رئيس الوزراء التركي مصافحًا الرئيس الأميركي باراك أوباما

تَسبَّب إنتهاج تركيا لسياسة خارجية حازمة وتقرّبها من الحكومات غير الغربية بزيادة القلق الأميركيّ والأوروبيّ. وقد أظهر تقرير أنّ قرارات أنقرة تعكس طموحاتها وتطلّعاتها الإقتصادية أكثر من رفضها للسياسات الغربيّة.


قالت تقارير صحافية إن انتهاج تركيا لسياسة خارجية تتسم بالحزم، بالتزامن مع تزايد انفتاحها على الحكومات غير الغربية، وأبرزها إيران، خطوات قد تسببت في تنامي مشاعر القلق داخل الولايات المتحدة وأوروبا. لكن تقرير نشرته اليوم في هذا السياق صحيفة quot;لوس أنغلوس تايمزquot; الأميركية أوضح أن أنقرة تتخذ قراراتها بدافع ما يراودها من طموحات وتطلعات اقتصادية أكثر من رفضها للسياسات الغربية.

وبينما تسعى لأن تصبح قوة إقليمية وعنصرًا فاعلاً على الساحة الدولية، بدأت تعتمد تركيا بشكل كبير على مزاياها الجغرافية والسياسية، وقوّتها الاقتصادية، وروابطها الثقافية والتاريخية مع العالم الإسلامي. وأفادت الصحيفة في هذا الجانب بأن البلاد، المُصنَّفة حاليًّا في المرتبة السادسة عشر بقائمة أقوى الكيانات الاقتصادية في العالم، تسعى الآن لأن تكون من بين أكبر عشر اقتصادات بحلول العام 2023.

ورأت الصحيفة أيضًا أن إقدام تركيا على فتح أسواق جديدة، وتعزيز تواجدها بالأسواق القائمة، وتحقيقها أقصى استفادة ممكنة من الفرص التجارية، أمر يعمل في الوقت ذاته كذلك على دفع السياسة الخارجية التركية. ومضت تقول إن الاقتصاد التركي من النوع الذي يعتمد على الصادرات، كما أن الشركات التركية تسعى لأن تحظى بدعم الحكومة بغية اقتحام الأسواق الجديدة. وهو ما دفع أخيرًا برئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إلى اتخاذ قرار يعني باستخدام دعم تركيا لإيران بمجلس الأمن في تحسين العلاقات التجارية بين الدولتين، موجّهًا الدعوة إلى زيادة التجارة المتبادلة بمقدار ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس المقبلة.

وليس مستغربًا، وفقًا لما ذكرته الصحيفة، أن يشعر صناع القرار في واشنطن بالقلق من احتمالية انجراف تركيا نحو الشرق، وتعمل بالتالي ضد مصالح الولايات المتحدة. لكن الحقيقة التي أكدت عليها لوس أنغلوس تايمز هي أن تركيا ليست ماضية إلى أي مكان. ولفتت في هذا الشأن إلى أن الوضعية التي تحظى بها تركيا حاليًّا في المنطقة ستعاني كثيرًا إذا ما نُظِر إليها من منطلق أن علاقاتها بواشنطن تتعرض لحالة من الانهيار. والحقيقة الواضحة هي أن كلا الدولتين بحاجة إلى بعضهما البعض.

ونوّهت الصحيفة الأميركية أيضاً إلى أن مشكلتهم الأساسية هي الفجوة الحاصلة في سبل الاتصال بينهم. فبرغم أن الولايات المتحدة مطالبة بأن تتكيف مع الحقيقة التي تقول إن تركيا تخضع في الواقع لسيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن أنقرة مطالبة بأن تتعامل مع الولايات المتحدة، التي وباعتبارها قوة عالمية، لديها العديد من المصالح في الأماكن البعيدة ولا تركز فقط على المنطقة التي تتواجد بها تركيا.

وشددت الصحيفة في السياق عينه على ضرورة تقبل الولايات المتحدة لذلك التحول الداخلي الذي تشهده تركيا وكيف يمكن لذلك أن يُظهِر نفسه بوضوح عبر العلاقات الثنائية. فالأتراك من جانبهم دائماً ما يظهرون نهجاً بدائياً وتآمرياً تجاه واشنطن، ما جعلهم يسيئون فهم وتفسير المصالح الأميركية. وهو ما تجلى بوضوح خلال الأزمة الأخيرة التي نشبت بشأن جهود الوساطة التي تبذلها تركيا والبرازيل في ما يتعلق ببرنامج إيران النووي. فأنقرة أخطأت تمامًا في قراءة المخاوف التي تنتاب إدارة أوباما بشأن جهود مكافحة انتشار السلاح النووي، ورغبتها في خفض عدد الأسلحة النووية والتوقيع على اتفاقية ستارت ( المعنية بخفض الأسلحة النووية ) مع روسيا.

وأوضحت الصحيفة أن تفاقم العلاقات مع واشنطن أمر لن يساعد رئيس الوزراء التركي بشكل عام، في الوقت الذي يبحث فيه الناخبون الأتراك عن قيادة تكون أقل نضالية، و أكثر نضجًا، وأكثر إيجابيّة في نهج سياستها الخارجية. وهي الطريقة التي أكّدت الصحيفة على أنها ستُوَاجَه بالترحاب الشديد من قبل الدول الأوروبية كذلك.

وفي الختام، عبرت الصحيفة عن اعتقادها بأنه إذا ما استمرت تركيا في نهج أسلوب الإصلاح، وسعت لحل المشاكل الفاضحة، وقامت بتغيير سياستها الداخلية، لتصبح أكثر تسامحًا ولتقاوم النزعات الاستبدادية التي تأتي بشكل طبيعي إلى الحكومة وقادة الحزب، فإنها ستكون في وضعية أفضل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عندما يحين الوقت. وفي الوقت الذي يُحتَمل أن تستغرق فيه عملية الانضمام هذه 20 عامًا أو أكثر، فإنه من مصلحة تركيا أن تبدأ من الآن بمعالجة تلك القضايا.