بعدما عاد المنتخب الجزائري لكرة القدم إلى أرض الوطن، وبعد الاستقبال الشعبي والرسمي الحافل الذي حظي به المدرب سعدان وكتيبته، فإن الوقت قد حان لتحليل مشاركة الخضر في كأس أفريقيا التي اختتمت بأنغولا بعيدًا من العاطفة وفي مصلحة المنتخب الجزائري.
مراد حاج من الجزائر: أنهى المنتخب مشاركته في نهائيات كان 2010 في المرتبة الرابعة، أي بنتيجة أفضل مما كان يهدف إليها المدرب رابح سعدان، وأقل مما كان يطمح إليه اللاعبون وبرضا من الدولة الجزائرية وبانقسام الأنصار بين المرتاح للانجاز والأداء، و بين المستاء للمشوار ونقص العطاء .
فقبل مغادرة البعثةالجزائرية إلى أنغولا صرح المدرب سعدان بأن هدفه في البطولة الإفريقية يتمثل في تشريف الألوان الوطنية والتأهل إلى الدور ربع النهائي من المنافسة، مبررًا عدم تماديه في التفاؤل إلى الفترة الزمنية القصيرة للتحضير لبطولة دولية من هذا الحجم والى الإرهاق الكبير الذي نال من اللاعبين بعد انجازهم لمشوار شاق في التصفيات المزدوجة لكأسي أفريقيا والعالم.
كما اعتبر سعدان أيضًا أن كأس أفريقيا بأنغولا والتي انتهت بتتويج المنتخب المصري باللقب تعد محطة تحضيرية جيدة تحسبا للمشاركة في نهائيات مونديال 2010 المقررة بجنوب إفريقيا في الصيف القادم.
وفعلاً فقد كانت النسخة ال27 لنهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم تجربة مفيدة لسعدان وتشكيلته بحيث أجرى المنتخب الجزائري ست مباريات كاملة،جرب خلالها الجهاز الفني معظم اللاعبين وعدة خطط تكتيكية برغبة من المدرب سعدان أو رغما عنه، وهي مباريات لا يمكنه خوضها قبل موعد المونديال سواء من حيث العدد أو من حيث نوعية المنافسين أو حماسها وإثارتها مما سمح إذن لشيخ المدربين الجزائريين التعرف عن قرب إلى الإمكانيات الحقيقية لكل لاعب وعلى تحسين الأداء الجماعي للفريق القادر على التطور أكثر بعد الوقوف على النقائص وتدعيم التشكيلة باللاعبين الجدد خاصة على مستوى الوسط الهجومي والخط الأمامي.
الأرقام تقول أن الحصيلة كانت سلبية
ولا يوجد في التحليل الرياضي أفضل من لغة الأرقام، فحقيقة أن الجزائر قد احتلت المرتبة الرابعة في النسخة ال27 من كأس أمم إفريقيا لكرة القدم بأنغولا، وهو انجاز لم يسبق للخضر تحقيقه منذ دورة 1990، ولكن ما هي النتائج الفنية التي سجلتها التشكيلة الجزائرية في دورة 2010؟
طبعًا هي فوزين أمام مالي(1-0) ووكوت ديفوار( 3-2 بعد الوقت الإضافي) وتعادل واحد مع أنغولا وثلاثة هزائم أمام كل من مالاوي (0-3)و مصر(0-4) و نيجيريا(0-1).
وهي نتائج متوسطة حتى لا نقول متواضعة وستؤثر حتما على ترتيب الجزائر في تصنيف الاتحاد الدولي لكرة القدم والذي سيصدر يوم الأربعاء القادم بعدما كان المنتخب الوطني يحتل المرتبة ال26 برصيد 823 نقطة في آخر ترتيب للفيفا الصادر في شهر ديسمبر الماضي قبل انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا التي اختتمت يوم الأحد بتتويج المنتخب المصري الذي سيحسن ترتيبه أكثر في تصنيف الفيفا بعدما كان في المركز ال24 ب 832 نقطة.
نقص كبير في الفاعلية الهجومية
ومن جهة أخرى لم يتمكن المنتخب الوطني من تسجيل طيلة ست مباريات سوى أربعة أهداف، وهي حصيلة جد ضعيفة لمنتخب يتأهب للمشاركة في نهايات كأس العالم بعد خمسة أشهر فقط. وهنا نقف لانتقاد الناخب الوطني رابح سعدان على بعض اختياراته التكتيكية الذي اعتمد في المباراة الأولى على طريقة 3-5-2 أي بمهاجمين اثنين ،هما عبد القادر غزال ورفيق صايفي،ولكن دون أن يتمكن الخط الأمامي من تسجيل أي هدف فلجأ بعدها الشيخ إلى طريقة 4mdash;5 -1 أمام منتخب مالي ،أي بالاعتماد على لاعب واحد فقط في الخط الأمامي ،ونعني به مهاجم نادي سيينا الايطالي غزال الذي لم يهز شباك منافسه في تلك المباراة ولا في المباريات الأربع الأخرى التي لعبها، على الرغم من نشاطه الكبير في منطقة عمليات الفرق المواجهة للخضر.
وقد أجمع الاختصاصيون أن غزال كان بحاجة لمساندة مهاجم حقيقي آخر من مستوى رفيق جبور الغائب عن دورة أنغولا بسبب نقص المنافسة ،ولكن كان من الممكن جدًا أن يقحم سعدان هداف النسخة السابقة لكأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، عبد المالك زياية للقيام بنفس المهمة التي كان من الممكن أن يقوم بها جبور. وقد يبرر المدرب الوطني عدم لجوئه لخيار اللاعب السابق لوفاق سطيف بنقص تجربة زياية ،وهنا يمنح الفرصة لمنتقديه ليطرحون عليه هذا السؤالquot; لماذا إذن استدعيت اللاعب زياية للمشاركة في الموعد الإفريقي ؟
لم نحسن التفاوض عند النقص العددي
وفي سياق آخر، يمكننا أن نجد الأعذار لتذبذب نتائج المنتخب الجزائري في البطولة الإفريقية المنقضية ونقول أن الفريق الجزائري خاض معظم أطوار الدورة منقوصًا من حيث التعداد بسبب المرض المفاجئ لحارس المرمى الأساسي لوناس غواوي ، وإصابة ياسين بزاز ورفيق صايفي، ورحيل خالد لموشية لأسباب quot;عائليةquot; وquot;انضباطيةquot;، وعدم استعداد كل من عنتر يحي ومراد مغني للمشاركة في النصف الأول من البطولة بسبب معاناتهما من إصابة تلقوها قبل التنقل إلى أنغولا .
وقد نجد الأعذار أيضًا أن الخضر لعبوا المباراة الأولى أمام مالاوي في ظروف مناخية قاسية لم يتعود عليها معظم المحترفين الجزائريين القادمين من صقيع أوروبا، وقد نبرر أيضًا الهزيمة الثقيلة أمام مصر بالانحياز للحكم البنيني كوفي كوديجا .
ولكن يجب أن نعترف أيضًا أن الجهاز الفني الجزائري و تشكيلته لم يحسنا التعامل مع خصوصيات تلك المواجهة، فبعد طرد المدافع الفذ رفيق حليش قبل نهاية الشوط الأول بسبع دقائق وتسجيل الفريق المصري لهدف السبق فانه كان بإمكان سعدان تسيير بقية مجريات اللقاء بطريقة مغايرة لتلك التي شاهدنها إذ لاحظنا أن المنتخب الوطني واصل اللعب فور بداية الشوط الثاني بنفس الطريقة الهجومية بحثًا عن تعديل النتيجة في حين كان من الممكن جدًّا تعزيز خط الدفاع بلاعب احتياطي والتضحية بأحد المهاجمين لزيادة حظوظ عدم تلقي أهداف أخرى، والاعتماد بالمقابل على الهجمات المعاكسة..
والشيء بالشيء يذكر فإن مباراة في نهائيات مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأميركية ،جمعت في الدور الأول بين المنتحبين الايطالي والنرويجي حيث تلقي فريق ايطاليا ضربة قاسية فور بداية اللقاء بطرد حارس المرمى بعد تسببه في ضربة جزاء ،فقام مدرب منتخب ايطاليا،اريغو ساكي،بإقحام الحارس الاحتياطي في مكان أحسن لاعب في الفريق وهو النجم روبيرتو باجيو، وذلك في محاولة من ساكي لإنهاء المباراة بأقل الأضرار . وفعلاً فقد افترق المنتخبان على نتيجة التعادل(2-2) ثم أدت ايطاليا مشوار متألقًا وبلغت اللقاء النهائي للمونديال حيث انهزمت أمام البرازيل.
والمتتبع يرى أن منتخب الجزائر لم يحسن التعامل حين اضطر لخوض المواجهة منقوصًا عدديًّا، وأرجو ألا نتحجج بطرد الظهير الأيسر نذير بلحاج بعد ساعة من اللعب لأن الهدف الثاني لمصر تم تسجيله قبل خروج بلحاج، كما أن البطاقة الحمراء التي تلقاها هذا الأخير كانت مستحقة باعترافه شخصيًّا لما قدم اعتذاراته للمدرب سعدان عقب نهاية المباراة.
المهم أنه من المؤكد أن المدرب سعدان قد دون كل ايجابيات تشكيلته وسلبياتها من حيث اللعب الفردي أو الجماعي وقد يجد الحلول للنقائص سريعًا خاصة في ظل التدعيم النوعي المرتقب من طرف كل من لاعب وسط ميدان راسينغ ساتندار الاسباني مهدي لحسن ـ ومهاجم أوك اثينا اليوناني رفيق جبور، في انتظار بروز أسماء جديدة سواء بأوروبا أو بالجزائر.
ويبقى الجمهور الجزائري إذن يحتفظ بذاكرته الجماعية الهزيمة الثقيلة أمام مصر(0-4) والأداء الرائع أمام كوت ديفوار(3-2) في ربع النهائي، والبداية السيئة في الدورة بالخسارة المفاجئة أمام مالاوي(0-3) بسبب استصغار الفريق المنافس، وهي من أهم الدروس المستخلصة من المشاركة الجزائرية في كان 2010.
التعليقات