راى محللون وسياسيون السبت ان تحديد الرئيس الفلسطيني محمود عباس موعدا للانتخابات العامة قبل الاتفاق مع حماس، هو على الارجح تكتيك سياسي عوضا عن ان يكون استحقاقا قانونيا. كما توقعوا تصعيدا اعلاميا غير مسبوق بين حركتي فتح وحماس بعد قرار عباس تنظيم الانتخابات والذي رفضته بقوة حركة حماس، وحذروا من سيناريوهات انقسام سياسي كامل وقطيعة دائمة.في حين سارعت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة الى رفض الدعوة واعتبرتها quot;غير شرعية وغير دستوريةquot;.

رام الله: اصدر الرئيس عباس مساء الجمعة قرارا رئاسيا لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية في 24 كانون الثاني/يناير المقبل في كافة الاراضي الفلسطينية. واشار محللون فلسطينيون الى ان الرئيس عباس يسعى الى الضغط على حركة حماس كي توافق على المقترحات المصرية، وخصوصا انه لمح سابقا الى انه في حال عدم موافقة حماس عليها فانه سيدعو الى انتخابات تشريعية ورئاسية. واعتبر اخرون ان عباس لم يكن ليصدر الجمعة المرسوم الذي يحدد موعد الانتخابات في 24 كانون الثاني/يناير، من دون موافقة جهات عربية واجنبية، ولا سيما منها الولايات المتحدة الاميركية ومصر.

وقال الكاتب السياسي هاني المصري quot;صحيح ان الرئيس عباس اصدر مرسوم الانتخابات بحسب القانون الاساسي، لكن يجب التفريق ما بين اصدار المرسوم واجراء الانتخابات على الارضquot;. واضاف quot;ابو مازن يعمل يوما بيوم، وفي تقديري ان هذا المرسوم هو نوع من التكتيك السياسي (...) بمعنى ان السلطة الفلسطينية تقول انه اذا وقعت حماس على المقترحات المصرية فانه سيعاد النظر في موعد الانتخابات، بالتالي اين تصبح حينها اهمية الاستحقاق الدستوري؟quot;.

وينص قانون الانتخابات الفلسطيني ان على رئيس السلطة الوطنية اصدار مرسوم رئاسي قبل ثلاثة اشهر من موعد انتهاء ولاية المجلس التشريعي وهي من اربع سنوات، وتنتهي في الرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير. وراى المصري وكذلك رئيس مركز رام الله لحقوق الانسان اياد البرغوثي ان عباس حظي بموافقة عربية ودولية على اصدار مرسوم بتحديد موعد الانتخابات.

وقال البرغوثي quot;ابو مازن لا يمكن ان يلجأ الى هذا الموضوع من دون موافقة دولية ولا سيما من الولايات المتحدة الاميركيةquot;. وقال المصري quot;نعم هذا صحيح، حيث ان ابو مازن لا يستطيع اصدار هذا المرسوم من دون موافقة عربية على الاقل، لكن الاهم في هذه المرحلة هو الموافقة الفلسطينية الداخليةquot;.

وتلقى الرئيس عباس اتصالا هاتفيا من الرئيس الاميركي باراك اوباما مساء الجمعة قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة انه تم خلاله quot;استعراض كافة القضايا المتعلقة بعملية السلام والصعوبات التي تواجهها، واكد الرئيس اوباما للرئيس عباس التزامه الشخصي بقيام دولة فلسطينية مستقلة في اقرب وقتquot;.

ولكن النائب المستقل في المجلس التشريعي حسن خريشة قال لوكالة فرانس برس ان عباس مصمم في رايه على اجراء الانتخابات بحسب المرسوم الذي اصدره. وقال quot;اعتقد ان هناك تصميما من قبل الرئيس عباس على اجراء الانتخابات لتجديد شرعيته كي يواصل المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، كون شرعية الرئاسة والتشريعي تنتهي في ان واحد في الرابع والعشرين من كانون ثاني/يناير المقبلquot;.

وفي حال استمرت حماس في رفضها التوقيع على اتفاقية المصالحة، ولم يتم التوافق على موعد جديد للانتخابات، فالسؤال المطروح هو: هل ستجري السلطة الفلسطينية الانتخابات فقط في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلة، لان حماس ستعارض اجراءها في قطاع غزة. ويثير ذلك لدى المحللين الخشية من تعميق الانقسام الفلسطيني وتجسيد فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية.

ويقول البرغوثي، الذي عمل في دراسة الحركات الاسلامية ان اجراء الانتخابات من دون الاتفاق مع حماس quot;سيزيد الانقسام ويؤثر سلبا على المشروع الوطني الفلسطينيquot;. واضاف quot;اذا جرت الانتخابات في الموعد الذي اعلنه عباس ومن دون موافقة حماس، فان حماس ستزيد من سيطرتها الاجتماعية على قطاع غزة (...) هذا سيعمق عزلة حماس وبالتالي يزيد تشددها في المجالات الاجتماعيةquot;.

وراى البرغوثي في المقابل ان quot;حركة حماس لن تتأثر كثيرا في حال جرت الانتخابات في الضفة الغربية فقط، لانها اصلا مسيطرة على قطاع غزة، وليست لديها مشكلة في ابقاء الوضع على ما هو عليهquot;. واضاف انه quot;في الضفة الغربية، السلطة الفلسطينية ادركت ان سلطتها الشكلية انتهت، بالتالي يجب ان يكون هناك اساس لهذه الشرعية من خلال الانتخاباتquot;.

واشار المصري الى انه في الاساس ثمة تيار داخل فتح يدعو الى اجراء انتخابات مبكرة منذ ان فازت حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع العام 2006، وتيار في حماس لا يؤمن باجراء انتخابات جديدة، ويراهن على غرق السلطة الفلسطينية في المفاوضات مع اسرائيل، وبالتالي فشلها في الحفاظ على شرعيتها. وتوقع استاذ العلوم السياسية في جامعة الازهر بغزة مخيمر ابو سعدة تصعيدا كلاميا وحربا اعلامية quot;اكبرquot; بين فتح وحماس، خصوصا بعد التصعيد الاعلامي الذي شهدته الاسابيع الثلاثة الماضية.

وما يمهد لهذا التصعيد ان قرار عباس ياتي بعد اتساع الهوة بين مواقف طرفي النزاع الفلسطيني الداخلي اثر تبادل الاتهامات القاسية بعد تاجيل التصويت على تقرير غولدستون الذي يتهم اسرائيل بارتكاب جرائم حرب في غزة، والذي اقره لاحقا مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة. وما زاد من الفجوة بين الحركتين بحسب ابو سعدة هو رفض حركة حماس توقيع اتفاق المصالحة الذي ترعاه مصر بسبب quot;تحفظاتquot; عن بعض البنود فيه. وكان مقررا عقد حفل التوقيع في 25 تشرين الاول/اكتوبر الجاري في القاهرة، في وقت وقعت فتح هذه الوثيقة.

واعلنت حماس انها لن تسمح باجراء الانتخابات في قطاع غزة من دون توافق وطني معها. وتبدو اخطر تداعيات اجراء الانتخابات في الضفة الغربية وحدها quot;ضياع النظام السياسي الفلسطيني والبرنامج الوطنيquot; بحسب استاذ العلوم السياسية في الجامعة الاسلامية وليد المدلل. وفي هذا الاطار، لم يستبعد ابو سعدة اقدام حماس quot;مستقبلاquot; على اعلان انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة وحده وهذا quot;يعني انقساما سياسيا وقطيعة دائمةquot;. ويختلف مصطفى الصواف رئيس التحرير السابق لصحيفة quot;فلسطينquot; الصادرة من غزة مع ابو سعدة ويرى ان حماس quot;لن تقدمquot; على انتخابات في غزة quot;لاننا سنصبح في كيانين وكاننا دولة في غزة ودولة في الضفة وحماس تدرك ان الكل الفلسطيني يرفض هذا التوجهquot;.

ومن السيناريوهات التي يراها المدلل quot;انه يمكن اجراء الانتخابات في الضفة والاعتراف عربيا ودوليا بمشروعية الرئيس ابو مازن والاستفراد به وبالتالي عزل حماس، واعطاء مبرر لاسرائيل بانه لا يوجد شريك سياسي فلسطينيquot;. وعليه حذر النائب المستقل في المجلس التشريعي الفلسطيني المقيم في رام الله حسن خريشة في تصريح لفرانس برس من انه quot;اذا جرت الانتخابات من دون التوافق مع حماس فان الاراضي الفلسطينية ستصبح بلدين (الضفة وغزة) والسلطة سلطتينquot;. لكن الصواف الذي يصف قرار ابو مازن بخطوة quot;تكتيكيةquot; لدفع حماس الى توقيع ورقة المصالحة، يعتقد ان مصر ستقوم باعادة فتح ورقة المصالحة والاخذ بالتعديلات التي تريدها حماس وفصائل اخرى باتجاه تنظيم انتخابات عامة quot;تشكل الحل، لان الانتخابات في الضفة فقط تعني الانتحار السياسي لابو مازن وتكريس الانقسامquot;.

ولم تحدد مصر موعدا للقاء مع حماس بعد رفض الاخيرة توقيع الورقة. ويرى ابو سعدة ان اجراء فتح للانتخابات في الضفة وحماس في غزة سيدخل الفلسطينيين في ما هو quot;اسوأ من نفق مظلمquot; وقد يدفعهم الى القبول quot;بتدويل القضية او بوصاية عربيةquot;. وبحسب ابو سعدة ربما تراهن حماس على انجاز صفقة تبادل الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط لتحقيق quot;بعض القبول الدولي وتخفيف الحصار عن غزة وهذا امر واردquot;. فيما يرى المدلل العكس ويقول ان اجراء الانتخابات في الضفة quot;سيزيد من حصار غزة وسيغري اسرائيل للقيام بعدوان اكبر خصوصا على القدسquot;.

وابقى ابو مازن الباب مفتوحا للمصالحة، وقال في كلمة امام المجلس المركزي لمنظمة التحرير في رام الله السبت quot;نؤكد اننا مصممون على المصالحة، ولا بد ان نصل الى المصالحةquot;. وتابع ان quot;الانتخابات استحقاق قانوني ودستوري ودرسناه جيدا في المؤسسات الفلسطينية قبل ان نعلنه وخاصة بعد افشلت حركة حماس الجهود المصرية للمصالحةquot;. ويعتقد الصواف ان ابو مازن قد يؤجل الانتخابات في قرار لاحق. ويتوافق ابو سعدة مع هذا الموقف. ويقول ان لجنة الانتخابات المركزية ستدعو الى ارجاء الانتخابات بعد تاكدها من عدم امكان اجراء تحضيرات في غزة لعقدها. وتنص الورقة المصرية على تاجيل الانتخابات الى حزيران/يونيو العام المقبل. ويحذر المحللون من ان quot;الصراع مع الاحتلال والاستيطان والقدس لم تعد هي القضايا الاساسية للفلسطينيين بل اصبحت المشاكل الداخلية اساسا، وهذا امر في غاية الخطورة على مجمل القضية الفلسطينيةquot;.