جاءت اتهامات التجسّس الجديدة الصادرة عن صحافيين فرنسيين ألفا كتابا يشير إلى إمكانية تورط الرئيس الفرنسيّ في مقتل 11 فرنسيا في كراتشي الباكستانية منذ أعوام، لتنظمّ إلى اتهامات مماثلة وجهت إلى ساركوزي بالتجسس على الصحف في أعقاب الكشف عن فضيحة الفساد (بيتانكور).
باريس: quot;بمجرد ما يشرع الصحفي في انجاز تحقيق يُحرج رئيس الجمهورية أو أحد أقاربه، فإنّ الرئيس نيكولا ساركوزي يبادر بإصدار أوامره للسيد بيرنار سكارسيني ـ مدير الاستخبارات الفرنسية ـ بمراقبة تحركات ذات الصحفي والتعرف على مصادرهquot;.
قد تكون هذه الكلمات التي خطها رئيس تحرير الصحيفة الأسبوعية الفرنسية quot;لُوكَانَار اونْشِينيquot; الصحافي كلود غينو في العدد الأخير، بداية فضيحة جديدة ستلاحق الرئيس الفرنسيّ وتسبب له المتاعب، وهو الذي لم يتخلص يوما من المتاعب منذ توليه سدة الحكم في فرنسا.
قد يعجز كثيرون عن تصديق هذا الأمر لأنه لم يحصل في إحدى دول العالم الثالث، بل في جمهورية تعتبر مهدا للديمقراطية وحرية التعبير، لكن الواضح أن الاتهامات التي وجهت للرئيس الفرنسي لم تصدر فحسب عن quot;لُوكَانَار اونْشِينيquot; التي اتهمته بأنه quot; يشرف شخصيا على عمليات التجسس وتتبع العديد من الصحافيينquot;، فمعظم الصحف الصادرة الخميس والجمعة وضعت نقاط استفهام ضخمة حول هذه الاتهامات وطالبت بمعرفة حقيقة هذه الأحداث quot;الغريبةquot;.
وقالت الصحيفة التي بات يعرف عنها quot;ملاحقتهاquot; لساركوزي أن الإدارة المركزية للمخابرات الداخلية جندت فرقة خاصة تهتم برصد مصادر العديد من الصحافيينquot; ولهذا الغرض، تقول الصحيفة quot;أول ما تقوم به الفرقة، هو الإطلاع على البيانات المفصلة للمكالمات الهاتفية للصحافيين لمعرفة مصادرهمquot;.
وأشارت الأسبوعية الفرنسيّة في هذا السياق إلى الشكوى التي تقدم بها وزير الخارجية quot;برنار كوشنيرquot; ضد المجهول لمعرفة مصادر الصحيفة quot;لُوكَانَار اونْشِينيquot; قائلة: quot;تم استدعاء عدد كبير من موظفي وزارة الخارجية إلى مقر الإدارة المركزية للمخابرات الداخلية من اجل التحقيقquot;.
وذكّرت الأسبوعية بحالة صحافيي جريدتي quot;لو موندquot; و quot;ميديا بارquot; الذين تم الإطلاع على البيانات المفصلة لمكالماتهم الهاتفية ـ دون أدنى احترام للقانون ـ في ما بات يعرف بقضية quot; بيتونكورquot;.
ويتزامن هذا الجدل حول قضية التجسّس على الصحافيين مع اتهامات جديدة أوردها صحافيان يعملان مع موقع quot;ميديا بارquot; الإخباريّ الفرنسيّ بتعرضهما للتجسس من طرف الاستعلامات عندما كان يجريان تحقيقا في كراتشي الباكستانية عن قضية ذكر فيها اسم الرئيس الفرنسيّ.
الصحافيان فابريس لوم وفابريس أرفي تعرّضا لملاحقة الاستخبارات الفرنسية لدى استقصائهما للمعلومات في قضية كاراتشي |
وأثناء إعداد الكاتبان الصحافيان فابريس لوم وفابريس أرفي وهما محرران بموقع ميديا بار، لكتابهما quot;الصفقة: كراتشي، القضية التي يتمني ساركوزي نسيانها quot;والذي يكشف أحداثا ووقائع جديدة وخطيرة في قضية تتعلق بالأمن القومي الفرنسي مرت عليها سنوات، كشف الكاتبان عن تعرضهما للملاحقة عندما حاولا الاتصال ببعض مصادرهما في كارتشي الباكستانية، ومن ذلك تعقب مكالماتهما الهاتفيّة وطرق الوصول إلى المصادر التي تحدثوا إليها ومضايقات أخرى.
ويتحدث الكتاب الذي يندرج ضمن الصحافة الاستقصائيّة عن عملية كاراتشي الإرهابية التي مضى عنها قرابة الثماني سنوات وذكرا فيه أنّ quot; الصدفة تكشف عن تورط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في مقتل 11 مهندسا بحريا في صفقة سرية للأسلحة في باكستانquot;.
وتتحدث تقارير صحافية فرنسية نشرت مقتطفات من الكتاب عن مقتل 11 مهندسا وفنيا فرنسيا من إدارة الإنشاءات البحرية بعد تفجر الحافلة التي كانت تقلهم أثناء مهمة لبناء غواصات باكستانية في عملية إرهابية دامية.
ورغم أنّ تنظيم القاعدة أعلن حينها مسئوليته عن العملية وتولت الحكومة الفرنسية التحقيقات الرسمية والتقليدية في القضية، إلا أنّ قضية كراتشي عادت لتبرز من جديد على أعمدة الصحافة الفرنسية بمعلومات واتهامات خطيرة ضدّ رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي.
ويرى الصحافيان اللذان اشتكيا من التجسس والمضايقة، إنه وفي إطار التحقيق في قضية تجسس رقمية في إدارة الإنشاءات البحرية في بدايات العام الحالي،اكتشف القضاة أن المهندسين والفنيين الذين قتلوا في كراتشي كانوا هناك لتنفيذ صفقة تسليح سرية تحت إشراف حكومة رئيس الوزراء آنذاك إدوار بلادور بقيمة 825 مليون يورو.
واستبعد قضاة التحقيق أن تكون عملية إرهابية هي التي أودت بحياة الـ11 فرنسياً في باكستان أو أن هذا الهجوم جزء من حملة تنظيم القاعدة علي المصالح الغربية، بل كانت عملية انتقامية جاءت نتيجة صراع داخلي بين سياسيي التيار اليميني الفرنسي، وسياسيين باكستانيين لعب فيها الرئيس الفرنسي علي ما يبدو دورا رئيسيا.
وموقع quot;ميديا بارquot; الذي اشتغل صحافيوه على قضية كاراتشي، هو ذاته الذي كشف فضيحة quot;بيتانكورquot; الشهيرة العام الجاري، وزعمت إدارة الموقع أنه في الليلة الفاصلة بين 7 و8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سُرقت أقراص مدمجة من مكاتبه تحتوي على تسجيلات سرية لبيتانكور اعتمد عليها لفضح جزء أساسي من القضية التي حملت اسم أغنى امرأة في فرنسا اتهمت مؤخرا بالتسبب في فضيحة فساد تتعلق بها وبوزير العمل الفرنسي الحالي إريك وورث والرئيس نيكولا ساركوزي.
يشار إلى أنّ قانون الصحافة الفرنسي الصادر في 29 يوليو 1881 والذي تم تعديله في يناير 2010 يضمن للصحافي حق حماية مصادره أمام أي مضايقات قضائية قد يتعرض لها إلا في حالة الأخبار التي قد تؤدي إلى ضرر بالمصلحة العامة.
وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد قضت في 14 سبتمبر/ تشرين الأّول الماضي بعدم أحقية الشرطة في تفتيش مباني وسائل الإعلام أو الاستيلاء على المادة الصحافية، وهو ما يعني حق وسائل الإعلام الأساسي في حماية سرية المصادر من أجل ضمان حق المواطنين في المعرفة.
يشار إلى أنّ جدل التجسس على الصحافيين الفرنسيين احتدم مؤخرا بعد صدور معلومات مشابهة تتحدث عن مضايقة صحافيين مهتمين بفضيحة quot;بيتانكورquot;.
واتهم إعلاميون الاستخبارات الفرنسية بعد أن سرقت منهم بعض الوثائق والتسجيلات واختفت بعض أجهزة الكومبيوتر الخاصة بهم، على غرار جيرار دافي من صحيفة quot;لو موندquot; الشهيرة وإيرفيه غاتينيو من صحيفة quot;لو بوانquot; وآخرون من موقع quot;ميديابارquot;
التعليقات