المفاوضات تواجه شياطين التفاصيل وصراعات على أموال إعمار غزة
إنطلاق أعمال لجان الحوار الفلسطيني بالقاهرة وسط انقسامات عميقة
نبيل شرف الدين من القاهرة: برعاية مباشرة من جهاز المخابرات المصرية، انطلقت اليوم الثلاثاء في القاهرة، أعمال لجان الحوار الوطني الفلسطيني ( الحكومة، الأمن، منظمة التحرير، الانتخابات، المصالحة الوطنية ) من أجل التوصل إلى تفاهمات حول هذه القضايا الخمس قبل نهاية شهر آذار / مارس الجاري. وقالت مصادر فلسطينية في القاهرة إنه تم الاتفاق على تشكيل لجنة سادسة تضم مصر والجامعة العربية والأمناء العموميين للفصائل الفلسطينية تسمى quot; لجنة التوجيه العليا quot;، وتكون مهمتها التدخل في حالة ظهور أية خلافات خلال اجتماعات اللجان الخمس. وحسب ذات المصادر فإن هناك لجنة تشكيل حكومة توافق وطني وتكون مهمتها الأساسية الاتفاق على حكومة توافق وطني، يتوقع أن تطلع على تسيير الأمور في الضفة الغربية وقطاع غزة، والإعداد لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ورئاسة السلطة الفلسطينية المقررة في يناير 2010.
وأوضحت المصادر أن القاهرة تركت لهذه اللجنة مهمة التوافق حول طبيعة هذه الحكومة ، غير أنها أوصت بأنه في حالة التوافق على حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن الفصائل فيفضل ألا تكون الأسماء المشاركة فيها لشخصيات بارزة حتى تنال قبول المجتمع الدولي. وتجري هذه المفاوضات الشاقة وسط انقسامات عميقة حول السياسات الفلسطينية إزاء إسرائيل ومدى التحكم في عملية إعادة إعمار قطاع غزة، ويتوقع أن تستمر أعمال تلك اللجان نحو عشرة أيام، وسط تقديرات من قبل محللين سياسيين بأن فرص النجاح وإمكانية التوصل لقواسم مشتركة تبدو ضئيلة للغاية.
ويقول المحللون السياسيون إن حماس وافقت على المحادثات بغرض تجاوز العزلة التي يفرضها الغرب بسبب رفض الجماعة الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والقبول باتفاقات السلام، موضحين أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من جانبه يسعى إلى تجاوز الصدام بين الفصيلين لأقل درجة، خشية إضعاف موقفه في محادثات السلام مع إسرائيل، خاصة في ظل حكومتها اليمينية بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو. ويرى الدكتور عبد المنعم سعيد مدير مركز quot;الأهرامquot; للدراسات السياسية أن وجود حكومة وحدة فلسطينية سيكون مهما من أجل تنفيذ برنامج ناجح لإعادة الإعمار في قطاع غزة الذي شنت فيه إسرائيل هجوما على مدى 22 يوما في مطلع العام بهدف وقف الهجمات الصاروخية التي تشنها حماس عبر الحدود.
شياطين التفاصيل
أما في تفاصيل اجتماعات اللجان فقد علمت quot;إيلافquot; أن اللجان التأمت في مكان واحد وفي غرف أو صالات متعددة، وقال مصدر مصري quot;إنه لن يكون هناك أي اجتماعات مشتركة قبل انتهاء اجتماعات اللجانquot;، وأشار المصدر إلى أن تلك اللجان سوف ترفع في ختام اجتماعاتها توصيات إلى اللجنة الراعية للحوار الوطني، والتي تتشكل من الأمناء العموميين للفصائل، بالإضافة إلى المسؤولين المصريين في جهاز المخابرات العامة.
بد دور الوسيط المصري يواجه اختباراً بالغ الصعوبة، خاصة في ظل ما تصفه دوائر رسمية في القاهرة بحالة التربص بدورها الإقليمي، خاصة في الشأن المرتبط بالأوضاع في قطاع غزة التي تعد دائرة نفوذ تقليدية لمصر وترتبط بشدة بأمنها القومي، ويرى مراقبون أن مصر ربما لا تتمكن من البقاء كوسيط إقليمي وحيد وإن كان سجلها الطويل من النجاحات في التوصل إلى هدنة في قطاع غزة في حزيران (يونيو) الماضي دامت ستة شهور سيبقيها على الأرجح في صدارة الأطراف الإقليمية القادرة على إدارة اللعبة وفق قواعد ترتضيها كافة الأطراف الإقليمية والدولية في منطقة تشهد ظروفاً بالغة التعقيد والتوتر.
وفي ما يتعلق بالمدى الزمني المخصص لأعمال تلك اللجان ـ والذي اتفق على أن يبدأ اليوم العاشر من الشهر الحالي لينتهي في اليوم العشرين ـ قال إبراهيم أبو النجا، عضو اللجنة القيادية العليا ومفوض الإعلام لحركة فتح بقطاع غزة : quot;إنه من المفترض وفقاً للاتفاق أن تنهي اللجان الخمس أعمالها خلال عشرة أيام للتوصل إلى اتفاق، لكن عدم إنجاز ذلك لن يكون نهاية الكون فمن الممكن أن نجلس عدة أيام أخرى لحين الوصول إلى اتفاق بشرط الانتهاء قبل نهاية الشهر الحاليquot;.
وحول مطالب حماس بتعديل برنامج المنظمة قبل الدخول فيها، قال أبوالنجا quot;إن المنظمة لا مساس بها والذي يستطيع تغيير برنامجها هو المجلس الوطني الفلسطيني ولا يمكن لأي فصيل أن يفرض رؤيته على باقي الفصائل، فالمنظمة تتسع للجميع ونحن اتفقنا في القاهرة عام 2005 وفي وثيقة الوفاق الوطني على تشكيل مجلس وطني جديد للمنظمة بالانتخابات وفقا لقانون التمثيل النسبي في الداخل والخارج والمجلس هو المخول باتخاذ أية قرارات في هذا الصددquot;.
وقررت الجهات المانحة تقديم مبلغ 4.48 مليار دولار لجهود إعادة الإعمار في قطاع غزة ودعم الاقتصاد الفلسطيني خلال المؤتمر الذي استضافه منتجع شرم الشيخ المصري نهاية الشهر الماضي، غير أن الجهات المانحة اختلفت حول كيفية إنفاق أموال المعونة في ظل حكم حماس لقطاع غزة، ويصر كل من رئيس السلطة محمود عباس، وقادة حركة حماس، على التحكم في إنفاق أموال إعادة الإعمار في القطاع.
أجندة المفاوضات
وتسعى الفصائل الفلسطينية إلى الاتفاق على عدة أهداف أهمها تشكيل حكومة وحدة وطنية يقترح أن تكون من بين التكنوقراط غير الحزبيين، لتتعامل مع الحكومات الأجنبية وتنسق لإعادة الإعمار في غزة، وتعد للانتخابات الرئاسية والتشريعية، لكن محللين يقولون انه سيكون من الصعب التوفيق بين الحاجة لتضمين وجهات نظر حماس في برنامج الحكومة والمطالب الأميركية والإسرائيلية بأن توفي الحركة بشروطهما إذا أرادت إجراء حوار معها.
وفي الوقت الذي تفضل فيه حركة فتح أن تكون الحكومة التوافقية quot;تكنوقراطيةquot; الطابع وذات طابع حيادي، خصوصا أنها ستشرف على تنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فإن حركة حماس تفضل أن تكون حكومة quot;وحدة وطنيةquot; تضم ممثلين عن الفصائل لكي تحظى بدعم كامل من قبل كافة القوى السياسية. وقالت ذات المصادر إن اللجنة الثانية هي لجنة المصالحةquot;، وهي المعنية بحل القضايا الخلافية العالقة بين حركتي فتح وحماس وفي صدارتها ملف المعتقلين والأجور والحملات الإعلامية المتبادلة وتنقية الأجواء بين الطرفين ويعد ملف المعتقلين هو الأكثر تعقيداً.
أما اللجنة الثالثة فهي لجنة إصلاح الأجهزة الأمنية وتم الاتفاق بين الفصائل على أن يكون إصلاح الأجهزة الأمنية على أساس معيار الكفاءة والمهنية وليس الانتماء الفصائلي، على أن تكون هذه الأجهزة حيادية وبعيدة عن أي تجاذبات سياسية. واللجنة الرابعة خاصة بالانتخابات وهي المعنية بالإعداد التقني للانتخابات التشريعية والرئاسية، والتوافق حول تفاصيل تلك الانتخابات مثل النظام الانتخابي الذي ستجري بمقتضاه الانتخابات وموعد انعقادها، واللجنة الخامسة هي لجنة منظمة التحرير: مهمتها التوافق حول أسس وترتيبات إعادة هيكلة وإصلاح منظمة التحرير بما يسمح بانضمام كل الفصائل إليها (حماس والجهاد) انطلاقا من تفاهمات مارس 2005 بين فتح وحماس ومن التمسك بالمنظمة باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني المعترف به دولياً.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن موعد بدء جلسة الحوار كان قد حدد سابقا في الثاني والعشرين من شباط (فبراير) الماضي، غير أن مصر أرجأت هذا الموعد عقب إعلان إسرائيل ربط موافقتها على التهدئة مع الجانب الفلسطيني بإطلاق الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت، واستؤنف الحوار بين حركتي حماس وفتح بهدف التوصل إلى مصالحة للمرة الأولى منذ أن سيطرت حماس على غزة، إثر مواجهات دامية مع أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية خلال حزيران (يونيو) من العام 2007.
التعليقات