يقدّر الناشط الإسلامي الجزائري والبرلماني السابق quot;عدة فلاحيquot;، أنّ الجزائر تشكو حالياً من تيه سياسي، ويعتقد فلاحي عضو مجلس الشورى الوطني في حركة النهضة الإسلامية الجزائرية، في حديث خاص بـ quot; إيلاف quot;، أنّ الإسلاميين الجزائريين أضاعوا الطريق بعدما عبّده ناشطو التيار الوطني، لذلك يدعو إلى حل التنظيمات التي أخفقت في تحقيق أهدافها وفشلت في تحقيق رسالتها، بما فيها حركة النهضة بسبب جمودها وضعف رصيدها.

الجزائر: يقول عضو مجلس الشورى الوطني في حركة النهضة الإسلامية الجزائرية انه طرح خيار حل حركة النهضة التي بجمودها وتقلص رصيدها أضحت تسيء إلى المشروع الإسلامي الذي تدعي أنها جاءت لخدمته. ويؤكد quot;عدة فلاحيquot; في حديث لإيلاف أنّ الشارع فقد الثقة في الإسلاميين وتراجعت شعبيتهم. وقال فلاحي إن الأحزاب الإسلامية مطالبة بالتفكير في حل نفسها إذا أرادت أن quot;تدخل التاريخ بشرفquot;.

نص الحوار:

bull;أصدرتم مؤخراً بيانا، أشرتم فيه إلى إنتكاسة سياسية عادت فائدتها لصالح الإنتهازيين والدخلاء على حساب المناضلين المخلصين والأكفاء، هل لكم أن توضحوا الأمر، وهل ما قلتموه ينسحب على حركة النهضة الإسلامية فحسب، أم يشمل جميع التشكيلات السياسية في الجزائر؟

- تحية طيبة، و بعد، نعم لقد أصدرت بيانا بعد الدورة الأخيرة لمجلس الشورى لحركة النهضة، طرحت من خلاله جملة من الأسئلة على قيادات الحركة، حددت مواطن الضعف والوهن الذي لحق بالنهضة إلى درجة أنني ذكرت أن الواجب الأخلاقي والشرعي وحتى القانوني يحتم على قيادة الحركة التحلي بالشجاعة، وفتح نقاش مسؤول حول خيار حل الحركة التي بجمودها وتقلص رصيدها أضحت تسيء للمشروع الإسلامي الذي تدعي أنها جاءت لخدمته، لكن للأسف الشديد ظهر أن المشروع الإسلامي استخدم من هؤلاء وأترابهم وسيلة وغاية لخدمة مراكزهم التي مهما بدت لهم مهمة هي أوهن من بيت العنكبوت إن في نظر السلطة أو في ميزان المجتمع، وما هذه الوضعية التي آلت إليها حركة النهضة إلا دليل على تقدم أصحاب العملة المزيفة واستبعاد أصحاب العملة الصحيحة، أما إذا كان الأمر كذلك في جميع التشكيلات السياسية الأخرى في الجزائر فهذا سؤال صعب وقد أقع في المحظور، لكن أكتفي بإحالتك على ما قاله الأستاذ النذير مصمودي المحسوب على حركة مجتمع السلم (حمس)، حيث في مقال أخير نشرته صحيفة محلية وعنونه quot;حركة حمس بين المغانم والمغارمquot;، ذكر مصمودي أنّ هناك لوبي ماليًا داخل حمس غرق في الفساد، يعمل على الهيمنة على حركة حمس في المستقبل وهذا ما يعمل على مقاومته زعيمه quot;أبو جرة سلطانيquot;، أما باقي الأحزاب فإنّ الاستحقاقات الانتخابية خير دليل على (البزنسة) السائدة للحصول على تفويضات بغرض الانضمام إلى لجان الرقابة وما يترتب عن ذلك من ريوع.

bull;قلتم إنّ التجاذبات طغت على الدورة الأخيرة لمجلس الشورى الوطني لحركة النهضة، وإنّ الأخيرة أضحت معلقة بين خيارات صعبة، كيف ذلك؟

- خيارات حركة النهضة باتت صعبة، فإما إبقاء الحال على ما هو عليه حتى وإن كانت الحركة جثة هامدة وهذا الوضع تحول للأسف إلى عبء على المناضلين، وإما العودة إلى زعيمها السابق quot;عبد الله جاب اللهquot; الذي وقع بينه وبينها الطلاق بعد مؤتمر العام 1998، حينما اختارت حركة النهضة تزكية quot;عبد العزيز بوتفليقةquot; كمرشح حر لرئاسيات 1999، وهو ما اعتبره جاب الله آنذاك quot;خيانةquot; لبرنامج الحزب، الأمر الذي فتح المجال لنشر الغسيل بين الطرفين عبر وسائل الإعلام ، واليوم و بعد مرور إحدى عشرة سنة ، تحوّل من كان في نظر البعض بالأمس quot;شيطانا رجيماquot; إلى quot;رجل منقذquot; وquot;ملاك رحيمquot;، والسؤال: هل هذا التغيير في المواقف جاء بناء على مراجعات وقناعات؟، أم جاء نتيجة مصالح أملتها مغريات السياسة التي باتت تسيل لعاب الإسلاميين أكثر مما تغري غيرهم.

وحيال هذه التراجيديا السياسية، كان لا بد أن أخرج لأطالب بحل حركة النهضة بدل هذه المهازل، و بالخصوص وأنّ ذلك ليس ببدعة في العمل السياسي، فلقد سبق للرجل التاريخي الراحل quot;يوسف بن خدةquot; أن أقدم على حلّ حزبه، والأمر كذلك طرحه هذه الأيام الوزير الأول السابق وأحد مفاوضي إيفيان quot;رضا مالكquot; الذي طالب بعقد مؤتمر لمناقشة مسألة حزب quot;التحالف الوطني الجمهوريquot; بعدما رأى أنه لم يعد بمقدوره تقديم أي شيء، أما بعض الإخوة في حركة النهضة سامحهم الله، فإنهم يفتقدون فعلا للحياء السياسي، رغم علمهم أنّ الحياء من الإيمان .

bull;تلوك الألسن أنباء قوية عن تولّي الزعيم الإسلامي الشاب quot;عبد الله جاب اللهquot; مجددا مقاليد حركة النهضة، ما أثر ذلكفي استعادة النهضة لبريقها، وهل صحيح أنّ عودة جاب الله ستولّد quot;معركةquot; من نوع آخر؟

-هذا السؤال، قد تجد جزءا من الإجابة عليه مما ذكرته سلفا، ولكن في ظل هذا الاشتباك السياسي داخل بيت حركة النهضة، ألخصه بالحديث الذي جرى بيني وبين القيادي السابق في حركة النهضة الراحل quot;مصطفى بوقرةquot;، فعندما تحديت جاب الله حينما كنا تحت مظلة حركة الإصلاح الوطني (2004) وكلفني ذلك الفصل من الحركة، كتبت مقالا بعنوان quot;الدين أفيون الشعوبquot; وقلت فيه إنّ ماركس كان محقا لمّا قال الدين أفيون الشعوب، مادام الدين يستخدم للتخدير من قبل أمثال جاب الله، فما كان من الراحل بوقرة إلا أن اتصل بي هاتفيا معجبا بما جاء في مضمون المقال، وقال لي مازحا quot;لقد قتلنا جاب الله وأنتم الذين أحييتموهquot;، في إشارة إلى إجبار جاب الله على الخروج من حركة النهضة سنة 1998، والتفاف جماعة حوله وتأسيس حركة الإصلاح الوطني أشهرا بعد ذلك، فرددت على المرحوم بوقرة ممازحا كذلك quot;لا عليك، هذه المرة كذلك عزمنا بدورنا على قتله ( بالمفهوم السياسي طبعا)quot;، لكن و من سخرية القدر انقلبت الآية اليوم، فماذا لو بقي بوقرة اليوم حيا بيننا، فمع الأسف الشديد لا أستطيع اليوم وهو في قبره أن أرد عليه مقولته أو أكبر منها، و لكن أقولها لإخوانه ورفاقه في حركة النهضة الذين خانوه وخانوا النضال المشترك الذي جمعهم به لعقود طويلة:quot; لقد قتلتم جاب الله ثم أحييناه بتأسيس حركة الإصلاح وبعدما قتلناه للمرة الثانية لغروره، تريدون اليوم أن تحيوه للمرة الثانية، ومع ذلك تتقولون علينا الأقاويل أيها المرجفون، أفلا تعقلونquot;.

bull;بنظركم، هل عودة جماعة quot;فاتح ربيعيquot; إلى جاب الله ومواليه، هي قناعة مشتركة وفق مرجعية واحدة، أم هي صفقة أملتها الظروف والمصالح؟

-الجميع يتفق على أن المصلحة هذه التي جعلت الطرفين يضع كل منهما يده في يد الآخر، فجاب الله الذي خوّن نشطاء حركة النهضة بالأمس، لا يجد حرجا في العودة إليهم وهذا للخروج من الدائرة المغلقة التي وجد نفسه فيها، بعدما جرى عزله من حركة الإصلاح، وقرار الداخلية الجزائرية بمنع اعتماد أي أحزاب سياسية على الأقل في هذه الفترة التي تحاول فيها الجزائر استعادة عافيتها التي ضيّعها الطيش السياسي من بعض المتهورين.

بالنسبة إلى quot;فاتح ربيعيquot; فإنه يريد أن ينجو من الغرق الذي يخنقه ويمني نفسه بمقعد في البرلمان قد لا يتحقق بحسب زعمه إلا على يد جاب الله بعدما فشل في تحقيقه لنفسه رغم أنه على رأس الحزب، فالإحساس بالنقص قد يدفع بصاحبه إلى خيارات جنونية.

bull;اقترحتم مراجعات سياسية تشمل الأفكار والبرامج لإصلاح خط حركة النهضة الإسلامية، كيف تتصورون هذه المراجعات، وإلى أي مدى ستساعد في تقويم الخط العام للإسلاميين عموما؟

- لقد استبشرت الأمة خيرا حينما خرجت علينا مراجعات من طرف الجماعات الإسلامية المسلحة والمتطرفة في كل من مصر وليبيا وتونس والسعودية وهذه شجاعة يُشكر عليها أصحابها ولكن الغريب أنّ التنظيمات السياسية الإسلامية التي تنتهج العمل السلمي والقانوني والعلني في أدائها السياسي، ترى أنه من العيب الحديث عن مراجعات لبرنامجها السياسي، وبالخصوص تلك التنظيمات التي شهدت إخفاقات متتالية إلى حد نفور الأمة منها، وبالتالي وحتى لا نخرج من الجزائر، فالأحزاب الإسلامية هناك كثيرا ما تفتخر بانتصارات حزب العدالة والتنمية التركي، ولكن مع الأسف لا يتقدمون خطوة للأمام للاستفادة من تجربة الحزب المذكور، وإن كانت أوضاعه مختلفة عن وضع الأحزاب الإسلامية هنا في الجزائر، و لكن بالتأكيد أنّ الأتراك أعطوا للتكوين وللكفاءة والخبرة التي لها علاقة بتسيير مؤسسات الدولة الدرجة الرفيعة، أما عندنا فما زال من يحفظ ألفية ابن مالك والأجرومية والمتون والحواشي، هو القدوة والمقدم على غيره في القيادة .

bull;عاشت ولا تزال عدد من الأحزاب الإسلامية في الجزائر على وقع الانشقاقات، هل ترجعون ذلك إلى عامل المشيخة المسيطر، أم إلى الأبوية الناجمة عن هيمنة زعامات الحركة الإسلامية في الجزائر؟

- للزعامة والمشيخة دور كبير في الانشقاقات التي تشهدها الأحزاب الإسلامية ولكن هناك عامل آخر دخل على الخط، وهو التنافس على المناصب التي قد تسمح بها السلطة لهؤلاء وإن كانت في أضيق الحدود، وهنا أؤيد السلطة في ذلك، فالإسلاميون في اعتقادي لا يؤتمنون ما داموا شرهين و ملهوفين على المناصب، وهم الذي كانوا بالأمس يدعون الناس للزهد فيها، كما أنّ أداءهم لا يزال مصابا بعقدة النقص إلى درجة أنهم يرون أنّ هذه المناصب التي هم عليها هي حسنة وصدقة من السلطة وليست حقا من حقوقهم كمواطنين، ولهذا يرددون أنهم quot;في الحكومة وليسوا في الحكم quot; .

bull;يتحدث مراقبون عن خطر quot;فريق من الإسلاميينquot; على quot;المشروع الإسلاميquot; في الجزائر، هل تؤيدون هذا الطرح، وهل من أفق للإسلاميين في الجزائر؟

- حينما دعوت إلى مناقشة فكرت حل حركة النهضة، ما كان ذلك إلا لأني وجدت أنها تسيء بجمودها وبتخلفها للمشروع الإسلامي الذي سقط من أجندة الإسلاميين الذين يتعاطون السياسة، والأمر كذلك قد يسري على الأحزاب الأخرى وإن كنت لا أريد التدخل في شأن الغير، لكن بالتأكيد أنّ الشارع فقد الثقة في الإسلاميين وتراجعت شعبيتهم، ولا أعتقد أنهم سيعودون في المستقبل القريب إلى مجدهم الذي ضاع و بالخصوص مع ثورة الاتصالات التي جعلت ما كان يبدو عملاقا بالأمس قزما اليوم .

bull;هل مشكلة التيار الإسلامي في الجزائر حاليا، كامنة في quot;رداءةquot; القيادات وعدم مقدرتها على الإبداع وتلافي الانسدادات؟

- مشكلة الإسلاميين زيادة على ما ذكرناه أنها أصيبت، إما بقيادة مطعون في مصداقيتها أو برداءة جمود البعض الآخر، وطرف آخر معجب بنفسه لا يرى الحق في جانبه، أما غيره فهم في ضلال مبين، وتلك هي المشكلة .

bull;ناديتم بحل الأحزاب الإسلامية، ورأيتم أنّ ذلك quot;قرار حكيمquot; طالما أنّ هذه الأحزاب صارت عبئا على أصحابها وعلى المواطن و الدولة والمجتمع، هل ذاك يعني حتمية قطع الطريق على من يحملون لواء المشروع الإسلامي في الجزائر؟

- حتى أكون دقيقا قلت: إنّ التنظيمات التي أخفقت في تحقيق أهدافها التي رسمتها لبرامجها و فشلت في أداء رسالتها وعادت عبئا على المناضلين وعلى المجتمع و الدولة، فالواجب الأخلاقي والشرعي والقانوني يوجّب حلها، وأنا هنا أتحمل مسؤولية دعوة قيادة النهضة للتفكير في هذا الخيار، أما الأحزاب الأخرى فأعتقد أنها مطالبة كذلك للتفكير في هذا الأمر إذا أرادت أن تدخل التاريخ بشرف، فالمعركة معركة حياة أو موت، ولا توجد منطقة وسطى بين ذلك، أما أنّ ذلك قد يكون قطعا للطريق على من يحملون لواء المشروع الإسلامي في الجزائر، فأعتقد أنّ التيار الوطني في الجزائر هو من كان وراء الصحوة الإسلامية في الجزائر، ثم جاء الإسلاميون ليدمروا كل ما تم بناؤه، إما بتعصبهم وغرورهم، وإما بغبائهم وتخلفهم، فأي طريق هذا الذي نقطعه عليهم وهم الذي ضيّعوا الطريق بعدما أشعلوا الحريق .

bull;ماذا عن حالة التيه السياسي المعشّشة في الجزائر، وهل صحيح ما يتردد عن تعطل العقول عن التفكير؟

- التيه السياسي مصطلح أضحى يسري على الحياة السياسية في الجزائر، لأن النضال الحقيقي والتضحية من أجل البرامج و الأفكار سقطت من القاموس وما دام الضمير قد مات فلا بد وأن يتعطل الفكر كذلك، ما دام هذا الفكر لا يضمن مناصب محترمة و لا قيمة معنوية حتى بين صفوف المجتمع .

bull;كيف تتوقعون أفق المشهد السياسي في الجزائر، مع الحديث عن العفو الشامل؟

- المشهد السياسي تسوده ضبابية لا يقوى على رؤية ما بعدها حتى الأوزان الثقيلة من السياسيين من أمثال الأستاذ عبد الحميد مهري وغيره، فما بالكم بشخصي المتواضع، لكن في ظل ذلك هذا كله، لا بد للمشتغلين في السياسة من تأسيس مدرسة تتخرج فيها الأجيال التي من المفترض أن تكون لها رؤية شاملة ومتكاملة لمستقبل الجزائر حتى تنجو السفينة من الغرق، والسياسيون المحترمون لديهم مسؤولية تاريخية لتقويم الاعوجاج وخلق تقاليد نضالية لغيرهم حتى تستمر المسيرة التي لا تخرج عن خدمة الدين والوطن، أما عن العفو الشامل، فهو ملف بيد السلطة ولا أحد غيرها له تصور أو اقتراح جدي وواضح يمكن الالتفاف حوله.