ما زالت الأبعاد السياسية لما يطلق عليه كثيرون quot;مسلسل توريث الحكمquot; في مصر تسير على دروب متعددة المحاور والاتجاهات من وجهة نظر خبراء ومحللين، وتحظى تلك القضية الشائكة باهتمام واسع من جانب الدول الغربية، التي تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة. ومع بدء العد التنازلي لانتخابات الرئاسة في مصر عام 2011، يتزايد إيقاع التكهنات سخونة، ويتواصل تباين الرؤى في ما يتعلق بهوية الأشخاص الذين يعتزمون ترشيح أنفسهم لخوض غمار المنافسة، وكذلك حظوظهم، وتأثيراتهم المحتملة على الإيقاع الخاص بمجرى العملية السياسية في البلاد.
وفي هذا السياق، تعد اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية تقريراً مطولا ً تحت عنوان quot; الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية يضخ الحياة في السياسة المصريةquot;، وفيه تذهب الصحيفة لتؤكد وتبرز عدة دلالات، أوضحتها التصريحات التي ألمح من خلالها أخيرًا محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حول إمكانية ترشحه لانتخابات الرئاسة المقبلة في مصر، وما رافقها من زوبعة سياسية كبرى لم تشهدها البلاد منذ سنوات. فتقول إن الندم قد يكون المصير الذي ينتظر البرادعي في نهاية المطاف، حيث سرعان ما يتم التعامل مع التحديات القليلة التي تجابه النظام، رغم أن الخطوة التي اتخذها قد ضخّت أملا جديدًا في مناخ البلاد السياسي الراكد.
وبفضل سمة الاحترام التي اكتسبها البرادعي على مستوى العالم وعدم تلطيخ سمعته بأي من قضايا الفساد المتفشية بصورة كبيرة في مصر، رأت الصحيفة أن البرادعي يمكنه أن يكون كذلك أكثر زعماء المعارضة مصداقية في الذاكرة الحيّة لتلك الدولة الحليفة للولايات المتحدة. وبينما تقول الصحيفة إن فرص السماح للبرادعي بخوض غمار المنافسة في الانتخابات تبدو ضئيلة، نتيجة لسلسلة التعديلات الدستورية التي دعمتها الحكومة في عامي 2005 و2007، واقتصر المرشحون من الناحية العملية على الأعضاء البارزين في الحزب الوطني الحاكم أو أعداد قليلة من أحزاب المعارضة الرمزية المحظورة رسمياً، تمضي الصحيفة لتقول إنه حتى وإن ترشح، فإنه سيواجه مرشح الحزب الوطني الحاكم الذي يحظى بدعم موارد الحكومة الواسعة ويتمتع بتأييد وكالات الأمن، تلك الأطراف الأكثر تأثيراً في الانتخابات المصرية.
وتنقل الصحيفة هنا عن المحلل الأميركي المصري الأصل، مايكل حنّا، من مؤسسة القرن في نيويورك، قوله quot; مشاعر الإحباط في مصر هي من هذا القبيل حيث يمكن لشخصية مثل هذه أن تلهم المعنى الحقيقي للمعارضة، حتى وإن كانت مثل هذه المشاعر رفضا ً في المقام الأول للوضع الراهن. إنه شخصية مقنعة للغايةquot;.
هذا وقد سبق للبرادعي أن أكد قبل عدة أسابيع أنه لن يخوض انتخابات الرئاسة إلا إذا توافرت ضمانات بأن تجري الانتخابات بصورة نزيهة، وأن تخضع بصورة تامة للإشراف القضائي، وأن تراقب من قبل المجتمع الدولي. كما عبّر عن رغبته في أن يتم تعديل الدستور لإزالة القيود المفروضة على المؤهلين لخوض غمار المنافسة.
ويأتي هذا في الوقت الذي لم يسمّ فيه الرئيس مبارك خليفة ً له، ولم يسبق أن عين له نائبًا على الإطلاق منذ توليه الرئاسة في عام 1981. كما يعتبر نجله، جمال، العضو الأبرز في الحزب الوطني الديمقراطي ويتوقع له كثيرون أن يخلف والده ndash; وهو الأمر الذي لا يؤيده بالضرورة معظم المصريين، على حد قول الصحيفة.
ويقول محللون إن حالة الغموض التي تكتنف قضية الخلافة في مصر تشكل تهديدا ً على استقرار تلك الدولة التي تعد حليفا وطيدا ً للولايات المتحدة، نظرا ً إلى تزايد السخط الشعبي جراء ارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع الأسعار، والفساد، وبسط وكالات الأمن وزمرة من رجال الأعمال والسياسيين المرتبطين بالنظام قبضتهم على البلاد. وعلى الرغم من حالة الجدل السياسي الواسع الذي أحدثه كشف البرادعي نهاية العام الماضي عن عزمه دخول عالم السياسة، إلا أن بعض المعلّقين ذهبوا للقول إن البرادعي، معسول اللسان، قد يكون أكثر نفعا ً لمصر إذا لم يسع لخوض غمار الانتخابات الرئاسية وصبَّ تركيزه بدلاً من ذلك على خلق حركة شعبية للضغط من أجل الإصلاح.
وبعد استبعاد الصحيفة احتمال التعامل مع البرادعي بالطريقة نفسها التي عادة ً ما يتم إتباعها مع الصحافيين ونشطاء الإصلاح وساسة أحزاب المعارضة، نظراً لقدر الاحترام الذي اكتسبه أثناء قيادته للوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الأوقات الصعبة، يمضي معلقون آخرون للقول إنه (البرادعي) قد يقوم بدور المنقذ، من خلال عمله على تحرير الثمانين مليون مصري مما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه سياسات تنحاز لصالح الأثرياء وتقف ضد الفقراء، بينما يرى فريق آخر من المحللين أنه قد يدفع بالرئيس مبارك، أو خلفه، نحو إدخال إصلاحات حقيقية إلى البلاد.
التعليقات