أربع حكومات على أرض واحدة

إسرائيل والسلطة وحماس والأونروا يتحكمون في الفلسطينيين

نجلاء عبد ربه من غزة:من الصعب قراءة ما يجري في المدن الفلسطينية، لكن الأصعب أن يتكيف الفلسطينيون في الحياة مع أربعة حكومات تتحكم في سير حياتهم ومعيشتهم في آنٍ واحد.يقول المسن فؤاد الحاج 'منذ أن هاجرنا من بلدتنا في أراضي الـ 48 إلى قطاع غزة، بدأت وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين 'الأونروا' بتطبيق قوانين اللاجئين علينا، وعملت على مساعدتنا منذ الأيام الأولى للهجرة، بعد أن إحتلت إسرائيل مدننا وقرانا في ذلك العام'.

وأضاف الحاج 'منذ ذلك الوقت، نعتبر أن وكالة الغوث الدولية هي الجهة الرئيسية التي تتحكم فينا نحن فئة المهاجرين 'اللاجئين الفلسطينيين'، فزودتنا ببيوت من صفيح وصرفت لنا مواد تموينية أساسية حتى يومنا هذا'.

ومع مرور الأيام والسنون، وإحتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية في العام 1967م، بدأت إسرائيل بتطبيق قوانينها العسكرية والمدنية على جميع الفلسطينيين، فإعتقلت وداهمت وجرفت منازل ومزارع وقتلت ودمرت، كلنها لم تستطع أن تتدخل في عمل وكالة الغوث داخل المخيمات الفلسطينية.

وبعد إتفاق أسلو الذي أبرم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العام 1994م، ودخول السلطة الوطنية الفلسطينية للضفة الغربية وقطاع غزة، بدأت السلطة بفرض نظامها على الفلسطينيين الموجودين داخل تلك المدن، وتركت 'الأونروا' تسير حياة اللاجئين داخل المخيمات الفلسطينية، وبالطبع لم تستطع أن تكبح جماح إسرائيل في إعتقال أو مداهمة المدن الواقعة تحت إمرتها في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

ويعلق محللون مختصون على التركيبة الفلسطينية والقوانين التي فُرضت على الفلسطينيين بالقول 'من الصعب أن تتعايش ثلاثة أنظمة وقوانين في بقعة صغيرة من الأرض، كالضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن حاجة الفلسطينيين للعيش، أجبرتهم على الإنصياع لكافة الأوامر الملقاة عليهم بحولها ومرها'.

وقال المحامي محمود سعيد، عضو نقابة المحامين، الأمر لم يكن سهلاً أمام السلطة الفلسطينية، فإسرائيل تفرض قوانينها بالقوة عليهم، بينما وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين لها وضع خاص جداً، فهي التي قامت منذ العام 48م بإحتضان اللاجئين الفلسطينيين وتسير حياتهم، قبل أن تبدأ الثورة الفلسطينية وتنطلق عام 65م. ويضيف المحامي سعيد 'والدي من مدينة يافا، هاجر إلى غزة مع عشرات آلاف المهجرين، لكن بمساعدة الأونروا تمكن والدي من إجتياز الصعاب، وأستطاع أن يكون له أسرة ويتزوج من أمي اللاجئة أيضاً من نفس المدينة'.

ويعيش أكثر من نصف المجتمع في الضفة الغربية وقطاع غزة على المعونات المقدمة لهم من الأونروا، كونهم لاجئين، بينما يعيش الباقي من مصادر رزق أخرى، كالتجارة أو فلاحة أراضيهم أو الصناعة أو العمل في الدول العربية وغيرها.

ويقول التاجر محمد سكيك، نحن نتعامل مع إسرائيل وقوانينها بحكم تجارتنا معهم، فالتجارة هنا في غزة والضفة الغربية مرتبطة تماماً بإسرائيل، وبالتالي نتعامل بقوانينهم، وندفع لهم ضرائب وما شابه، كي تسير أمورنا وندخل تجارتنا.

ويضيف سكيك لإيلاف 'مع دخول السلطة الوطنية الفلسطينية، تقاسمت مع إسرائيل تلك الضرائب، لكن الأمر أصبح ميسراً أكثر من ذي قبل، لوجود لجان إسرائيلية فلسطينية مشتركة في معظم المجالات، ومنها التجارة بين الأراضي الفلسطينية وإسرائيل'.

ويستلم الموظفون الفلسطينيون أموالهم بعملتين، فموظفي السلطة الوطنية الفلسطينية يستلمون رواتبهم بالعملة الإسرائيلية المتداولة في فلسطين 'الشيكل'، بينما يستلم موظفي وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عملتهم بالدولار الأمريكي، ويعتبرون أنفسهم خارج حسبة أية معادلة ومناكفات داخلية بين إسرائيل والفلسطينيين.

ومنذ سيطرة حماس على قطاع غزة بعد إقتتال داخلي بينها وبين حركة فتح التي كانت تهيمن على حكم السلطة الوطنية الفلسطينية قبل قرابة عام ونصف العام، بدأ عهد الحكومة الرابعة في الأراضي الفلسطينية، وأدخلت حماس قوانينها على الفلسطينيين في قطاع غزة.

الأرقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية أشارت إلى أن نسبة البطالة في الضفة الغربية وقطاع غزة كانت أقل من 17% قبيل انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000م. إلا أن النسبة وصلت هذا العام لأكثر من 85% في قطاع غزة، فقد كان يصدر أكثر من 700 شاحنة يوميا من منتوجاته في عام 2005، ثم تقلص العدد للصفر الآن.

يقول المواطن أنس حميد لإيلاف 'نحن لا زلنا محتلين من إسرائيل، فعلى الرغم من إجلاء المستوطنات الإسرائيلية عن قطاع غزة قبل ثلاثة أعوام، إلا أن إسرائيل تتحكم في كل داخلة وخارجة لقطاع غزة، فما بالنا بالضفة الغربية!!؟'.

ويعترف أنس أن العاملين في الأونروا هم أكثر حظاً وإستقراراً من العاملين لدى السلطة الوطنية الفلسطينية أو حكومة غزة التي تسيطر عليها حماس. وأوضح أن فصل الموظفين بسبب المناكفات بين حكومتي رام الله وغزة، ضيّقت على الناس حياتهم، وزادت من همومهم وثقلهم في تحمل أعباء الحياة والغلاء الفاحش الذي صاحب الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

ويبدو أن الفلسطينيين ينسجمون في واقعهم أكثر من غيرهم من الشعوب الأخرى. الأمر يرجع أساساً لحياتهم الغير مستقرة، إلا أن تواجد 4 حكومات في آنٍ واحد تتحكم بهم، لا زال أمر مستغرب ويثير الدهشة.

وإن كانت القضية الفلسطينية وتحديداً الإقتصادية منه بشقيها الإجتماعي والإقتصادي قد مرت بمراحل تغير دائمة، اتسمت كل مرحلة بميزات معينة، إلا أن مختصين رأوا أن على السلطة الفلسطينية أن تسهم في بلورة رؤية واضحة لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني وتنميته، رغم الإجراءات الإسرائيلية في وجه الاقتصاد الفلسطيني.