزاع المسلح، حسب معطيات وزارة الخارجية الروسية، نحو 1600 شخص.

وفضلا عن ذلك، لم تتورع جورجيا عن الانتهاك السافر لأعراف الشرعية الدولية بفتحها النيران على مواقع قوة حفظ السلام الروسية. ولم يتيسر كسر دابر العدوان الجورجي إلا بعد تدخل القوات الروسية الإضافية. فبحلول 11 أغسطس تلاشى الجيش الجورجي كقوة منظمة، فشاهد العالم كله لقطات تلفزيونية مسجلة لفرار الجنود الجورجيين من أوسيتيا الجنوبية وغوري وغيرها من المناطق. وفي 12 أغسطس أعلن الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف عن إنهاء العملية.

وقد بينت quot;حرب الأيام الخمسةquot; الجوانب القوية للجيش الروسي ونقاط ضعفه على حد سواء. فمن جهة، تتيح سرعة انتشار القوات وجهودها المنسقة عند إسكات المدفعية الجورجية وخطوط إمدادها والانهزام السريع للجيش الجورجي، تقييم عمل القيادة العسكرية الروسية في كل المستويات تقييما عاليا. ولكن من جهة أخرى، شهد هناك عدد من النواقص منها، خاصة، التقصير في التصدي الحاسم للقوات الجوية والدفاع الجوي الجورجيين وغياب أحدث نماذج الأسلحة والآليات الحربية في التشكيلات القتالية والتأخر الواضح لأنظمة الاتصالات.

وبموازاة العملية العسكرية، نشبت حرب إعلامية ودبلوماسية. وممن أيد جورجيا دون قيد أو شرط فقط الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول أوروبا الشرقية علما أن هذا التأييد لم يتجاوز حد مطالبة روسيا بسحب القوات الفوري من جورجيا.

وفي الوقت نفسه تأكد العالم بأسره من وجود انقسام في موقف الغرب من تلك المسألة المبدئية كـquot;حماية الديمقراطية الفتيةquot;، بينما ظهرت في مجال السياسة واقعية جيوسياسية جديدة ألا وهي تحالف، وإن مؤقت، بين روسيا وبلدان أوروبا الغربية (مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلى حد ما) في وجه الولايات المتحدة وأوروبا الشرقية.

بل حظيت روسيا بالدعم من جانب تركيا التي تعتبر خصما جيوسياسيا تقليديا لها. فقد أيد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي وصل إلى موسكو من أجل إجراء مفاوضات عاجلة، جهود روسيا الرامية إلى إنفاذ السلام في المنطقة. وفي فترة لاحقة وصلنا نبأ عن عدم سماح تركيا بمرور القطع الأمريكية إلى البحر الأسود.

وتبدو اليوم مواقف اللاعبين الرئيسيين على المسرح الدولي - الولايات المتحدة وروسيا - غير قابلة للتصالح. فلا يريد أي منهما التراجع أمام الآخر وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نتنبأ بتصعيد جديد للمجابهة الشاملة على صعيد الفضاء السوفيتي السابق وفي أمريكا اللاتينية. فتوشك روسيا على الاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وتورط بعض البلدان المجاورة في دوامة النزاع وفي مقدمتها أوكرانيا التي تشهد تعمقا حادا للأزمة السياسية الداخلية بالنظر إلى انشقاق نخبتها السياسية بصدد تقييم أحداث أوسيتيا الجنوبية.

وبات واضحا للعيان الطابع المعادي لروسيا لمنظومة الدفاع المضاد للصواريخ التي تنشر الولايات المتحدة أجزاءها في أوروبا ولاسيما بعد موافقة بولندا على الانضمام إلى المشروع مقابل تزويدها بأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة من أجل صد الهجوم الروسي المحتمل. ومن جانب آخر، أكد المسؤولون الروس أن المنشآت التابعة لمنظومة الدفاع المضاد للصواريخ ستكون في رأس قائمة الأهداف الواجب تدميرها في حالة نشوب نزاع مسلح.

وعلى الصعيد الإقليمي من المرجح أن تشهد جورجيا من جديد تغيير السلطة لأن ميخائيل سآكاشفيلي الذي خسر الحرب لن يتمكن من التمسك بمقاليد الحكم في البلد. ويزمع أيضا انكماش دور رابطة الدول المستقلة التي قررت جورجيا الخروج منها بعد أحداث أوسيتيا الجنوبية. ويحتمل في الوقت نفسه أن يعمد حلفاء روسيا إلى تعزيز التعاون معها ضمن أطر منظمة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون اللتين قد ترفدان عما قريب بأعضاء جدد.