عمان:نجح وزير الدفاع الاميركى روبرت جيتس خلال زيارته الاولى للشرق الاوسط الى كل من اسرائيل والاردن والعراق واقليم كردستان، فى طمأنتهم على جدية بلاده في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، من خلال استراتيجية اميركية جديدة، تتصدى لطموحات ايران النووية الحساسة، وتضمن امن وسلامة العراق بعد انسحاب القوات الاميركيه منه، بالتعاون مع دول المنطقة التي تأمل واشنطن منها ان تشكل مظلة مشتركة للامن الاقليمى.
فقد نجح جيتس في نزع فتيل الانفجار بين اسرائيل وايران ، اذ اعلنت اسرائيل التي تبادلت وايران التهديدات بقصف المنشات النووية في الدولتين، تجاوبها مع الاستراتيجية الاميركية الجديدة في المنطقة التي عرضها جيتس، والقائمة على اعطاء الاولوية، للدبلوماسية والعقوبات في التعامل مع ايران ، الا ان تل ابيب رفضت اسقاط الخيارات الاخرى لمواجهة ايران ، لكنها وافقت على اعطاء المجال للاستراتيجية الاميركية لتعمل وتحقق اهدافها، خلال فترة زمنيه محددة، وليست مفتوحة.

وترتكز هذه الاستراتيجية التي وصفها جيتس بانها عقلانية ومنطقية ، على مبدأ التفاوض ، بحيث يأتي الرد الايراني على المقترح الاميركي، بحلول انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة في سبتمبر القادم، والمؤمل ان يكون بداية المفاوضات الايرانية الاميركية، بهدف تبديد الشكوك الغربية حول طبيعة البرنامج النووي الايراني. وفي حال فشل هذه المفاوضات ، حسب الاستراتيجية الاميركية، ستنتقل واشنطن الى مرحلة ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية ضد ايران، من خلال الجمعية العامة للامم المتحة. وتخضع ايران حاليا الى ثلاث مجموعات من العقوبات الدولية، بعد رفضها الالتزام بالمهل النهائية التي اطلقها مجلس الامن لوقف عملياتها النووية.

وتتضمن استراتيجية واشنطن ، تعزيز القدرة العسكرية لحلفائها في الشرق الاوسط ، من خلال تزويدهم باحتياجاتهم العسكرية والامنية ، وفق اتفاقات وقعت في اوقات سابقة مع كل من اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية والسعودية والعراق ودول الخليج العربية، مع الاخذ بعين الاعتبار، تعهد واشنطن بضمان تفوق اسرائيل عسكريا على جيرانها،. وقد اتفق الوزير الاميركي مع القادة الاسرائليين على تسريع تلبية احتياجات اسرائيل العسكرية، خاصة في مجال المقاتلات من طراز (اف 35 ) التي تتميز بقدرة تفادي اجهزة الرادار، حيث كان من المقرر بدء تسليمها الى اسرائيل عام 2014 ، الا ان انتاجها تأخر إلى عام 2016 .

ومثلما كان للاردن دور لوجستي وامني خاص، لدى احتلال القوات الامريكية للعراق ، وتأسيس السلطة الوطنية الفسلطينية ، فسيكون للاردن دورا مماثلا لدى انسحاب الجيش الاميركي من العراق عام 2011 وفي المراحل التالية للانسحاب، كما سيضطلع بمهمات تدريب المزيد من قوات الشرطة والامن الخاص العراقية في الاردن. وكما كان للاردن دورا مماثلا في اعداد قوات الامن الفلسطينية ، وقوات العمليات الخاصة، لحفظ الامن والنظام في اراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، لدى قيام السلطة الفلسطينية ، فسيكون له دور مماثل لدى تأسيس الدولة الفلسطينية الموعودة ،خاصة وان واشنطن رصدت 400 مليون دولار عام 2010 للسلطة الفلسطينية خصصت قسما كبيرا منها لانشاء 10-12 وحدة وكتيبة شرطة قوية هناك .

كما اتفق الجانبان على خطوات عسكرية وامنية ولوجستية مشتركة محددة، لتنسيق المواقف بين الاردن والولايات المتحدة، للحفاظ على الاستقرار في العراق والاردن، بعد استكمال انسحاب القوات الاميركية من العراق. وتعهد الوزير الاميركي بتغطية الاحتياجات العسكرية والامنية الاردنية التي يتطلبها القيام بهذه المهمة بنجاح حيث اعتبر الوزير الاميركي الدور الاردني في المنطقة بانه محوري . وانتهز جيتس زيارته للمنطقة لارسال رسائل سياسية وامنية الى قادتها عبر محادثاته وتصريحاته في عمان وتل ابيب والعراق، اكد فيها ان حوار واشنطن مع طهران، لن يؤثر على تحالف اميركا مع هذه الدول، مهما كانت نتائج هذا الحوار .

كما دعا الدول العربية المعتدلة الى تعزيز علاقاتها مع العراق، اذا ارادت فعلا ابعاد النفوذ الايراني منه ، وان تعمل على تعزيز قوة واستقرار وامن العراق ،وتمنع المتسللين عبر الحدود اليه وتقيم شبكة امنية مشتركة لتعزيز الجهود الامنية في هذا المجال تعمل في اطار منظمة امن اقليمي شرق اوسطية .وكشفت زيارة وزير الدفاع الاميركي المفاجئة للعراق، واقليم كردستان العراقي، الذي يتمتع فيه الاكراد بالحكم الذاتي، عن مخاوف واشنطن الحقيقية، من الخلاف بين الحكومة المركزيه في العراق وحكومة اقليم كردستان على المناطق النفطية التي تقع على حدود اقليم كردستان وخاصة كركوك، اضافة الى مناطق اخرى، يطمح اكراد العراق لضمها للاقليم ، رغم معارضة الحكومة المركزية في بغداد ذلك بشدة .

واقترح الوزير الاميركي عدة اليات وحلول، لهذه الاختلافات بين حليفي واشنطن في العراق، لا تصب لمصلحة الحليف الكردي مشيرا الى ان واشنطن متخوفة من النتائج التي يمكن ان يؤدي اليها ضم مدينة كركوك لاقليم كردستان ، سواء بالنسبة للحكومة المركزية في بغداد، او بالنسبة للعرب والتركمان في كركوك والمناطق المحيطة، او بالنسبة لتركيا حليفة واشنطن ،التي ترفض قيام دولة كردية قوية نفطية على حدودها. وعرض الوزير الاميركي خطة بلاده لحفظ الامن والاستقرار في العراق بعد انسحاب القوات الاميركية والذي يرى غيتس ان التطورات الامنية في العراق تدفع الى تقديمه عن موعده المحدد عام 2011 . وتقوم هذه الخطة على تعزيز قدرات العراق العسكرية والامنية ودعم الدول العربية المجاورة لوحدة واستقرار وسيادة العراق وعدم هيمنة اية قوى خارجية عليه.

يلاحظ ان مباحثات وزير الدفاع الاميركي في الدول التي زارها، لم تتطرق الى عملية السلام العربية الاسرائيلية مباشرة ، الا انها بحثت بعمق التحديات والتهديدات العسكرية والامنية التي تواجهها، ودور واشنطن في التصدي لها، من خلال الدعم العسكري والامني لحلفائها في المنطقة ومن خلال تقديم المزيد من التنازلات من الجانبين الاسرائيلي والعربي لتطبيق خطة اوباما للسلام، مؤكدا انه لاحل ممكن، الا بتقديم مثل هذه التنازلات ،التي ينبغي ان تتجاوز مبادرة السلام العربية التي وصفها بانها جيدة، ولكنها ليست كافية للسير قدما لتحقيق الامن والاستقرار الاقليمي في الشرق الاوسط.