على رغم أنها المنتخبات هي نفسها، وبصرف النظر عن فارق ثلاثة أشهر بين بطولة quot;كوبا أميركاquot; والتصفيات لنهائيات كأس العالم، إلا أن المشهد في أميركا الجنوبية بدا مختلفاً تماماً.

بالعودة إلى تموز/يوليو الماضي فإن كوبا أميركا التي اقيمت في الأرجنتين كانت آسرة دائماً، ولكن افتنانها كان قاتماً في الكثير من الأحيان ومتآكلاً نوعاً ما مع قبضة خطوط الدفاع المسيطرة على المباريات.

الآن في تشرين الأول/اكتوبر انتجت الجولة الأولى للحملة الماراثونية لأميركا الجنوبية للتأهل لنهائيات كأس العالم، أربع مباريات افتتاحية ndash; في بعض الأحيان حتى كانت عبثية ndash; 15 هدفاً. ويمكن تفسير الكثير من هذه المطالب إلى اختلاف البطولة ومباريات الدوري المحلي.

في السابق، خصوصاً في منافسات مثل كأس أمم أميركا الجنوبية، حيث يتقدم 8 من أصل 12 منتخباً إلى مرحلة خروج المغلوب، تجنب المنتخبات للهزيمة هي غالباً ما تكون ذات الأولوية، فباراغواي، على سبيل المثال، استطاعت أن تصل إلى المباراة النهائية من دون الفوز بأي مباراة.

ولم يكن الأمر مفاجئاً عندما قرر مدربه جيراردو ماتينو تقديم استقالته بعد ذلك مباشرة. فقد كان يشعر أنه استطاع أن يؤهل أوروغواي إلى أبعد ما يمكن أن يفعله، وكان يدرك جيداً أن تكرار التعادل في خمس مباريات متتالية لن يفيد كثيراً في التصفيات المؤهلة لكأس العالم.

ففي مباريات تقام بشكل دوري، فإن فوزين وثلاثة هزائم تسجل نقاطاً أكثر من خمس تعادلات. وعلى مدى العامين المقبلين ستواجه دول أميركا الجنوبية بعضها بعضاً ذهاباً واياباً، فالأولوية هذه المرة ستكون بحث المنتخبات عن ثلاث نقاط، خصوصاً على أرضها.

وبما أن أميركا الجنوبية أرض شاسعة، فإن المنتخب الذي سيلعب خارج أرضه كثيراً ما تواجهه رحلات طويلة والحاجة إلى التكيّف مع الظروف المختلفة مثل الارتفاعات وحرارة الجو أو ملاعب غمرتها المياه.

سواء في التأهل لنهائيات كأس العالم أو البطولات الدولية، فإن الفوز خارج الأرض، بصفة عامة، يمكن أن يكون مضاعفاً في أوروبا من أميركا الجنوبية. والقصة للأخيرة في الدور الأول لتأهيلات مونديال البرازيل 2014 كانت الفوز المريح للأوروغواي والاكوادور والأرجنتين وبيرو على أرضهم.

ربما في هذه المرحلة ساهم بعض الأطراف في خسارته. فمع تلهفهم الشديد بالعودة إلى ديارهم وفي جبعتهم النقاط الثلاثة، فإنهم لعبوا بطريقة هجومية مفتوحة أكثر مما كان ينبغي وبذلك جعلوا الأمور سهلة لمضيفيهم.

كانت هذه جزئياً القصة في كيتو، عندما خسرت فنزويلا 2- صفر أمام الاكوادور. صحيح تشكيلة هذا الفريق تكونت من اللاعبين الاحتياط إلى حد كبير، ولكنه كان الوحيد الذي تلقى تدريبات خاصة عن الارتفاعات، لذلك جاءت خسارته بسبب الناحية التكتيكية.

وكان ينبغي أن يكون من الواضح أن تهاجم الاكوادور باستمرار على الجناحين، ولكن فنزويلا، التي طبقت أسلوباً بين 4-2-2-2 وما يشبه أكثر 4-3-2-1 لم تستطع التعامل مع لويس انطونيو فالنسيا على الجناح اليمين أو كريستيان سواريز على اليسار.

ووضعت فنزويلا لاعبين خط وسط متراجعين في وسط الملعب لوقف التمريرات الخطيرة والحاسة للاكوادوري كريستيان نوبوا إلى مساحات واسعة على الجانبين والسيطرة على الجناحين. ومع غزارة فنزويلا، إلا أن الاكوادور سجلت انتصارها حتى قبل نصف ساعة من المباراة.

في زيارتها إلى الأرجنتين، قدمت تشيلي حتى أكثر مثالاُ صارخاً وواضحاً للسيطرة على النقاط القوية لخصمهم.

فقد التزم كلاوديو بورجي، مدرب تشيلي، أسلوب الهجوم بدلاً من التراجع والذود عن مرماه. ربما تحول تفكيره إلى الرغبة في إظهار أنه يمكن أن يكون أكثر جرأة من مارسيلو بيلسا. وبالتأكيد أن بورجي اعترف أنه ذهب بعيداً جداً في اختيار تشكيلته لمباراة بوينس آيرس. فقد اشرك أومبرتو سوازو وموريسيو بينيلا في مركزي رأس الحربة وصانعي ألعاب ماتي فرنانديز وخورخي فالديفيا بالإضافة إلى ماوريسيو إسلا وجان بوسيجور كمهاجمين على الجناحين، تاركاً خط الدفاع عرضة للخطأ باللعب بثلاثة مدافعين وواحداً في خط وسط متراجع.

وكان هذا النوع من التشكيلة التي قد تكون صالحة لآخر عشرين دقيقة من اللعب، إذا كانت تشيلي تطارد المباراة. ولكن اللعب بهذا الأسلوب منذ البداية يعني أن الأرجنتين بالكاد اضطرت إلى أي جهد لخلق الفرص لتسجيل أول أهدافها وتنهي المباراة 4-1 لمصلحتها بكل استحقاق.

هذه هي المباراة التي كانت من الممكن أن تكون الأرجنتين معرضة للهجوم وضعيفة جداً، بعد خيبة أملها عندما اقصيت من الدور ربع النهائي في بطولة كأس أميركا الجنوبية. ولديها الآن المدرب الجديد أليخاندرو سابيلا الذي أجرى تغييرات كثيرة في وقت قصير جداً لغرسها في تشكيلته، علاوة على الإصابات التي لحقت ببعض اللاعبين أثناء التدريب ما أجبرته إلى إعادة النظر في تشكيلته في آخر لحظة.

ولم تستطع تشيلي خلق أي ضغوط، ولم يكن لديها الثقة في قدرتها على وقف الهجوم الأرجنتيني. فلا حرج من السعي إلى أخذ زمام المبادرة. ولكن اللعبة بأهداف قليلة مثل كرة القدم نادراً ما تسمح للفرق بوضع العديد من اللاعبين في خط الهجوم التي ستفقد التوازن بين الهجوم والدفاع.

وواحدة من المزايا الكبيرة مع مثل هذه الحملة الطويلة المدى، هي أن لدى المنتخبات الوقت لتجاهل اليوم السيئ أو استيعاب الدروس من النتائج المخيبة للآمال.

واليوم الثلاثاء وعلى أرضه في الجولة الثانية، فإنه لا شك فيه أن منتخب تشيلي سيهاجم بقوة، ولكن سيقوم بذلك منتخب بيرو أيضاً الذي كان مثيراً للإعجاب يوم الجمعة الماضي والذي نحى أوروغواي جانباً بالفوز عليه 2- صفر.

وهذه مباراة دربي المحيط الهادي، التي نادراً ما تحصل، فإن ترجمة نسخة الأداء الواعد ليوم الجمعة الذي كان ملتهباً، فإنه في خضم التنافس المحلي والحفاظ على صفاء الذهن والابقاء على التوازن بين الهجوم الدفاع ستساعد في تحديد النتيجة.