اعداد أشرف أبوجلالة: لازالت الأصداء الواسعة النطاق التي صاحبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران وما تلاها من أحداث تلقي بظلالها على المستوى العالمي. ففي الوقت الذي انشغل فيه البعض بتسليط الضوء على الأحداث القمعية وأعمال العنف والشغب الدموية التي اجتاحت شوارع العاصمة، طهران، بين الشرطة الإيرانية وأنصار المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي المحتجين على نتائج الانتخابات، قام البعض الآخر بتوجيه انتقاداته لاستمرار إصرار الرئيس الأميركي باراك أوباما على سلك النهج الدبلوماسي مع إيران فيما يتعلق بملف برنامجها النووي رغم استمرار شن الحكومة لحملات قمعية في أعقاب ما يقول كثيرون أنه كان تزويرا واسع النطاق للانتخابات.


وحول التصريحات التي أدلى بها أوباما مؤخرا في مقابلة أجراها مع وكالة الأسوشيتد برس الأميركية والتي صرح خلالها بأنه quot;لا يتفقquot; مع تزود إيران بالسلاح النووي، تعد اليوم صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; الأميركية تقريرا مجمعاً من منافذ إعلامية مختلفة لمجموعة من أشهر المحللين وكتاب الأعمدة الصحافية بخصوص رأيهم في مسألة إصرار أوباما على نهج هذا الطريق الدبلوماسي، في حين اعتبرت في الوقت ذاته أن هذا الأسلوب السياسي الجديد المقترح من جانب أوباما مع الحكومة الإيرانية، التي يراها كثيرون قد وصلت إلى السلطة من خلال التزوير، قد بات مادة قابلة للجدال والنقاش الساخن في دوائر سياسية عدة حول العالم.

من جانبها، أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركيل، عن تكرار تأييدها لمجهودات أوباما المتواصلة بشأن فتح حلقة تواصل جديدة مع إيران رغم الاحتجاجات التي نشبت في الآونة الأخيرة بخصوص الانتخابات الرئاسية. وفي كلمتها التي ألقتها بمجلس النواب الألماني، قالت ميركيل أن quot;ألمانيا سترافق (نهج أوباما ) بطريقة موحدة. ولا يمكننا أن نغفل الحديث عن تزود إيران بالسلاح النووي بسبب الموقف الراهن. لأن ذلك سيكون خطأ مفجعquot;.

وفي تعليق له بصحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الأميركية، انتقد الكاتب وصاحب عمود الرأي بريت ستيفينز سياسة أوباما quot;الواقعيةquot; حيال إيران بعد أن تم اعتبارها على أنها سياسة غير متماسكة وقد عفا عليها الزمن منذ فترة طويلة. كما أكد على أن الجهود التي يبذلها أوباما لتجنب quot;التدخلquot; في الشؤون الإيرانية لم تسفر عن أية نتائج حتى الآن.

وأضاف ستيفينز بقوله quot; تتسارع خطى البرامج النووية الإيرانية. فهي تقوم باختبار صواريخ باليستية أكثر تعقيدا وأبعد في النطاق. كما يتواصل دعمها للجماعات الإرهابية مثل حزب الله وحماس بلا هوادة. ويمكنني القول إن نجاد سرق الانتخابات في وضح النهار. وبارك المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على النتائج. كما يخضع الآن العاملون بالسفارة البريطانية في إيران لحالة من الحصار. كما تشهد البلاد حملة واسعة النطاق من الاعتقالات والتخويف، كما أُطلقت الأعيرة النارية صوب فتاة شابة تدعى ندى سلطاني. ورغم كل هذا، لا تزال إيران تتهم الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها.

وفي الوقت الذي خلص فيه ستيفينز إلى أن أوباما يجب أن يتبنى نهج quot; تعزيز الديمقراطيةquot; وكذلك الحديث الصعب عن quot;تغيير النظامquot;، قال منتقدون لطريقة أوباما الدبلوماسية مع إيران أنها توصي بسياسة أقل استباقية. وأظهر مؤشر الديمقراطية في مدونة أميركا الذي تعده وحدة quot;الايكونوميستquot; البريطانية للمعلومات أن الاقتصاد الإيراني لا زال يعاني ويواجه عددا من الصعوبات، وشدد في الوقت ذاته على quot;ضرورة الابتعاد عن التدخل في شؤون العدو وهو يرتكب خطأ quot;. وقال المؤشر أيضاً أن quot;إحدى النتائج الايجابية التي تمخضت عن تلك الهزيمة الانتخابية هي أن آية الله علي خامنئي قد وطّد من علاقته بسوء إدارة أحمدي نجاد للشؤون الاقتصادية. فالبطالة والتضخم يسيران في اتجاه معاكس لهيكلان السلطة الحالية، كما أنهما يُذكِّران بعيوب النظام الحاكم. ومثل هذه الأمور هي الأشياء التي يتعامل معها الإيرانيون بصفة يومية، وعلى الإدارة الأميركية أن تعمل ما بوسعها بهدوء من أجل إثارة حالة الخراب الاقتصادي للنظام، أو أن تنأي بنفسها بعيدا ً عن الأمر برمته لأن النظام يقوم من نواح عديدة بحفر قبره بنفسه.

أما الصحافي وكاتب العمود الشهير روغر كوهين في صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية، فقد أوصى من جانبه أيضاً بأن يقوم أوباما بترك كلا ً من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية الإسلامية آية الله علي خامنئي ونجاد بالاسترخاء في المستقبل القريب لتفادي خيانة الملايين من الإيرانيين الذين تعرضوا للاحتيال وخاطروا بأرواحهم في سبيل فرز أصواتهم. وتابع كوهين بالقول :quot; يسير المنحنى البطيء للعدالة المعنوية على ما يرام، لكن إيران تعاني الآن من حالة من الاستعجال الشرس. وقد بات أوباما، صاحب الشخصية الواقعية الذي تُعَوَّل عليه آمال النموذجية، ملزما ً بتصحيح المسار. وأنا إذ كنت أقول هذا كله، فإنما أقوله بقلب مثقل بالهموم. فإحداث تقارب بين واشنطن وطهران أمر سيكون من شأنه أن يعمل على تعقيد وتقويض جميع الأهداف الأميركية بدءا ً من غزة ونهاية ً بأفغانستان. فهذا أمر خطير وغير ضروري. كما أن إيران اليوم ليست مثل إيران قبل ثلاثة أسابيع؛ فهي تمر الآن بحالة من التقلب المتطاير من الداخل ومن الخارجquot;. ودعا كوهين الرئيس أوباما بعدم التقدم بمقترحات عمل كما هي العادة، وطلب منه أن يترك نجاد يبكي ويعرق، وأن يتمعج في البركة الموحلة quot;للعدالةquot; وquot;الأخلاقquot; التي نصبها بنفسه.

في حين رأى الصحافي أندرو سوليفان في مقال له بصحيفة التايمز البريطانية أن استمرار أوباما في مد غصن الزيتون قد يكون النهج الأفضل، لأن العزلة والحرب رغم أنهما يبدوان مرضيان من الناحية الخطابية والأخلاقية ... إلا أنهما قد يكونان أقل مسؤولية من الناحية الأخلاقية للشعب الإيراني والسلام العالمي عن تلك المحاولة غير المقبولة للتعامل مع نظام شرير يفتح عينيه. وأضاف :quot; يمكن التفكير في الأمر من خلال نظرية المباريات، مثلما فعل المدون البريطاني ماربيري الأسبوع الماضي. فأوباما يقوم بدور quot;المنتقمquot;، وقد لعب أولا ً دور حمامة السلام ثم بدأ ينتظر لترقب ردة الفعل. وإذا ما جاءت ردة الفعل هذه بنفس الإطار السلمي، فإنه معاملته ستكون بالمثل وسيقوم ببناء جسور ثقة من أجل تحقيق الفوائد بصورة متبادلة. وإذا ما جاءت ردة الفعل لتتسم بالطابع الخاص بسياسة الصقور، فإنه سيتعامل أيضا ً بنفس النهج. وما يحاول أن يصنعه أوباما الآن هو نفس ما حاول أن يفعله في القاهرة ndash; لتأليب الشعب الإيراني ضد قادته. لذا تتراكم الضغوطات على طهران من الداخل ومن الخارج. ويتحين أوباما الآن الوقت المناسب بعناية وبطريقة منهجيةquot;.