تركت فتاة يافعة مدرستها في مدينة أفينيون الفرنسية متوجهة إلى سوريا بقصد "الجهاد" إلى جانب داعش، إلا أنها وبعد الاحتكاك بهم عن قرب شعرت بالندم وأبدت لأخيها الرغبة في العودة إلى أهلها، واصفة زملاءها "الجهاديين" هناك بـ"المنافقين والجبناء الذين يرهبون السوريين"، لكن أمير الجماعة الذي تنتمي إليه يمنعها من ذلك.


باريس: "هل ستتخلون عني؟".. هذه العبارة التي قالتها نورا الصبية، التي توجهت من دون علم أسرتها إلى سوريا للجهاد، لا تغيب عن ذهن فؤاد، شقيقها الأكبر، البالغ السابعة والثلاثين. ففرنسا، التي تضم أكبر جالية مسلمة في أوروبا، هي أيضًا البلد الذي ينتمي إليه العدد الأكبر من الجهاديين الغربيين، ألف توجهوا إلى سوريا والعراق، عبر شبكات تجنيد.

من هؤلاء؟... بائسون، مهمشون، شباب ضواحي ضائع؟، يقول حسن شلقمي إمام مسجد في ضاحية باريسية، معروف بانتقاداته للتطرف: "لا يوجد فقط إبراهيم وعائشة، يوجد أيضًا ميشال وجاكلين". هذه الظاهرة تشمل كل المناطق وكل الأوساط: فمنهم الريفيون وأبناء المدن، الشباب والصبية، المسلمون والمعتنقون الجدد (21% حسب وزارة الداخيلة)، الأسر وأصحاب المهن الحرة.

منذ 23 كانون الثاني/يناير، تاريخ توجّه نورا سرًا، وهي مازالت في الخامسة عشر من العمر، وفؤاد وأسرته يعيشون في جحيم، فهم لا يستطيعون فهم كيف تمكنت هذه الطالبة المجتهدة في إحدى مدارس أفينيون، التي كانت تحلم بأن تصبح طبيبة، من التخلي عن كل شيء.

لباسان وفايسبوكان
فؤاد اكتشف أنها كانت تعيش "حياة مزدوجة" مع "طريقتين في اللباس"، و"حسابين على فايسبوك": أحدهما تعرض فيه حياتها كصبية عادية بلا قصص، والآخر تقول فيه إنها ذهبت "إلى حلب لمساعدة أخوتي وأخواتي السوريات"، مضيفة "إذا لم أفعل شيئًا فإن الله سيحاسبني".

في نيسان/إبريل الماضي تمكن فؤاد من الالتقاء بها في سوريا "لمدة نصف ساعة في حضور أميرها عمر أومسن"، وهو فرنسي من أصل سنغالي. وقال "وجدتها في حالة من القذارة، وقد فقدت الكثير من الوزن، وأصابها الشحوب"، لكن كان من المستحيل إقناع الأمير بتركها ترحل. في محادثة هاتفية سابقة كانت نورا أبلغت شقيقها برغبتها في العودة، قائلة "إنني محاطة بمنافقين وجبناء يرهبون السوريين".

حتى منتصف آذار/مارس، كانت تقول إنها "سعيدة" بالوجود بعيدًا عن "الكافرين والمغتصبين". وبعد عشرة أيام فقط قالت له باكية في اتصال هاتفي: "أفتقدكم كثيرًا.. هل ستتخلون عني". غي غينون محامي فؤاد يرى "أنها اليوم رهينة"، معتبرًا أنها "ضحية طائفة دينية".

تجنيد سريع
دنيا بوزار مديرة مركز الوقاية من الانحرافات الطائفية أعربت عن قلقها من تزايد عدد المتوجهين للجهاد في سوريا والعراق. وأكدت أنهم جميعًا أمضوا ساعات على يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي في مشاهدة صور صادمة ورسائل تنظيم الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة، التابعة للقاعدة، تدعو إلى الالتحاق بها في بلاد الشام.

وأكدت أنهم لم يذهبوا إلى المساجد، وعزلوا أنفسهم عن أسرهم وأصدقائهم. ويلخص ديفيد تومسون الصحافي في إذاعة فرنسا الدولية ومؤلف كتاب "الفرنسيون الجهاديون" الوضع بأنهم أبناء "الجيل الثاني من خدمات الانترنت". أما المحامي مارتان برادل فيضيف "ليست لديهم ثقافة خاصة بالإسلام". هذا المدافع عن الكثير من الجهاديين الذين أودعوا السجن لدى عودتهم إلى فرنسا أشار إلى حالة "موظف ثلاثيني في وضع معيشي جيد" بعيد كل البعد عن فتيان الضواحي الفاشلين في الدراسة. وشدد على السرعة التي يتحول فيها البعض إلى التشدد، "شهر واحد" لأحد موكليه.

مناصرة مسالمة
يقول غينون "إننا بصدد اكتشاف جبل الجليد"، مشددًا على "الشبكات" النشطة في كل مكان تقريبًا على الأراضي الفرنسية لإرسال الجهاديين إلى سوريا. إذا آمنوا بالفكرة لا شيء يثنيهم. هذه هي حال مريم المسلمة ذات العشرين عامًا، الطالبة في السنة الثانية من كلية الحقوق، والتي تدعم بقوة تنظيم الدولة الإسلامية. وأوضحت مريم لصحافي في فرانس برس أن الذين لا يستطيعون السفر يمكنهم "الجهاد حيثما كانوا"، وترى أن "اعتداءات ستقع في فرنسا"، مؤكدة مع ذلك أنها لن تشارك فيها.

وتتبادل كثيرًا التغريدات على تويتر مع أصدقاء لها توجّهوا إلى سوريا "مسلمون، وواحد اعتنق الإسلام"، مؤكدة "أنهم في غاية السعادة". وردًا على سؤال عن ذبح الغربيين تقول مريم "إنه شيء محزن، لكنها الحرب". وعلى حسابها على تويتر، تكتب مريم تعليقات مع قلوب صغيرة على صور جهاديين يحملون كلاشنيكوف.


&