منذ أواخر القرن الماضي راجت في عدد من الدول العربية تجارة مايعرف بالذهب الروسي الذي تشبه حليه معدن الذهب لكنه ليس ذهباً حقيقياً انما تقليد للذهب ويمتاز برخص ثمنه والتفنن في صناعة الاكسسوارات التي تتزين بها النساء. في هذا التحقيق من العاصمة الاردنية مشاهد ومواقف وحقائق عن الذهب الروسي.
إخلاص القاضي من عمان: رفضت العروس سهام اقتراح عريسها شراء ذهب مقلد بسبب عدم قدرته المادية على ابتياع الحقيقي منه مكتفية بخاتم زواج فقط quot; وليس بذهب كثير هو في النهاية معدن لا قيمة له quot; كما تقول لوكالة الانباء الاردنية (بترا ).
ويقبل مواطنون على شراء حلي تشبه الذهب شاعت بينهم تحت اسم ( الذهب الروسي ) في الوقت الذي يؤكد فيه معنيون ان هذا النوع من الحلي ليس ذهبا ولا روسيا ولا يعدو كونه معدنا لا قيمة شرائية له ويدخل تحت بند الاكسسوارات كما يقول الصائغ يوسف نعيمي.
ويضيف ان الناس اطلقوا عليه هذا الاسم منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما راجت تجارة الباعة المتجولين للاكسسوارات الذين سوقوها حينها على انها من روسيا رغم عدم صدقية الاسم الذي تم تداوله منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
ويشير الى ان هذا النوع من الاكسسوار قد ينتج محليا وقد يستورد من بعض البلدان الاوروبية والاسيوية كايطاليا وتايوان والهند ولكن ليس من روسيا على وجه التحديد الامر الذي يؤكده عميد جمارك مساعد مدير عام دائرة الجمارك الاردنية عبد الوهاب الصرايرة الذي يقول انه ومنذ بداية العام الحالي لا يوجد في البيانات الجمركية ما يشير الى انه تم استيراد هذا النوع من الاكسسوار من روسيا لافتا الى ان تسميته دارجة على لسان العامة مجازا وليس لها أي اساس من الصحة.
تقول الخبيرة المتخصصة في فحص الذهب فريال الخزوز ان ( الذهب الروسي ) ليس ذهبا على الاطلاق ولا يوجد فيه أي نسبة ذهب ولا حتى واحد بالمليون مطلقة عليه اسم ( الاكسسوار فقط ) وهو مكون من معدن يسمى ( الالون ) الذي قد يتسبب - وفقا لخبرتها - بامراض جلدية ( مثل الاكزيما ) وخاصة للذين يعانون من حساسية جلدية ما , حيث يزداد احتمال هذه الامراض اذا تعرض هذا الاكسسوار اثناء ارتدائه الى مواد كيماوية مثل العطور او اذا تم غسله بمواد تنظيف تحتوي على الكلور.
وتشير الى ان بعض المستهلكين قد يقعون ضحية لبعض التجار الذين يوهمونهم بانهم يبتاعون ذهبا حقيقيا منوهة الى ان اسعار هذا الاكسسوار مرتفعة مقارنة بالقيمة الحقيقية له , ولا يخضع لاي نقابة او رقابة.
وتبين ان القطع المقلدة هذه تصب بذات القوالب التي يصب فيها الذهب الحقيقي ما يجعلها قريبة جدا باشكالها منه منوهة الى ان بعض تجار الذهب وقعوا ضحية لاحتيال بعض المستهلكين من الذين باعوهم الذهب المقلد على انه حقيقي حيث تم اكتشاف ذلك اثناء كسر الذهب المباع ليظهر بينه معدن لا يمت الى الذهب باي صلة مضيفة ان هذه القطع تدمغ بدمغة الذهب الاصلي ذاتها ما يصعب اكتشافها على بعض اصحاب محلات بيع الذهب وخاصة الجدد منهم.
وتنصح الخزوز المقبلين على الزواج من غير الميسورين الاكتفاء بمحبس الزواج الحقيقي بدلا من ايهام العروس بالذهب التقليدي لما يولده ذلك من مشكلات اجتماعية كبيرة كانت اطلعت على بعضها بحكم خبرتها في مجال فحص الذهب ووجودها في وسط الصاغة والصياغ.
نقيب تجار صناعة وصياغة الحلي والمجوهرات اسامة امسيح يقول ان هذا النوع من الاكسسوار هو عبارة عن معدن قد يكون من النحاس ومطليا بالذهب الذي لا وزن له ولا قيمة مشيرا الى ان النقابة ليست ضد تجارة الاكسسوار , لكن الخلاف مع بعض تجار هذه السلعة على تسميتها بالذهب.
ويشير الى ان النقابة كانت عممت على اصحاب هذه المحلات عدم استخدام كلمة ذهب على واجهاتها بل محلات لبيع المجوهرات التقليدية او الاكسسوار مضيفا ان بعض اصحاب المحال التزم والبعض الاخر لا يزال يبيع تحت اسم ( ذهب ) وهي تسمية خاطئة ومضللة وقد تحمل نية للتغرير بالمستهلك وايهامه بانه قام بشراء الذهب الحقيقي.
ويقول ان النقابة لا يحق لها منع تجارة الاكسسوارات ولكنها تتصدى لكل من يحاول الترويج لاي معدن يباع على انه ذهب مشيرا الى ان ما يسمى بالذهب الروسي ليس له أي قيمة مادية تذكر ولا يدخر كخزينة ولا يقارن بالذهب الحقيقي اصلا الذي يعد فعليا ( زينة وخزينة ) كما درج القول عنه.
ويلفت النظر في هذا الصدد الى مسألة يعدها غاية في الاهمية وهي استخدام بعض اصحاب محلات هذا الاكسسوار الميزان الحساس الذي لا يجوز استخدامه الا لمعرفة اوزان الذهب الحقيقي , ولاسيما ان بيع الاكسسوارات او المجوهرات التقليدية لا يخضع لاسعار الذهب بل تباع بالقطعة وحسب تقييم التاجر وقيم العرض والطلب.
وحول تسميته بالذهب الروسي يبين ان التسمية هدفها تجاري فهو ليس ذهبا ولا روسيا بل انها تسمية خاطئة شائعة كأن يقال هذا الماس اميركي اذ لا يوجد الماس اميركي بل انه نوع من الحجارة التي تستخدم لتزيين الذهب الحقيقي ويسمى ( الزريكون ).
وعن وقوع بعض اصحاب محال بيع الذهب عرضة للاحتيال حين يقومون دون دراية بشراء الذهب المقلد على انه حقيقي يقول ان اكتشاف امر الذهب المقلد يحتاج الى خبرة واسعة وقدرة على تمييز الدمغة المزورة ومهارة في بيع الذهب لافتا الى ان بعض الصاغة ربما يفتقدون الى الخبرة اللازمة في هذا المجال وانه لا بد لهم في حال شكهم بامر ما من العودة الى زملائهم في المهنة ممن يثقون بهم خاصة وان محال الصاغة تتجمع عادة في سوق واحد.
ويشير امسيح الى انه لا يتم منح محلات بيع الذهب التراخيص اللازمة اذا لم تكن هناك شهادة خبرة للصائغ لافتا الى ان غش الذهب ليس ظاهرة.
ويوضح ان غلاء المهور لا يمكن ان يكون دافعا للخداع بين المقبلين على الزواج لشراء ذهب مقلد , وان الرائج ان يتم ذلك برضا الطرفين اذا كانت الارضية المشتركة بينهم هي التفاهم , بيد ان الكثير منهم يدركون ان شراء خاتمي زواج من الذهب الحقيقي هو اجراء كاف وليس هناك أي حاجة quot; لان يضحك الانسان على نفسه quot; ويشتري كميات من ذهب مقلد ليس لها أي قيمة.
ويتابع ان الذهب الحقيقي مهما مر عليه الزمان فانه يستبدل بالمال , ولكن المقلد من الذهب سعره مرتفع مقارنة بحقيقة معدنه , وتباع الكمية التي تم شراؤها بمئة دينار مثلا بحوالي سبعة دنانير اذا وجد من يشتريها اصلا وفي هذا خسارة واضحة.
ويكشف امسيح ل (بترا ) عن منتج جديد من الذهب سيرضي اصحاب المداخيل المتدنية وغير القادرين على شراء الذهب الحقيقي وله بعض ميزات الذهب وقيمة شرائية جيدة.
عدد من اصحاب محال بيع (الذهب الروسي) اكدوا انهم يوضحون للمستهلكين ان هذا المنتج ليس ذهبا وان الاقبال عليه هو بسبب الاوضاع الاقتصادية المتواضعة لبعض الناس.
ويقولون ان تسميته بذلك ليس الا عرفا جاء على لسان العامة دون معرفة سبب او اصل التسمية , وان المستهلك ذكي ويستطيع التفريق بين الاكسسوار والذهب الحقيقي , وان اسعار هذا المنتج ليست مرتفعة وخاضعة كأي سلعة اخرى للعرض والطلب بالاسواق.
وحول الشبه الكبير بين ما يسمى ب(الذهب الروسي) والحقيقي من الذهب يقول احد تجار المجوهرات التقليدية ان تصنيع ( الذهب الروسي) يتم بدقة متناهية ويتم تحجيره كذلك بطرق تحجير الذهب الحقيقي ذاتها ما يجعله متفوقا شكلا على بقية الاكسسوارات الاخرى.
تاجر اخر يقول : اتهمنا باننا سبب في وقوع مشكلات اجتماعية بين العائلات حين يقوم بعض المقبلين على الزواج بشراء الذهب المقلد ويقدمونه لعرائسهم على انه حقيقي مبينا ان المشكلة ليست بالتجار الذين يقدمون فاتورة تبين ان هذا الذهب ليس اصليا ولكنها لدى بعض العرسان الذين يعانون من اوضاع اقتصادية صعبة , رغم ان ذلك لا يبرر الغش ابدا كما يوضح.
ويطالب عدد من اصحاب محال بيع المجوهرات التقليدية الجهات المعنية بحماية حقهم كتجار في تجارة هذا النوع من الاكسسوار الخاضع لرقابة مؤسسة المواصفات والمقاييس ورقابة دائرة الجمارك , خاصة انه ليس لدى أي تاجر منهم نية التلاعب او الغش او التحايل على حقيقه هذا النوع من المجوهرات التقليدية.
ويؤكد تاجر اخر ضرورة خضوع جميع محلات بيع هذا النوع من الاكسسوار للرقابة وتحويل يافطاتهم من ( ذهب روسي ) الى (مجوهرات تقليدية ) لوضع حد لاي التباس حول هذا الموضوع.
مدير مديرية المصوغات الذهبية في مؤسسة المواصفات والمقاييس المهندس يوسف المعايعة يقول ان ( الذهب الروسي ) هو عبارة عن مجوهرات تقليدية نحاسية خالية تماما من أي نسبة ذهب رغم انه مطلي به , وبحسب قانون المؤسسة فانه يمنع عرضها في محال بيع الذهب الحقيقي ويعاقب كل من يقوم بذلك بالحبس والغرامة.
وحول تسميته ب(الذهب الروسي) يوضح ان المؤسسة غير معنية بالتسميات ما دامت تباع في محال المجوهرات التقليدية مشيرا الى ان الدمغة الموجودة على الذهب الحقيقي هي مسؤولية المؤسسة ولا يمكن ان تكون موجودة على (الذهب الروسي) الا اذا كان هناك تلاعب بها ويتم كشفه بسهولة.
ويؤكد في هذا السياق قدرة المستهلك على التفريق بين الذهب الحقيقي والمقلد منه وان الذهب الذي تتم سباكته وصياغته في المملكة يحظى بثقة عربية وعالمية خاصة وان كل القطع الذهبية مدموغة من خلال المؤسسة وان سوق الذهب يخضع لرقابة يومية.
التعليقات