فيينا: أعطى المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الدكتور محمد البرادعي صورة تشاؤمية عن واقع ومستقبل الوكالة في ظل ما وصفه بـ quot;حالة التقهقرquot; والاستمرار في الاعتماد بمعدل 90 % على المساعدات المالية الطوعية، بالإضافة إلى عدم التزام عدد كبير من الدول الأعضاء بالمبادئ والأهداف والتعهدات الواردة في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقات الضمانات والبروتوكولات الإضافية وأحكام النظام الأساسي للوكالة. وفي نفس الوقت، حذر البرادعي من مغبة تفاقم أزمات حادة مثل الفقر والمجاعة وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية، وشدّد على القول أن quot;أكثر من 1.4 مليار شخص في البلدان النامية والبلدان الأقل نمواً في العالم يعيشون على أقل من دولار في اليومquot;.

جاء ذلك في التقرير الذي تلاه البرادعي خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام للوكالة الذرية الذي بدأ أعمال دورته الثانية والخمسين اليوم في المركز النمساوي للمؤتمرات بحضور أكثر من 2000 مندوب للدول الأعضاء في الوكالة (145 دولة) والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المتخصصة بشؤون الطاقة. ووصف البرادعي الوضع في منطقة الصحراء الغربية بـ quot;المأساويquot; حيث يفتك الفقر ومرض نقص المناعة البشري ومرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) بحياة مئات الآلاف من الناس سنوياً، على حد تعبيره.

وأشار إلى تزايد الطلب العالمي على دورة الوقود النووي واستخدام الطاقة الذرية في توليد الطاقة الكهربائية فقال quot;هناك 439 محطة نووية تعمل في 30 دولة، بالإضافة إلى 36 محطة قيد الإنشاء، وذلك في ظل معلومات تؤكد أن عدد تلك المحطات سيتضاعف في غضون السنوات المقبلة، ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار ان 12 دولة إضافية تستعد لولوج باب استخدام الطاقة الذرية لإنتاج الكهرباء وتحلية المياهquot;.

وفي نفس الوقـت، حذر البرادعي من خطورة انهماك عدد من الدول، لم يكشف النقاب عن اسمائها، في تحريف أنشطة نووية، وإنتاج وتطوير أسلحة نووية بشكل سري. وهنا اقترح أربعة عناصر اعتبرها أساسية، من أجل تعزيز الأمن والأمان النوويين وهي quot;منح الوكالة سلطات قانونية كاملة، وضرورة اعتماد الشفافية، ومواكبة تطورات التقنية النووية وتسهيل المعاينة، وتعزيز الموارد المالية والبشريةquot;.

واعترف البرادعي بوجود قصور كبير في التزام الدول الأعضاء بتلك العناصر الأربعة، وخصوصاً العنصر المتعلق بمنح الوكالة سلطات قانونية كاملة تندرج في إطار البروتوكول الإضافي الذي يتيح لمفتشي الوكالة القيام بزيارات ميدانية مباغتة على أي من المرافق النووية العاملة. وفي هذا السياق، عبّر البرادعي عن quot;القلق البالغquot; لاستمرار 30 دولة خارج إطار نظام الوكالة للضمانات الشاملة.

وتوقف البرادعي ملياً عند أربع حالات اعتبرها quot;مثيرة للجدل والقلق والخطرquot; على الصعيد النووي، هي كوريا الشمالية، وإيران، وليبيا والشرق الأوسط. وفيما يتعلق بكوريا الشمالية حذر من قيام سلطات كوريا الشمالية بإزالة أختام الوكالة وأجهزة الرقابة السرية من مفاعل يونغبيون، واستئناف أنشطة إعادة المعالجة وإنتاج البلوتونيوم بدون مراقبة المفتشين. وطالب بضرورة إقناع كوريا للعودة إلى معاهدة عدم الانتشار وتطبيق نظام الوكالة للضمانات الشاملة.

وفيما يتعلق بإيران، أكد البرادعي أنه quot;مع إحراز تقدم في عمل الوكالة في إيران خلال السنوات الست الماضية فيما يتصل بأنشطة برنامج تخصيب اليورانيوم وعملية إعادة المعالجة، بالإضافة إلى التأكد من عدم تحريف الانشطة النووية المعلنة، إلا أن الوكالة ما تزال غير قادرة على التأكد من عدم وجود أنشطة نووية محظورةquot;. ويبدو أنه كان يشير بذلك إلى الأنشطة العسكرية وإجراء أبحاث وتجارب على إطلاق صواريخ من منصات سريعة الارتداد، وهي أنشطة تندرج في إطار ما يسمى بـ quot;الدراسات المزعومةquot;. وحث البرادعي إيران على ضرورة الالتزام بالشفافية الكاملة لتسوية المسائل العالقة في أقرب وقت ممكن ولما فيه مصلحة الشعب الإيراني ومنطقة الشرق الاوسط والعالم أجمع، على حد قوله.

واشاد البرادعي بقرار ليبيا التخلي عن برنامجها السري للأسلحة النووية، ونوّه بأهمية تعاونها مع الوكالة الذرية، وأشار إلى أن quot;سعي ليبيا للحصول على اسلحة نووية ما يزال يثير القلق، ومن هذا المنطلق، ستواصل الوكالة القيام بأعمال التفتيش والتحقق بشكل روتينيquot;. وفيما يتعلق بتطبيق نظام الضمانات في الشرق الأوسط، اعترف البرادعي بعدم إحراز أي تقدم ملحوظ بسبب استمرار فجوة الخلافات العميقة في وجهات نظر إسرائيل والدول العربية بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الاوسط باعتبارها عنصراً جوهرياً في بناء معايير الثقة.

وحذر البرادعي من التحديات والمخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين والأمان النووي في العالم، ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ كافة التدابير الوقائية لمكافحة الإرهاب النووية ومنع وقوع أي مواد أو أسلحة نووية أو قنابل قذرة بأيدي المجموعات الشريرة والإرهابية. وبعدما سأل البرادعي المؤتمرين: أي وكالة تريدون؟ حذر كذلك من مغبة تدهور أوضاع الوكالة بشكل تدريجي في ظل استمرار تدني مستوى الدعم المالية والقانوني والسياسي، خلص إلى القول quot;لقد آن الأوان لكي نفكر في مستقبل أفضل للوكالة على المدى البعيد، وبما يضمن تكريس استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية والالتزام بالتعهدات قولاً وعملاًquot;.

وكان سيرجي دوارتيه مسؤول نزع السلاح تلا رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، فدعا المؤتمرين إلى ضرورة مواجهة التحديات والمخاطر جراء الارتفاع في استخدام الطاقة الذرية، ونوّه بأهمية الدور البارز التي تقوم به الوكالة الذرية. وبعدما أشار إلى استمرار انشغال الوكالة في معالجة مسائل نووية مفتعلة في كوريا الشمالية وإيران، خلص مون إلى مطالبة الدول الأعضاء في الوكالة الذرية إلى العمل كشركاء للنهوض باستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية والتنموية وعدم انتشار الأسلحة النووية.

هذا وسيناقش المشاركون في المؤتمر العام خلال الأسبوع الحالي جدول أعمال حافلاً بالمواضيع المهمة ابرزها ميزانية الوكالة لعام 2009، وتقوية التعاون الدولي في مجال الامن والأمان النووي وتصريف النفايات النووية، والتدابير الرامية لمكافحة الإرهاب النووي، وتطبيق نظام الضمانات الشاملة في الشرق الأوسط وفي كوريا الشمالية، بالإضافة إلى القدرات النووية الإسرائيلية.