بُعيد تراجع الصّحافة المصريّة اليوميّة عن دعم الدكتور البرادعي رئيس الجمعيّة الوطنيّة للتّغيير، استفاق مؤيّدو الرّجل على حملة جديدة قادتها الصّحافة القوميّة ضد الرجل وجماعة الأخوان المسلمين، الأمر الذي اعتبرته الاكثرية هجومًا منظّمًا.


على الرّغم من أنّ التّحالف بين الدّكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيس الجمعية الوطنية للتغيير وجماعة الأخوان المسلمين المحظورة بحكم القانون المصري ليس بجديد على الساحة السياسية، إذ إنه بدأ فور عودة البرادعي من فيينا حيث كان من ضمن مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير الدكتور محمد الكتاتني القيادي الأخواني البارز وعضو مجلس الشعب السابق عن الجماعة وتبعه زيارة البرادعي لمقر مكتب الإرشاد والإعلان عن بدء الأخوان جمع التوقيعات علي بيان التغيير من خلال بوابة خاصة بهم تجاوز عدد الموقعين من خلالها أكثر من 700 ألف شخص، إلا أنّ الصّحافة القومية في مصر تعاملت خلال الاونة الاخيرة مع هذا التحالف بشكل مغاير لما كان عليه في السابق، مما جعل المتابعين للمشهد السياسي والاعلامي في القاهرة يعتبرونه تحوّلًا مفصليًّا في موقف آلة الاعلام المصرية من البرادعي والاخوان.

البرادعي الذي هاجمته الصحف القومية فور إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة في تشرين الثاني/نوفمبر 2009، واتهمته بازدواج الجنسية وعدم معرفة شيء عن مصر بسبب ظروف عمله التي أجبرته على الإقامة خارج مصر لأكثر من 30 عامًا، استأنفت حملة الهجوم عليه بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي دعى البرادعي إلى مقاطعتها ولم تفلح دعوت،ه حيث شاركت الأحزاب السياسية عدا حزبي الجبهة الديمقراطية والغد جبهة أيمن نور في الانتخابات فيما خاضت جماعة الأخوان وحزب الوفد الانتخابات قبل أن يعلنوا انسحابهم من جولة الإعادة.

وإن كان هجوم الصحف والمؤسسات القومية علي البرادعي هو الثالث بعد إعلانه الترشح إلى الرئاسة والتضامن مع قضية مقتل الشاب السكندري خالد سعيد والمعروف إعلاميًا بـquot;شهيد الطوارئquot;، إذ يأتيبحسب أنصار البرادعي منظمًا ومتزامنًا مع صحف ومجلات فقدت مصداقيتها في الشارع المصري _على حد تعبير نشطاء حملة دعم البرادعي ومطالب التغيير.

ونشرت مجلة المصور في عددها الأخير الصادر بتاريخ الأربعاء الماضي صورة مركبة للبرادعي تتضمن زي الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ووجه البرادعي وكتب على صدر غلاف العدد quot;أية الأخوان العظمي محمد مصطفي البرادعيquot; وداخل العدد خصصت المجلة 8 صفحات للهجوم على البرادعي كانت من نصيب رئيس التحرير الكاتب الصحافي حمدي رزق وعضو مجلس الشعب بالتعيين جمال أسعد والكاتب عبد القادر شعيب.

أما جريدة الجمهورية التي تعتبر البرادعي عدوها اللدود فأفردت في عددها الصادر أمس الخميس الصفحة الأولى بأكملها لانتقاد زيارة البرادعي لمحافظة المنيا في صعيد مصر، والتي قام بها مطلع الأسبوع الجاري. وكتب رئيس التحرير مانشيت الصفحة الأولى بعنوان quot;تحالف الأخوان والأقباط ومؤامرة المنياquot; وتبعه بصورة البرادعي.

الصورة الوردية

وقال عبد الجليل مصطفي المنسق العام للجمعية الوطنية للتغيير لـ quot;إيلافquot; إن الصحف القومية لم يعد لها قارئ يثق بها الآن بسبب ما ترتكبه من quot;حماقاتquot;، لافتا إلي أن صورة الأهرام التعبيرية التي تظهر الرئيس مبارك في مقدمة من يقودون عملية السلام تعتبر كارثة علي مؤسسة تعتبر أعرق المؤسسات الصحافية المصرية.

وأكد علي أن هذه الصحافة تتلقى تعليماتها من النظام الذي يفتقد المصداقية، لذا فإنه من الطبيعي أن تهاجم رجل افتخرت به خلال عمله في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعد منحه جائزة نوبل للسلام حيث كرمه الرئيس مبارك.

وشدد على أن مهاجمة هذه الصحف للدكتور البرادعي وأي من الحركات السياسية باتت بلا تأثير لأن هذه الصحف تعرف أن ليس لها قارئ وأرقام توزيعها في تراجع مستمر بخلاف أن الناس باتت لديها حاجة ملحة في التغيير لذا لم تعد تقنع بالصورة الوردية التي ترسمها هذه الصحف.

حرية صحافة

ورفض القيادي بالحزب الوطني الحاكم ورئيس تحرير مجلة أكتوبر الكاتب الصحافي مجدي الدقاق اعتبار ما نشر في الصحف القومية هجوم أو مؤامرة علي البرادعي والأخوان، مؤكدا أن ما يحدث هو حرية الصحافة المصرية التي يجب أن نحترمها.

وقال الدقاق لـquot;إيلافquot; إن هناك صحف لها موقف من تصريحات البرادعي ومعادية لما يفعله وهذا حقها وهناك صحف لا تزال تهتم به وتدافع عنه وعن مبادئه وهذه الصحف أيضًا يجب أن تحترم، لافتًا إلى أن عددًا من الصحف القومية كتبت بشكل إيجابي عن البرادعي وانتقدت فقط عدم دخوله إلى الحياة السياسية من بابها الشرعي وليس من الأبواب الخلفية كما فعل هو.

ولفت إلى أن البرادعي يتعامل مع المصريين كسائح فخلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم يكن للبرادعي وجود في مصر وغاب عنها وبعد ذلك فوجئنا به يكرر أحاديثه عن إسقاط النظام السياسي والعصيان المدني، لذا من حق أي كاتب صحافي أن يهاجمه أو يتفق معه، الأمر نفسه يرتبط بجماعة الأخوان وهو تنظيم يعتبر معادي للديمقراطية ndash; في وجهة نظري - لذا تجد أن الصحف الحزبية أيضا مثل الوفد والأهالي تهاجمهم وليس من المعقول في هذه الحالة أن نقول إن الحكومة أوعزت لها بمهاجمة البرادعي والأخوان، مؤكدًا أن كل ما نشر يأتي في إطار متابعة للتطور السياسي الذي يحدث في مصر.

نمط الملكية

من جهته اعتبر هشام عطية أستاذ الصحافة المصرية بكلية الإعلام جامعة القاهرة في حديثه لـquot;إيلافquot; أن ما يحدث من قبل الصحف القومية أمر طبيعي ومتوقع بسبب نمط ملكيتها التابع للدولة، لافتا إلي أن أحد مصادر القوي للأحزاب والقوى السياسية في الخصومة السياسية هو القدرة على وجود وسائل إعلام قوية تعبر عنهم.

ونفي أن يكون هناك تنظيم في هذا الموضوع بين المؤسسات المختلفة، مشيرًا إلى أن الصحف القومية تعتبر جماعة الأخوان الخصم الأول لها كما يعتبره الحزب الوطني الذي عبر عن ذلك في أحد المواضيع المنشورة على موقعه الالكتروني أخيرًا.

وأكد أن طريقة المؤسسات القومية مع البرادعي والأخوان هي منطقية لأنها تمارس دورها الطبيعي وفقًا لنمط ملكيتها وطرق تعيين رؤساء تحريرها وتعيين القيادات بها، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن الصحف الخاصة لها توجهاتها التي تعبر عن مصالح ملاكها واتجاهاتهم السياسية أيضًا الأمر الذي يؤكد أن الصحافة مرتبطة بمصالح الممولين لها وتعبر عنهم وليس عن احتياجات المواطنين.