تحظى منطقة بوحنيفية الجزائرية (400 كلم غربي العاصمة) بسمعة طيبة داخل الجزائر وخارجها، لما تمتلكه من منابع وحمامات معدنية ساخنة يقصدها كثيرون لأجل التداوي، كما تعدّ بوحنيفية محطة سياحية بامتياز، لطالما ارتبطت تاريخيا بمسار كفاح الأمير عبد القادر الجزائري ( 1807-1883م )، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الذي أبهر الفرنسيين وأنهى حربا طائفية بالشام، كما عقد الأمير مصالحة تاريخية بين المسلمين والمسيحيين هناك، وكان الأمير شخصية تاريخية وثورية وفكرية فذة طبعت القرن التاسع عشر، وشكّل مثلا يقتدى به في مقاومة المغامرة الاستعمارية في الجزائر والشرق الأوسط، تماما مثلما أفنى حياته وكرس أعماله خدمة لمثل الحرية والتقدم.



كامل الشيرازي من الجزائر:تقول المؤرخة الجزائرية quot;كريمة دقيquot; لـquot;إيلافquot; أنّ منطقة بوحنيفية التابعة إداريا لمحافظة معسكر، تعود تسميتها إلى القرن الرابع عشر ميلادي، نسبة لوجود قبة في الضفة اليمنى للوادي والتي تعود حسب الأساطير إلى الفاتح quot;أبو حنيفيةquot; المولود ببغداد سنة 1279م ووافته المنية بالمنطقة سنة 1349م، فيما يلاحظ الباحث الاجتماعي quot;فاروق ميداسquot; أنّ تاريخ مدينة بوحنيفية يعود إلى أوائل الرومان، ويستدل بالآثار المتبقية في الضاحية الجنوبية للمدينة كبقايا حمامات رومانية قديمة العمران، ويسجّل ميداس أنّ بوحنيفية ظلت مفخرة للرومان لا سيما مياهها المعدنية التي جعلتهم يبنون مدينة عسكرية كانت تسمى (أكواسبرنسس).


ويشير quot;دهكال بن عيسىquot; أحد أبناء المنطقة، إلى كون بوحنيفية دُمرت عدة مرات وأعيد بناؤها وبقيت مزدهرة إلى غاية القرن السابع عشر، وما يبز ذلك العثور مؤخرا من طرف أحد المزارعين على مدينة رومانية مصغّرة تعرف محليا باسم quot;بطمة الكراسيquot; واحتوت على مجموعة من الأحجار الكبيرة والقلل والغرف التي كانت تستعمل كحجرات لجمع المواد الدسمة (أكواسبرانسس)، إضافة إلى أواني طينية كانت تستعمل في تلك الفترة لتخزين المواد الغذائية الدسمة والحبوب.


ويقول الباحث الأركيولوجي quot;شوقي ميرازيquot; أنّ بوحنيفية اشتهرت منذ بدايات القرن العشرين بمنابعها المعدنية، وشهدت إبان الاحتلال الفرنسي إنشاء عديد الفنادق بين سنتي 1905 و1916، قبل أن يتم بناء محطة معدنية خاصة بالمرضى سنة 1939، قبل أن يتم إنشاء عدة حمامات أخرى أخذت طابعا عمرانيا مكعبّا خلافا للنسق الموريسكي الذي تنفرد به المحطة المعدنية الرئيسة.


ويحكي الحاج قدور بافتخار عن بوحنيفية وحماماتها الساخنة التي تصل درجات حرارتها مستويات قياسية بحدود 96 درجة مئوية وتتجاوز أوعيتها 6500 لتر في الدقيقة الواحدة، كما تغري الينابيع والعيون الطبيعية التي تنتشر بكثرة في المنطقة، ما جعل منها بين أكبر وأهم الأقطاب المعدنية في الجزائر حيث أنها تستقبل أكثر من 144 ألف سائح سنويا، أمثال الطيب، جمال، لطفي وسعيد الذين يتنقلون بصورة دائمة من العاصمة خصيصا لأجل الانتفاع بمياه بوحنيفية ومنابعها على غرار المنابع العليا والسفلى (منابع الجسور) ومنابع سيدي عبد الله (العيون المالحة).


وبوسط حمام بوحنيفية العتيق، التقينا ببلقاسم (49 سنة) وشقيقه الأصغر بوجمعة (36 سنة) اللذان صرّحا أنّهما اعتادا على زيارة الحمامات بغرض معالجة أمراض المفاصل لما تحتويه المياه هناك من خواص فيزيائية وكيمائية وعلاجية، وهو انطباع يشاطره اسكندر (42 سنة) وصديقاه رياض وفتحي، علما أنّ كثير من العرسان يفضلون (الحجّ) إلى بوحنيفية ونيل حمام خاص عشية (ليلة العمر).


وينبه quot;محمدquot; وأحمد العاملان بالزراعة، إلى أنّ وادي بوحنيفية لا يجف على طول السنة ويأخذ منبعه من وسط الأطلس الصحراوي وعلى ارتفاع 1200 م من الجنوب الغربي، ولهذا الوادي كما سد بوحنيفية (أنشئ سنة 1937) أهميتهما بسبب غزارة مياههما التي تستغل في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وكذا في تموين الحمامات بالماء البارد، علما أنّ سد بوحنيفية يحتوي على احتياطي من الماء يربو عن 80 مليون م3 في السنة.