يعتقد الكثير من المراقبين أن العراق سيواجه مصيراً مجهولاً في حال توفي الرئيس جلال طالباني الذي يمتلك شخصية قوية استخدمها خلال السنوات الماضية في تهدئة الصراعات بين الشيعة والسنة والأكراد.


كثرت في الآونة الأخيرة تكهنات حول صحة الرئيس العراقي جلال طالباني الذي أصيب بأزمة قلبية في بداية الأسبوع يأمل الكثيرون في أن يعبرها ليعود إلى بر الأمان.
تحدى طالباني المعوقات التي واجهته ليصبح أول رئيس منتخب ديمقراطياً في دولة تزخر بالحضارة والتاريخ. إلا أنه من الصعب التكهن حتى الآن بما ستنتهي إليه الأحوال، وإن كان من الطبيعي أن يبتعد عن ميدان العمل لفترة ويترك مكانه فراغاً كبيراً.
طالباني هو الرجل الذي وهب حياته quot;للقضية الوطنية الكردستانيةquot;، وفقاً لصحيفة الـ quot;فورين بوليسيquot; التي وصفته بـ quot;رجل الوحدةquot;. ومن البديهي أن يكون الشخص الوحيد في الدعوة للوحدة بين كبار الزعماء السياسيين في العراق، على الرغم من سخرية الأمر إذ إن طالباني يظل وطنيا كردياً، وعندما يتحدث عن quot;بلادهquot; فهو يعني كردستان وليس العراق.
يتمتع طالباني بشخصية قوية استخدمها من خلال منصبه الرسمي كرئيس جمهورية من أجل تهدئة الصراعات بين الشيعة والسنة والاكراد. وقبل وقت قصير، توصل الى اتفاق بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الفدرالية لسحب قواتها من منطقة كركوك المتنازع عليها. كما أنه توسط لحل النزاعات بين السنة والشيعة وبين الشيعة أنفسهم.
لطالباني أسلوب فريد في معالجة النزاعات، فهو مخلص للجميع ويتعامل مع غيره بتواضع، إذ يتجنب البروتوكولات الرسمية ويستقبل زوّاره بالقبلات ويرحّب بهم بحفاوة، حتى أنه يقدم أطباق الطعام بنفسه لضيوفه.
هذه الخصائص تجعل من الصعب ايجاد بديل لطالباني، فالاعتقاد السائد هو أن الأكراد يريدون رئيساً كردياً يحل محله، على الرغم من أنهم لا يريدون في الواقع أي بديل عن رئيسهم الحالي لأنه الشخصية المسيطرة بين القادة السياسيين الجدد في العراق.
ويرغب الاكراد في الاعتراف بالحقوق الدستورية لحكومة اقليم كردستان في ما يتعلق بالنفط وإجراء استفتاء حول كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها. كما أنهم ينظرون إلى رئيس الوزراء نوري المالكي على أنه عقبة رئيسة أمام تحقيق هذه الاهداف لأنهم يشعرون بالخوف من ميوله الاستبدادية.
وفقاً لهذه الأسباب، قد يتهاون الاكراد في شأن الرئاسة اذا ظهرت صفقة أفضل، مثل زعيم آخر على استعداد لتحقيق مطالبهم.
طالباني الذي اشتهر بأنه وسيط للسلام ساعد في حجب اقتراح طرح الثقة بالمالكي في وقت سابق من هذا العام. وكانت الكتلة الكردية وأنصار رئيس الوزراء السابق إياد علاوي قد حشدوا عدداً من الاصوات يقارب ما يحتاجون إليه لاستبدال رئيس الوزراء.
تقف حكومة كردستان المنتخبة وقوتها العسكرية التي يطلق عليها اسم quot;البشمركةquot; في موقع قوي بمواجهة المالكي والحكومة الفدرالية. وينمو اقتصاد كردستان، في الوقت الذي عززت فيه حكومة كردستان من علاقاتها الوثيقة مع دول العالم الخارجي، خاصة تركيا.
بموجب الدستور العراقي يستطيع برلمان كردستان العراق تعديل أو إلغاء أي قانون فدرالي من حيث تطبيقه في كردستان. ومن الناحية العملية، فان الحكومة الفدرالية قلما تصدر قوانين تتجاهلها كردستان.
المواجهة بين حكومة كردستان العراق والمالكي هي مواجهة بين ندين، إذ ليس بإمكان أحدهما أن يفرض إرادته على الآخر، ومن هنا فإن غياب طالباني قد تشعر به بصورة أكثر حدةً الطوائف العراقية الأقل قوة من الاكراد.
خلال الحرب الأهلية العراقية الحديثة وفّر طالباني وبارزاني ملجأً آمناً للمسيحيين والعراقيين الآخرين الهاربين من العنف الطائفي. وكان طالباني، حتى قبل أن يصبح رئيساً في العام 2005، على اتصال بشيوخ العراقيين السنَة، الذين كان كثير منهم يذهبون لزيارته في بيته الريفي على شاطئ بحيرة دوكان (في محافظة السليمانية)، وحتى لا يشعروا بالتهميش.
وفي صيف 2005، عندما ركزت النخبة السياسية في العراق وصناع السياسة الاميركية على المفاوضات الدستورية، واصل طالباني التعبير عن قلقه من فرق الموت الشيعية ndash; المرتبطة بوزارة الداخلية ndash; التي كانت تستهدف السنة.
عمل طالباني السياسي نجح في نسج علاقات ثقة مع زعماء السنة التقليديين، نظراً لأهمية تعاونهم في القتال ضد تنظيم القاعدة. كما اعتبرت الـ quot;فورين بوليسيquot; أن طالباني بطل غير محتفى به في نجاح يعزى عادة الى الجنرال بترايوس وقراره بزيادة عدد القوات الاميركية في البلاد.
فشل جهود الوساطات التي اضطلع بها طالباني يعود إلى أن مجموعات العراق القومية والدينية لها وجهات نظر متباينة اساسياً ازاء مستقبل العراق، فالأحزاب الدينية الشيعية المسيطرة الآن تريد تعريف العراق كدولة شيعية، بينما ينظر السنة العرب الى العراق باعتباره جزءأ من الأمة العربية السنية.
وفيما يقبل العديد من العراقيين السنة فقدان الامتيازات التي كانت لهم خلال سنوات العراق الثمانين الاولى (منذ قيامه في القرن العشرين)، فإن قلة يوافقون على أن العراق يجب تعريفه بطريقة لا تشملهم. أما الاكراد، فيريدون الاستقلال بطبيعة الحال.
وعلى الرغم من أن طالباني لم يحسم معظم قضايا العراق المثيرة للنزاع، إلا أنه قد ساعد على إقناع كل طائفة ومجموعة بأن لديها ما تكسبه من خلال العمل السياسي أكثر مما يمكن أن تكسبه عن طريق العنف.
هناك شخصيات مختلفة قد تخلف طالباني، فالعراق بحاجة الى أحد يستطيع ملأ الفراغ الذي يتركه. لكن من المستبعد أن يستطيع أي من المرشحين ملء ذلك الفراغ بالطريقة ذاتها.