فتحي الشيخ من القاهرة: كالمعتاد كل يوم أحد جهز أبناء عم صالح الثلاثة انفسهم لقضاء المساء خارج المنزل مع ابيهم وامهم، طوال سنة كاملة كان هذا هو ما يفعلونه كل مساء احد في يوم اجازة الاب من ورشة الاحذية التي يعمل بها تقوم الام بتحضير بعض المأكولات وبعض العصائر والمياه وبالطبع مفرش للجلوس عليه، و بمجرد ما تبدأ الشمس تعلن الانسحاب معلنة نهاية النهار تخرج الاسرة من مسكنها في مصر القديمة مشيا علىالأقدام الى شارع الكورنيش لتعبره الى ناحية النيل ليقوم الابناء بفرش الملاءة بعد اختيار الاب لمكان وتجلس الاسرة، تستمع بمنظر المياه الجارية في النيل وينطلق الاولاد يلعبون وقد جاءوا بكرتهم يتقاذفوها بينهم ويشترك الاب معه دائما والام احيانا، ولكن الاب فجاءهم اليوم بانهم لن يذهبوا لانه يجب ان يزور مريضا في المستشفى، لتظهر ملامح الحزن على الابناء و تقول ابنته صفاء ذات الثلاثة عشر عاما بلسان الجميع حتى الكورنيش لن نتمكن من الجلوس عليه.
الكثير من الاسر في مصر قرر ان يودع ارتياد شواطئ البحر في الصيف خاصة من الطبقات المتوسطة وهو ما كان ودعه من قبل الكثير من محدودي الدخل منذ فترة، خاصة مع زيادة عدد المصريين الذين اصبحوا يقعون تحت خط الفقر ليصل الى 40 مليون شخص، وبالتالي اصبح ارتياد المصايف رفاهية لا يقدر الكثير من المصريين على نفقاتها..لذلك اصبحت الكثير من الأسر المتوسطة والفقيرة تكتفي بالذهاب مساء لتجلس على كورنيش النيل او على الكباري المطلة على النيل لتغيير جو المنزل والفرار من ارتفاع درجات الحرارة، وقضاء ليلتهم في الهواء المنعش على النيل، و ذلك باقل التكاليف لان اقصى نفقات تكون نفقات بعض التسالي من لب وترمس ودرة مشوي او مشروبات مثل حمص الشام او الشاي الذي اصبح يقدم في تلك الاماكن مع المقاعد كخدمة بمقابل وهي التي اصبحت موجودة في اي مكان على الكورنيش او الكباري واصبح هناك المتخصصون فيها، ميلاد عوض 46 عاما يعمل سائقا بالنقل العام يقول أنا معي خمسة أولاد تعودنا منذ فترة الذهاب إلى هذا المكان laquo;كوبرى المنيبraquo; كل يوم لنقضي سهرة أنا وأولادي فمن هنا نرى النيل ونبتعد عن الزحام الشديد الموجود داخل المنطقة التي أسكن بها.. وأيضا أسعار الطلبات معقولة بالنسبة لدخلي، فأنا حريص على الذهاب لهذا المكان طوال الاسبوع، تنفس اسرتي فيه عن نفسها لاننا بالطبع لانقدر على تكاليف المصايف حيث ما يأتي يكفي المصروفات بالكاد، و بالطبع هناك مئات الاسر مثلي تأتي الى الكوبري كل يوم.
هناك اكثر من كوبري في القاهرة يعده الفقراء متنفسهم للهروب من حرارة الصيف يأتي على راسها كوبري المنيب وقصر النيل و15 مايو وكوبري الساحل والدئري الذي يمر فوق الوراق الى جانب الكورنيش الذي اصبح قبلة للكثير من الاسر، يمضي فقراء مصر اجازتهم على الكورنيش، بعد أن تحول السفر إلى أحد المصايف على شاطئ المتوسط حلماً صعب المنال بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المصريين، نظراً للتكلفة الباهظة التي يتحملها هؤلاء مقابل التمتع بمياه البحر، اصبحت تزحف العائلات للجلوس فوق تلك الكباري او على الكورنيش حتى ساعات متأخرة من الليل، و قد جهزت متطلبات السهرة من طعام العشاء والعصائر المنزلية والمرطبات، توفيراً للنفقات التي قد تتكلفها إذا ما لجأت للشراء من الباعة الجوالين فوق تلك الجسور، وسط مئات الاسر التي تفترش الكورنيش اسرة مكون من ستة افراد زوج وزوجة واربعة ابناء يقول الزوج اسامة عبدالسلام موظف لم نعد نذهب الى المصيف منذ سنوات بعد ان اصبحت تكاليفه اكبر من امكانيتنا والكورنيش كان بالنسبة لنا هو البديل اتي اليه تقريبا كل يوم بعد ان انهى ابنائي امتحاناتهم منذ منتصف يونيو، اتي مع اسرتي واحضر معي الشاي والسندوتشات وزجاجات المياه حتى لا أطلب أي شيء من الباعة الجائلين.. ونقضى سهرة جميلة على النيل دون أى تكلفة لاني اسكن قريبا من هنا.
لم يعد الكورنيش مكانا للمحبين فقط بل اصبحت تجاورهم الاسر التي تصطحب اطفالها معها وبزيادة عدد المصريين الذين اصبحوا يهربون من حرارة الجو باللجوء الى نسمات الهواء على الكورنيش او فوق احد الكباري المطلة على النيل، لذلك وجد كثير من الانشطة الخدمية التي تلائم الظروف المادية لتلك الاسر من مراكب للاسر تقوم برحلة في النيل مقابل 2 جنية للفرد و تنتشر هذه المراكب بالقرب من كوبري قصر النيل وكوبري 26 يوليو و تتجه هذه المراكب في اتجاه الجنوب حتى كوبري الجامعة او في اتجاه الشمال حتى كوبري الساحل ولكن في النهاية لا تتجاوز مدة هذه الرحلات الساعة حسب الجولة وسعر الرحلة الذي لايتجاوز جنيهات قليلة، ايضا الى جانب الباعة الذين يقومون بتقديم المشروبات او المسليات في تلك الاماكن والتي يكون الصيف مثل موسم العمل بها خالد ابو بكر صاحب عربة حمص الشام قال انا اعمل هنا منذ ثلاث سنوات ويبدأ يومي من العصر احضر 3 دست كراسي واضعهم حول العربية وربنا بيرزقنا وهنا يبدأ موسم الشغل بداية من منتصف يونية ويستمر حتى منتصف اكتوبر، والناس تأتي الى هنا للتفريج عن نفسها وتغيير جو البيوت هذا غير الحبيبة الذين يكونون طول العام وهنا ارخص من الخروج في اي مكان حيث لن تكلف الواحد عشرة جنيهات بالكثير في حين اقل فسحة يمكن ان تكلف الواحد مائة جنيه هذا غير اذا كان معه اسرة كبيرة طبعا، ويبقي الكورنيش هو متنفس المصريين الذين يهربون اليه من ارتفاع درجات الحرارة في الصيف مع عدم قدرتهم على الاتجاه الي شاطئ البحر المتوسط لارتفاع تكاليف التصييف بالنسبة للغالبية منهم.
التعليقات