تصلب مواقف المتنازعين ينذر بالجهل
التعليم والصحة جولة جديدة من الصراع الداخلي الفلسطيني

ميرفت ابو جامع من غزة: أكثر شيء حرص الفلسطينيون على ألا يمسه سياط الانقسام قطاعي الصحة والتعليم الذين يشكلا الحياة في فلسطين والشريان الذي يغذيها بالارداة والتحدي ويضخ فيها جرعات من الأمل في المستقبل. ولطالما تفاخر الفلسطينيون بهذين القطاعين، خاصة التعليم الذي يزداد عدد المتعلمين بينهم بشكل يتقدم على دول كثيرة تعيش أوضاعا اقل توترا من أوضاعهم،حيث تعد نسبة الأمية بينهم الأقل انخفاضا على مستوى العالم إذ لا تتعدى 6.1 بحسب إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء.

ولم يعد هذان القطاعان محصنان و باتا مهددين بعد أن دخلا حلبة الصراع الفصائلي خلال جولاته المتسارعة ، خاصة بعد الإضرابات التي بدأها العاملون في قطاع التعليم منذ بدء العام الدراسي الجديد في 24 آب الماضي، احتجاجا على سياسة الإقصاء الوظيفي التي اتبعتها الحكومة المقالة بغزة لعدد من المدرسين، ليلحقه إضراب الصحة في ثلاثون من آب الماضي و إضراب العاملون في الجامعات لتكتمل فصول الكارثة ،التي ستحل بجيل بأكمله، وكأن الفلسطينيون المحاطون بتعقيدات الوضع، حيث لا أفق لحل مع إسرائيل، قبل نهاية العام،بحسب الرئيس الفلسطيني، ولا مع أنفسهم لإنهاء الانقسام، رغم الجهود المصرية لإطلاق الحوار الشامل ،ينقصهم هذا التوتر الجديد .

وعانى القطاعان من الانتهاكات الإسرائيلية بحقهما الأعوام الماضية،وشهد قطاع التعليم تدهورا كبيرا بسبب إغلاق إسرائيل للمعابر التي تسيطر عليها في قطاع غزة وبالتالي حرم طلاب غزة البالغ عددهم من الحصول على الكتب المدرسية ومستلزماتها كما تأثرت المدارس ومختبراتها العلمية بانقطاع التيار الكهربائي بسبب منع دخول الوقود الى غزة ،وكانت نتائج الامتحانات لدى الطلبة متدنية وشهد البعض تراجعا في مستوى تحصيلهم العلمي .

والحال في الصحة لا يختلف كثيرا، وان كان أكثر خطورة لأنه يمس بحياة مليون ونصف محاصرون بغزة ،فلازالت إسرائيل تمنع المرضى من السفر للعلاج في مستشفياتها وللخارج بحجج أمنية وبإغلاق معابرها تمنع دخول الدواء والمعدات الطبية والأجهزة وتعاني المستشفيات من نقص في الأدوية بصفة مستمرة ومن تعطيل عدد من الأجهزة الكهربائية التي تعمل في المستشفيات. ووصل حتى الآن ضحايا الحصار من المرضى الذين ماتوا في انتظار تلقي العلاج أو السفر للمستشفيات لإجراء مراجعات او عمليات جراحية نحو أكثر من 240مريضا ونفس المصير ينتظر أكثر من ألف مريض بحاجة لعلاج بالخارج .

كل ما سبق لم يسعف القطاعين ويجنبهما الصراع الداخلي الذي اشتد منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في حزيران الماضي ، واليوم ذاتهم المرضى والطلاب والممرضين يدفعون الفاتورة مضاعفة بسيف إسرائيل تارة وأخرى بالانقسام.

إضراب في الصحة والتعليم
ممثلو نقابات المهن الصحية والمعلمين وموظفي القطاع العام في الضفة الغربية أعلنوا تمديد إضرابهم عن العمل في قطاع غزة حتى تستجيب سلطة الحكومة المقالة في غزة لمطالبهم وان تعيد النظر في حساباتها وفي ممارساتها اتجاه المعلمين.بل وتطالبها بالاعتذار لهم عن نعتهم بالكفر والخيانة وإعادة فتح المقرات وعلى رأسها اتحاد المعلمين فضلا عن التراجع عن قرار نقل الموظفين من أماكن عملهم وإعادة من تم فصله عن العمل منذ الرابع عشر من حزيران2007، بالإضافة للإفراج عن كافة المعتقلين.

واكد تقرير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية حول الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية أن إضراب نحو 48% من الموظفين في وزارة الصحة و50% من وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة..

وركز مكتب الأمم المتحدة في تقريره الأسبوعي حول الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، على إضرابات وزارتي التعليم والصحة في قطاع غزة.

وبحسب المكتب خلال زيارة ميدانية لثمانية مستشفيات تعمل في غزة، أن 48% من الموظفين امتنعوا عن العمل، منهم 31% من الأطباء و25% من التمريض، في حين أن أعلنت ثلاثة مشافي حالة الطوارئ، وعلقت كافة الخدمات الصحية غير الطارئة.مبينا أن اثني عشر مرفقاً للرعاية الصحية من مجموع 56 عيادة أغلق بسبب الإضراب، ، كما أغلقت عيادات الأمومة وتنظيم الأسرة والطب الوقائي وقسم الأوبئة.

وفي قطاع التعليم، أفاد مكتب الأمم المتحدة أن 50% من معملي وزارة التربية والتعليم في القطاع علقوا عملهم، بينما تراوحت نسبة حضور الطلبة بين 80% إلى 98%.

إجراءات تعسفية متبادلة
بدورها الصحة المقالة رفضت الإضراب واعتبرته غير شرعي وغير قانوني ،وقامت بإجراءات قمعية ضد المضربين بدأت باعتقال المدرسين المضربين وتهديدهم وقامت بتعيين خريجون جدد لسد العجز في المدارس الذي وصل فيها دوام المدرسين فقط 50% وفي القطاع الصحي بدأت بإجراءات quot;قمعيةquot; ضد موظفي القطاع الصحي وذلك بالتوجه الى العديد من المراكز الطبية وتهديد كل من يلتزم بالإضراب عليه ان يغادر مكان عمله والايعود للعمل دون دراسة مطالب المضريين او التوصل لحل معهم أما حكومة رام الله ,فقد قامت بقطع رواتب المعلمين الملتزمين بدوامهم المدرسي وأعلنت عبر مواقعها عن أسماء بالآلاف للمعلمين وكذلك هددت غير الملتزمين بالإضراب بعدم التزامهم بالشرعية الفلسطينية .

الشارع الفلسطيني ما ان يخرج من أزمة غاز الطهي والوقود والكهرباء التي لازالت شبحا يحاصره كل حين، حتى يدخل في أزمة جديدة أكثر خطورة على نسيجه وتهدد مستقبل جيل بأكمله ،فالطالبة نداء شعت وهي طالبة في الثانوية العامة لهذا العام تتساءل عن جدوى ان يزج بمستقبل الطلبة في الصراع والخلافات الداخلية محذرة من المساس بمستقبلهم وهو الشيء الوحيد الذي يقبضون عليه في ظروفهم الحالكة .

وتساءل احد الأطباء العاملين في مستشفيات غزة، رافضا الإفصاح عن اسمه خوفا من المتربصين به من الجهتين المتصارعتين، ماذا يعني أن يقاد طبيب من منزله ويهدد بالقتل اذا لم يذهب لعمله وماذا يعني ان يقطع راتبه ان لم يلتزم بالإضراب هذا الجنون بعينه!!،ويضيف إلى أين يقودنا هؤلاء، مشيرا انه لم يعد يحتمل ما يحدث وأضاف وهو يعمل في حضانة للأطفال الخدج:quot; ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يحتاجون إلى عناية على مدار الساعة .وقال:quot; أنا مع الإضراب كحق مكفول لنا ولكن ليس بهذا التوقيت الذي يعاني فيه قطاع الصحة من الحصار والإغلاق quot;.

وتشير أم علي زوجة موظف يعمل في الصحة أن زوجها في الخمسينات من العمر يشعر بأزمة نفسية شديدة بعد أن التزم بيته بسبب الإضراب خوفا على راتبه ومستحقاته المالية المهددة بالقطع اذا لم يلتزم بالاضراب. متعرب عن خشيتها من ان يتفكك بيتها ويتعرض لمشاكل خاصة بعد أن بات زوجها يترصد خطواتها ويحسب لخروجها بالساعة من البيت ويتدخل في أشياء كثيرة، لافتة انه كان في عمله منسجما ونسبة الاحتكاك بنا في شؤون البيت قليلة .

وحذرت مراكز حقوقية وفصائل وأحزاب ومسئولون من الزج بقطاعي التعليم والصحة في الخلافات السياسية وتوظيف العمل النقابي لخدمة مصالح خاصة وقال وسام الفقعاوي عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية في قطاع غزة لايلاف بان إضرابي الصحة و التعليم تم توظيفهما سياسيا في إطار الصراع الدائر بين فصيلي quot; فتح وحماس معبرا عن موقفهم الرافض للإضراب في هذا التوقيت وبهذا الشكل ورفضهم للإقصاء الوظيفي والتنقلات التي فرضتها الحكومة المقالة بغزة مشددا على ان الفلسطينيين بخلافاتهم سيفقدوا احد الدعامات الرئيسية في صراعهم مع إسرائيل وهو التعليم المبني على مواجهة مخططات التجهيل التي تريدها اسرائيل للفلسطينيين.

ومن جهته دعا عماد عصفور القيادي في حزب الشعب الفلسطيني الى تحييد قطاع التعليم وعدم الزج به في الخلافات السياسية ،وطالب الجميع تحمل المسئوليات الوطنية كون التعليم مطلبا رئيسيا للشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي بسلاح العلم وقال :quot; وهو ذاته quot; الاحتلالquot; فشل قبل عقود في محاولة تجهيلنا ونحن اليوم نقدم لك ذلك بأيدينا .

وطالب عبد العزيز قديح عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي فتح وحماس بالعودة عن كل الإجراءات التي مست قطاعي الصحة والتعليم الحيويين حفاظا على مستقبل الطلبة من الضياع وعلى أرواح المواطنين .