رفض المرجع الشيعي العراقي آية الله حسين إسماعيل الصدر بشدة سلوك بعض السياسيين العراقيين في استغلال المذهب وأتباعه للحصول على مكاسب ذاتية و حزبية والقى بالمسؤولية على المحاصصة السياسية في الأزمة التي تشهدها بلاده وشدد في حوار مطول أجرته معه quot;إيلافquot; حول السياسة والدين والتجاذب الشيعي السني على معارضة تشكيل الحكومة بتأثير خارجي مؤكدا ان القرار بذلك يجب أن يكون عراقياً وطنياً.

استبعد المرجع الشيعي العراقي حسين إسماعيل الصدر الذي اقتتح في لندن قبل ايام مقرا لمؤسسة الحوار الانساني التي يترأسها ان تؤدي الازمة السياسية الحالية في العراق الى عودة العنف الطائفي وقال انه يرى ان هناك الان نضج لدى الشعب العراقي اكثر مما كان قبل سنوات برغم وجود بعض السياسيين يحاولون اثارة ذلك.. وفيما يلي الجزء السياسي من الحوار فيما ننشر غدا الجزء الثاني المتعلق بموقف المرجع الصدر من قيام البعض بسب الصحابة وزوجات النبي وآرائه في دور الدين والتجاذبات المذهبية والطائفية وتأثيراتها على وحدة المسلمين وأهداف مؤسسة الحوار الانساني:

** ماهي برأيكم الاسباب التي تقف وراء الفساد المالي والاداري الذي يتصف به الوضع العراقي وتاثير ذلك على بناء العراق الجديد؟

... ان هذه اكبر المآسي التي يعيشها العراق وقد حصلت نتيجة وضع الاشخاص غير المناسبين في مراكز معينة بينما المطلوب هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. اي الذي يمتلك الخبرة والمهنية مع وطنيته ونزاهته.. أما اذا كان غير قادر على ذلك ولا يملك القدرة فأنه بالتأكيد سيقع في مشاكل مالية كثيرة قد تجره الى سلوكيات غير نزيهة وبالنتيجة فأان المنصب هو محك للاشخاص فأما ينجح صاحبه او يفشل.

** كيف تنظرون الى الازمة السياسية الحالية الناتجة عن الخلافات بين الكتل السياسية وفشلها في تشكيل الحكومة الجديدة برغم مرور الشهر الثامن على الانتخابات النيابية الاخيرة التي شهدها العراق؟

... ان السبب الاكبر للازمة السياسية الراهنة هو مبدأ المحاصصة الذي عمل به لاقامة الوضع العراقي الحالي.. وهو مبدأ غير سليم فكان المطلوب والمفروض ان يكون الاساس في تشكيل الوضع الجديد هو الوطنية والانتماء للبلد والكفاءة والنزاهة وليس الانتماء الحزبي او الطائفي او المذهبي أو الجهوي.. اذا فالسبب في كل هذه الاوضاع التي يمر بها العراق هو المحاصصة التي اربكت الوضع السياسي.. لكنه في مواجهة ذلك وبمقدار ما ننجح بتحرير العراق من المحاصصة السياسية نكون قد خدمنا الوضع العراقي وتمكنا من الوصول الى حل للازمة السياسية الحكومية الحالية.

** ماهو موقفكم من سلوك بعض السياسيين العراقيين في استغلال المذهب وأتباعه للحصول على مكاسب ذاتية او حزبية ؟

... نحن نكرر ونقول ان من سيس الدين فقد اهانه ومن سيس المذهب فقد اساء اليه ومن يحاول ان يتاجر بأسم الدين فأنه يسئ اليه وبالنتيجة يسئ الى دوره ومهماته والى بلده.. والمفروض ان من يعمل لخدمة شعبه لايتاجر بالمذهب.. والمطلوب ان يكون السياسي وطنيا وولاءه الى العراق ولا بأس ان يعتز بدينه او بمذهبه او بقوميته ولكن لابد ان تكون الوطنية فوق كل شئ.. والعراق اولا وثانيا وثالثا.. وان تكون مصلحته ارضا وشعبا هي فوق المقدمة.

الحقيقة لو ان السياسي يحمل ثقافة موسوعية سليمة لعرف ان العمل للعراق هو ايضا عمل للدين والمذهب ولبقية الاديان والمذاهب.. وحين عمله لحزبه ومذهبه ودينه فقط فستكون وطنيته منقوصة ومجزأة وغير كاملة. فالمطلوب ليس من السياسي وحده وانما من الجميع وان كان من السياسي اكثر ان يكون وطنيا منتميا للعراق وولائه له بالكامل ولكل شبر من ترابه ولكل فرد من ابنائه سواء كان من هذا الدين او ذاك من هذا المذهب او الاخر.. او من القومية الاخرى.

*** ما هو موقفكم من السياسيين العراقيين الذين يجولون دول الجوار والمنطقة بحثا عن تأييد كل منهم لتشكيله الحكومة المقبلة؟

... ان تأكيد العلاقات الطيبة مع دول الجوار وتمتينها وكذلك مع الدول العربية والاخرى في مختلف انحاء العالم يجب ان تكون قوية.. اما ان يكون القرار العراقي هو من خارج حدود البلاد فهو غير مقبول ولا يرضي به العراقيون ولا اي وطني.. ومع احترام سيادة الدول الاخرى فأن على هذه الدول احترام سيادة العراق وعدم التدخل بشؤونه او التاثير على قراره الوطني.

** نلاحظ ان جولات السياسيين على الدول الاخرى تمر في معظم الاحيان من دون انتقادات ولكنها عندما تصل الى السعودية فأن هناك من يهاجمها ويقف ضدها.. فهل تعتقدون ان ذلك سببه خلفيات فكرية او مذهبية او اجندات سياسية خاصة؟

... من المؤكد ان لبعض السياسيين اجندات معينة وهذه الاجندات تتدخل في قراراتهم وعلاقاتهم وتصريحاتهم.. ولكن يبقى تأكيد العلاقة مع كل الدول العربية سواء السعودية او الاخرى العربية وكذا مع جميع الدول المجاورة يجب ان تقوم على اساس الاحترام المتبادل للسيادة.. وان لا تكون نظرتنا لهذه العلاقات وبنائها على اساس مذهبي او طائفي او حزبي وانما على اساس مصلحة العراق ووحدته وقوته وسيادته وسلامة شعبه.

** تعرض العراق لاحتلال اميركي نتج عنه تدخل ايراني سافر في شؤونه الداخلية.. كيف تنظرون الى السبيل للخروج من تبعات ذلك وتحقيق سيادة البلاد الحقيقية؟

... نحن بحاجة الى تأكيد ثقافة الوطنية.. والعراق عاش لفترة طويلة مشرع الحدود مما سبب تدخل كثير من البلدان الاخرى في شؤونه.. فلذا نحن بحاجة لنكون قادرين على منع تمييع هويتنا العراقية سواء كان ذلك نتيجة الاحتلال او التدخلات الخارجية من هنا وهناك.

** الى اي مدى تتخوفون في ظل الازمة السياسية الحالية من عودة العنف الطائفي بين العراقيين مثلما حدث عام 2006؟

... بشكل عام ارى ان هناك الان نضج لدى الشعب العراقي اكثر مما كان قبل سنوات ولهذا فان الوضع العراقي بعيد الان عن امكانية العودة الى قبل سنوات والى المشاكل الطائفية.. لكن يؤسفني ان هناك بعض السياسيين يحاولون اثارة ذلك.. غير اني اقول ان الوعي الوطني العراقي الان هو اقوى مما كان قبل سنوات ومن هنا اشعر ان العراق بعيد عن تجدد المشكلة الطائفية.

** ماهي برأيكم الاسباب التي تقف وراء الفساد المالي والاداري الذي يتصف به الوضع العراقي وتاثير ذلك على بناء العراق الجديد؟

... ان هذه اكبر المآسي التي يعيشها العراق وقد حصلت نتيجة وضع الاشخاص غير المناسبين في مراكز معينة بينما المطلوب هو وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. اي الذي يمتلك الخبرة والمهنية مع وطنيته ونزاهته.. أما اذا كان غير قادر على ذلك ولا يملك القدرة فأنه بالتأكيد سيقع في مشاكل مالية كثيرة قد تجره الى سلوكيات غير نزيهة وبالنتيجة فأان المنصب هو محك للاشخاص فأما ينجح صاحبه او يفشل.

آية الله الصدر.. سيرة ذاتية

آية الله حسين إسماعيل الصدررجل دين يحظى بأحترام السنة والشيعة فهو يشدد دائما على ان وطنيته اكبر من مذهبيته وإنتمائه للعراق أقوى من إنتمائه لطائفته. وهو يعتبر من قلائل علماء الدين ممن يصلي خلفه سنة وشيعة لانفتاحه على الاخر من دون تعصب او تحزب. ويقول العارفون به ان لونه عراقي ومذهبه إسلامي فلم يقتصر دوره على الجانب الوعظي والافتائي فحسب بل تعداه الى الاجتماعي والثقافي أيضا اضافة الى الدور الاسلامي.

وقد انبرى الصدر لمهمة تثقيف شرائح المجتمع وتعويضها عما فقدته من ثقافة وفكر منفتح خلال الحقب الماضية فدأب على تأسيس شبكة من المراكز الثقافية التوعوية في معظم محافظات العراق متيحاً الفرص أمام الشباب والشابات لسدّ عوزهم الثقافي والفكري عن طريق هذه المؤسسات.

وللمرجع الصدر قناة فضائية تحمل اسم quot;السلامquot; ومراكز تنتشر حول العالم باسم الحوار إضافة إلى دوريات ومطبوعات منتظمة كما تشرف مؤسساته على عشرات المراكز والمعاهد التعليمية للبنات خاصة ومن ثم الأولاد يتعلمون فيها استخدام الكومبيوتر والرسم وفن الإلقاء والعلوم والخط واللغة الانكليزية والنجارة والخياطة والأداء الصوتي والحدادة والميكانيك.. بالإضافة إلى المراكز الصحية وملاجئ الأيتام والكليات ومراكز رعاية النساء والمعاقين انطلاقا من نظرته الى العراقيين التي يقول دائما انهم quot;متساون في كل الحقوق لا فرق بين مسلم وغير مسلم أو بين سني وشيعي أو بين عربي وغير عربي.

وتتميز مرجعية آية الله الصدر بانفتاحها الفكري والاعلامي حيث كان للحرب الاخيرة التي شهدها العراق في نيسان (ابريل) عام 2003 وما تلاها من متاعب فترة عصيبة على الشعب دافعا له للمبادرة بجمع وجهاء وأعيان مدينة الكاظمية quot;في ضواحي بغداد الشمالية quot;بالاضافة الى جمع كبير من الشباب الواعي حيث تمت حماية المدينة من أية وغير مسؤولة. كما اصدر الصدر العديد من الفتاوى بتحريم ممارسة القتل أو إيذاء أي شخص كان يعمل مع النظام السابق.. وقد تم جمع الكثير من أنواع الأسلحة والأعتدة والاحتفاظ بها لحين استقرار الوضع وتسليمها لأجهزة الدّولة المختصّة.. كما تم وضع الحراسات على مرقدي الإمامين موسى بن جعفر ومحمد الجواد في الكاظمية كأجراء احتياطي.

ثم تواصل أية الله الصدر مع شيوخ العشائر ومع مختلف أطياف الشعب العراقي الاخرى لغرض تنسيق وتنظيم هذا التواصل فقام بتأسيس مؤسسة الحوار الإنساني في محافظة بغداد وفتح لها فروعا في جميع محافظات العراق حيث تمّ عقد الكثير من المؤتمرات التي ساهمت بشكل فاعل ومؤثر في تقريب وجهات النظر بين الشيعة والسنة والفرقاء السياسيين وتقديم رؤية جديدة لمعالجة الواقع العراقي خلال فترة العنف الطائفي التي تفجرت عام 2006 حيث لا يزال هذا النشاط مستمراً في هذا الاتجاه.