الصدر: نرفض إستغلال السياسيين للمذهب لتحقيق مكاسب حزبيّة

رفض المرجع الشيعي العراقي حسين إسماعيل الصدر بشدة سلوك بعض رجال الدين المحسوبين على مذهبه في سب صحابة النبي وزوجاته معتبراً ذلك زرعا للفتنة بين المسلمين وثمن موقف شيخ الازهر في رفض تكفير الشيعة مرحبا به في زيارته المرتقبة إلى العراق.


أشار المرجع المرجع الشيعي العراقي آية الله حسين إسماعيل الصدر في حوار مطول أجرته معه quot;إيلافquot; حول السياسة وأزمة الحكومة وسلوك رجال الدين والتجاذب الشيعي السني الى ان اختياره رجال دين سنة معتمدين وممثلين لمرجعيته في عدد من المدن العراقية ينطلق من حاجة الواقع العراقي لان يكون مترابطا في الجانبين الديني او الوطني من خلال الاهتمام بكل التوجهات والمسميات وأوضح انه تجسيدا لذلك فقد قامت مرجعيته بإعادة بناء وترميم الكثير من مساجد السنة في انحاء العراق quot;سواء التي دمرها العدوان الاميركي او العنف الطائفيquot;.. وفي ما يلي الجزء الأخير من الحوار:

** ماهو رأيكم بدور رجال الدين في ظل هذه الفوضى السياسية الراهنة وقبلها العنف الطائفي ثم الفساد.. فهل قاموا باداء دورهم بالشكل المطلوب في مواجهة ذلك وإلى أي مدى نجحوا فيه ؟

المطلوب من العلماء ورجال الدين توضيح ماهو الدين بمعناه الحقيقي البعيد عن كل انواع التطرف ثم أن نؤكد الدين العملي وليس الدين النظري وهذا هو ما نطرحه نحن منذ سنوات بتطبيق الاسلام العملي وليس اسلام الشعارات والنظريات وانما اسلوب حياة له وجود في مفردات الحياة اليومية خصوصا ممن يدعون حمل رسالة دينية.

هناك واجب كبير على العلماء بكل مستوياتهم بحمل الرسالة الاسلامية وحقيقتها الانسانية التي تحمل الخير والحب للجميع.. وبالتأكيد هناك من قدم ولكن كلما نقدم اكثر لرسالتنا الايمانية ولرسالتنا الوطنية العراقية فهو قليل وبحاجة إلى المزيد والافضل.

** ما هو موقفكم كمرجع شيعي مؤثر في سلوك بعض رجال الدين المحسوبين على الشيعة في سب الصحابة وزوجات النبي محمد (ص)؟

إن هذا ليس مقبولاً دينياً ونحن أوضحنا في فتوى شرعية بحرمة سب الصحابة وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم وزوجات الرسول وبوجوب احترامهم وان من يقوم بهذا السلوك يهدف الى زرع الفتنة بين المسلمين وتشويه سمعة الاسلام وصورة المذاهب الاسلامية ككل.. واذا كان هناك من قال او أفتى بهذا فهو بعيد عن الاسلام وعن المذهب ولا يعبر عنهما وانما يعبر عن رأيه الخاص وهو رأي غير صحيح وليس من الاسلام والمذهب بشيء.. وعندما نقول ان هذا السلوك حرام فانه مرفوض بالتأكيد.

** ماهو رأيكم بالموقف الاخير لشيخ الازهر الذي رفض تكفير الشيعة وقال انه يصلي وراءهم وكتابهم هو كتاب المذاهب الاخرى.. وما هو المطلوب لتفعيل هذا الموقف لتحقيق هدف التقارب بين المذاهب الاسلامية؟

إن هذا الموقف ليس غريبا من الازهر الشريف ومن الامام الاكبر الشيخ الدكتور احمد الطيب.. فالازهر دائما هو قمة الايمان والعلم والثقافة والعطاء والعمل من اجل توحيد الكلمة وجمع الشمل ورفض الوقوف بوجه العمل لتفرقة المسلمين على اسس مذهبية او طائفية. ولابد من الاعتزاز بهذا الموقف الكبير المملوء ايمانا وشعورا بالمسؤولية الدينية تجاه المسلمين بكل شرائحهم ومذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم الفقهية.. ولا بد ان نثمن ونحترم ونشد على ايدي شيخ الازهر ونتضامن معه من اجل وحدة المسلمين وتكاتفهم بكل مذاهبهم.. وستسعدنا كثيرا زيارته المرتقبة الى العراق.


** تتميز مرجعيتكم بجعل ممثليها ومعتمديها في المدن العراقية من رجال الدين السنة ايضا بالإضافة الى الشيعة.. ولوحظ في احد اجتماعاتكم الاخيرة لهم انه كان ضمن حوالى 500 معتمد هناك اكثر من مائة من المعتمدين السنة.. فلماذا هذا التوجه وما هو الهدف منه؟

نعم نحن نعتمد ممثلين لمرجعيتنا من السنة والشيعة لاننا نعتقد اننا نمثل الاسلام ونحمل رسالته ونقول ان المذاهب هي طرق الى الله وهي جاءت من اجل التيسير وليس التعسير.. والواقع العراقي بحاجة لان يكون مترابطا ما بين اجزائه سواء في الجانب الديني او الوطني.. ولاننا نشعر بالمسؤولية الدينية الى جانب الوطنية فقد رأينا ان الضرورة تستدعي الاهتمام بكل التوجهات والمسميات ومن هنا فإن في مكتبنا الكثير من علماء السنة في بغداد وبقية المحافظات ونتشرف برعايتهم.. كما ان بعض مدراء مراكز مؤسسات الحوار الانساني في بعض المحافظات هم من الاخوة السنة.

وانا اؤكد عليهم دائما خلال اجتماعاتنا الشهرية معهم ان نطلق تسميات اخرى غير المذهبية او السنة والشيعة ونسميها المدارس الاسلامية.. وهذه اصبحت حالة متفاعلة منذ تحققها في انماء الفكر الديني وليس من اجل تجزئة المتدينين او ابناء الدين الواحد. لذلك نشعر بالمسؤولية تجاه الجميع وتجاه علماء الدين من جميع المدارس. واؤكد ان اهل بيت النبي ليسوا لطائفة معينة وليسوا لمذهب معين وانما هم لكل المسلمين ولكل البشرية.. فالنبي محمد جاء رحمة الى العالمين وابنائه واهل بيته هم لكل العالم.. وكذلك الصحابة ليسوا لفئة او مدرسة دينية او مذهب معين او طائفة معينة بل هم لكل المسلمين ولكل البشرية كذلك.

وانطلاقا من هذا فقد قمنا ببناء مساجد عديدة لاخواننا السنة تضررت بفعل العدوان الاميركي او الطائفي.. فقمنا بإعادة بنائها وترميمها في بغداد ومحافظات البلاد الاخرى.. كما قمنا ببناء مقامات الاولياء الصوفية والتي هي لمذاهب اسلامية اخرى.. فنحن نهتم بكل ما يوحّد ولا يفرق المسلمين.. وهذا واجب ديني ومذهبي.

** لماذا مؤسسة الحوار الانساني في هذا الوقت بالذات وفي لندن على الخصوص وما هو الهدف منها والاساليب التي ستتبع لتحقيق هذه الاهداف؟

ان تأسيس مؤسسة الحوار الانساني في العراق اولا كان ضرورة دينية ودنيوية لان هناك من حاول تمزيق وتشتيت العراق والعراقيين باسم الدين والمذهب والطائفة فكان لزاما ان نعمل لإنشاء هذه المؤسسة لتعريف الاديان والمذاهب بعضها مع البعض الاخر وليس على تغييرها.. ثم حصلت محاولات لتشويه صورة الاسلام وبقية الاديان ومحاولات اخرى لتشويه المذاهب الاسلامية.. فكانت الحاجة ملحة لمؤسسات حوارية ثقافية موضوعية انسانية واختيارنا للندن لإنشاء مركز لمؤسسة الحوار الانساني ينطلق من اعتبارها مركزا فكريا ديمقراطيا وثقافيا متعدد الالوان.. ويمكن لذلك ان نعكس عبرها الرأي الايماني السليم الذي يشمل كل المذاهب.

أما تحقيق هذه الاهداف فسيتم عن طريق عقد لقاءات وندوات وحوارات منتظمة وإصدار نشريات وكتيبات لتأكيد واشاعة مفهوم وثقافة الحوار والتلاقي بين الجميع. نحن في العراق لدينا علاقات واسعة مع ابناء كل الديانات والطوائف والمذاهب وكل المستويات المدنية والعشائرية والثقافية والنسائية والشبابية وهو ما سنكرسه هنا في لندن ايضا.

** كيف تردون على المخاوف من ان يتحول المركز الى مهمة واحدة تقتصر على نشر مفاهيم المذهب الشيعي وليس تعميق الحوارات والتفاهمات بين مختلف المذاهب والاديان والثقافات؟

ان عملي وما اقدمه وما قدمته خلال سنوات مضت بعيدا كل البعد عن اي فكر احادي او مذهبي دعائي او طائفي.. وإذا كان هذا عملي في العراق فمن المؤكد انه سيكون كذلك خارجه وهنا من لندن المنفتحة على العالم.. وهناك اجتماعات مستمرة لممثلي كل الاديان والمذاهب والثقافات لحوارات علمية عربية واجنبية من كل التوجهات وهو امر سنستمر به ونطوره باستمرار لصالح الجميع.

وكان الصدر قد أطلق من لندن الاسبوع الماضي مؤسسة الحوار الانساني لتأخذ على عاتقها التواصل مع الجالية العراقية والعربية واغناء اواصر التفاهم والتعاون مع المجتمع البريطاني من أجل إبراز الجانب الانساني للعراق وتعزيزه بالحوار والعمل المشترك.

وقال لدى افتتاحه مقر المؤسسة بحضور نخبة من المفكرين والمثقفين والسياسيين والبرلمانيين العراقيين والبريطانيين ان هذه المؤسسة ستأخذ على عاتقها مهمة نشر ثقافة الحوار بين مختلف المكونات الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية والمذهبية وترسيخ مبدأ قبول الاخر وفهم طروحاته مهما اختلفت معه المواقف ووجهات النظر.

وأضاف المرجع الصدر ان هذه المؤسسة واحدة من اهم المؤسسات التي يتم افتتاحها خارج العراق مشيرا الى انها ستعمل بجد وبكل ما تملك من امكانات من اجل نشر واشاعة ثقافة الحوار الفطري بين مختلف الثقافات والمجتمعات.

وأشار إلى أن مؤسسة الحوار غير منحازة لاي جهة عدا انحيازها للحوار موضحا انها ليست للدعاية او الربح المادي quot;لان ربحها الوحيد هو ضمير الانسان وثقافتهquot;. وقال ان المؤسسة تؤمن بالحوار الذي يؤدي الى تقريب الاراء واحترامها quot;فهي ليست مؤسسة مبنية على اساس ديني او مذهبي او فكري معين سوى فكر الحوار الذي يحترم الانسان ويطوره وينمي قابلياته وقدراته في مختلف المجالات الانسانيةquot;.

وأكد آية الله الصدر ان مؤسسة الحوار الانساني تعنى بكل الاطياف والمذاهب والتوجهات وقال ان اختلاف الرأي الاخر يشكل انماء في الواقع الفكري والثقافي وخصوصاً الواقع العراقي الذي كان وما زال يجمع كل الافكار والتوجهات والمذاهب وهذا ما يعطيه جمالاً مشرقاً. وأشار إلى أن المؤسسة ستتولى تنظيم النشاطات الخيرية والندوات الثقافية والفكرية وللتواصل مع الجالية العراقية والعربية واغناء اواصر التفاهم والتعاون مع المجتمع البريطاني من اجل ابراز الجانب الانساني للعراق وتعزيزه بالحوار والعمل المشترك.