واشنطن: فرضت القارة الإفريقية نفسها بقوة على الأجندة الأميركية لاسيما مع تزايد القوى الدولية التي تحاول اختراقها مثل الصين والبرازيل وعديدٍ من الدول الآسيوية الأخرى. وقد تجلى ذلك من خلال الدور الذي تسعى الصين للقيام به في القارة بخاصة في السودان التي أصبحت أحد جباهات الصراع الجديدة بين القوى العظمى المختلفة.
وفى إطار محاولة تقييم الدور الأميركي ومدى نجاح النهج الحالي في إنهاء الصراعات في إفريقيا وتحقيق المصالح الأميركية أصدر مركز الدراسات الاستراتجية والدولية دراسة في يناير من الحالي بعنوان quot;الصراعات الإفريقية والدبلوماسية الأميركيةquot; ، للكاتبان quot;جنفير كوكىquot; وquot;ريتشارد داونىquot;، تتحدث عن الدور الأميركي في إنهاء الصراعات الإفريقية ndash;الإفريقية، ومدى نجاح الدبلوماسية الأميركية في هذا الدور.
إفريقيا والتغيرات الإيجابية في العقد الأخير
لا شك أن إفريقيا قد حققت تقدمًا ملحوظًا في شتى المجالات - السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية - في العقد الأخير في محاولة للعودة بقوة إلى الساحة العالمية كقارة فاعله ذات ثقل، ذلك على الرغم من استمرار وجود بعض العقبات والعراقيل على طريق التقدم والرقي.
فعلى المستوى الاقتصادي حققت القارة زيادة تقدر 6% في معدل النمو سنويًّا منذ عام 2003 وحتى الأزمة المالية في الربع الأخير من عام 2008، وذلك بفضل إنشاء مؤسسات إدارية ومالية قوية تتسم بالقدرة على التخطيط، ومكافحة الفساد، وزيادة الاستثمارات الأجنبية في إفريقيا لاسيما الاستثمارات الآسيوية مما أعطى فرصه أفضل للمنافسة الاقتصادية في القارة.
أما على صعيد الإصلاحات السياسية وتطبيق النهج الديمقراطي، فقد حققت القارة معدلات إيجابية نسبيًّا فبحلول عام 2006 تحول ما يقرب من ثلاثين دولة عن نظام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية حتى لو كان ذلك على المستوى النظري فقط. بمعنى آخر إن تلك التعددية لا تزال هشة في عديدٍ من البلدان إن لم يكن أغلب الدول، ويرجع ذلك لعدم توافر مؤسسات قوية وحرية إعلام ومؤسسات مجتمع مدني فاعلة وقادرة على التأثير في المجتمعات الإفريقية.
كما تحسنت الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ في العقد الأخير، ويرجع الفضل في ذلك إلى جهود كل من الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإفريقية دون الإقليمية حيث قامت بدورها بنزع وعدم إضفاء الشرعية على عديد من الانقلابات العسكرية والاستيلاء غير القانوني على السلطة كالتي حدثت في كل من غنيا، مدغشقر، وموريتانيا، إلا أنه لا تزال هناك عديد من المجالات التي تنذر بتدهور أمني منها على سبيل المثال، وليس الحصر، التهديدات البيئية كتدهور المناخ ذلك فضلاً عن الزيادة السكانية، نقص الغذاء، التصحر، زيادة معدلات البطالة وغيرها من التهديدات.
هذا وتشير الدراسة إلى أن الإدارة الأميركية تسعى دائمًا إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في إفريقيا وفقاً لـquot;جونى كارسونquot;Johnnie Carson مساعد وزيرة الخارجية للشئون الإفريقية، وهي كالتالي؛ تدعيم الديمقراطية والحكم الصالح، منع النزاعات العرقية والإثنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية، المساعدة في بناء وتدريب جيوش إفريقية قوية تساهم بشكل أو بآخر في جهود حفظ السلام داخل القارة وخارجها.
نيجيريا من منظور أميركي
تُمثل نيجيريا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية أهمية استراتيجية بالغة تنبع من كونها:
أولاً: رابع أكبر دولة مصدرة للنفط للولايات المتحدة على الرغم من العقبات الأمنية التي تواجها عملية استخراج النفط وإنتاجه في منطقة الدلتا النيجيرية، وارتفاع معدلات الجريمة، والقرصنة، وتهريب الأسلحة، وغسيل الأموال في منطقة خليج غنيا.
ثانيًا: تُعتبر نيجريا شريكًا وعنصرًا في حفظ الأمن الإقليمي من خلال مشاركتها بقوات في عمليات حفظ السلام، والقيام بمبادرات تهدف لإنهاء النزاعات في كل من ليبيريا وسيراليون، ذلك فضلاً عن قيادتها لمجلس السلم والأمن الإفريقي. ذلك على الرغم من تضاؤل ذلك الدور في الآونة الأخيرة مع ضعف الحكومة الفيدرالية النيجيرية وإثقال كاهلها بالمشكلات والاضطرابات الداخلية.
لكن على الرغم من تلك الأهمية إلا أن العلاقات الأميركية - النيجيرية قد جنحت عن الطريق السليم لعدة أسباب لعل أبرزها: خضوع نيجيريا ضحية لما يطلق عليها quot; سياسة الفرزquot;، ويقصد بها ندرة التمثيل الدبلوماسي وإعادة توجيه إلى مناطق أخرى كالقرن الإفريقي أو السودان وذلك لاعتبارات أمنية بحتة، حيث إن الولايات المتحدة لا تملك تمثيلاً دبلوماسيًّا في الدلتا النيجيرية ولا حتى شمال البلاد. كما أن التركيز على القطاع النفطي قد أفرز نظامًا اقتصاديًّا وسياسيًّا فاسدًا ونخبة غير مكترثة بفهم أو مجرد الاهتمام بوضع حلول نهائية للمشكلات التي تواجه الدولة على المدى البعيد.
وبالتالي فإن انخراط الولايات المتحدة في نيجيريا ليس بالأمر الهين، ولكن ليس مستحيلاً وفقًا لما أكدت عليه الدراسة، فعليها التركيز على العمل الدبلوماسي لاسيما السفير الأميركي الذي يعد أحد أبرز الأدوات القادرة على ممارسة ضغوطه على كل من الحكومة الفيدرالية والجماعات المسلحة من أجل الالتزام بتعهداتهما، كما من خلال اختيار التوقيات المناسبة لإلقاء الخطابات وإجراء المقابلات التي من شأنها تحفيز الرأي العام المجتمعي نحو ضرورة الإصلاح.
المصالح الأميركية في القرن الإفريقي
تُعتبر منطقة القرن الإفريقي من أكثر المناطق التي تعج بالصراعات والنزاعات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، لعل أبرزها؛ السودان التي تعاني من حرب أهلية طويلة المدى بين الشمال والجنوب، ذلك فضلاً عن الصراع الدائر في إقليم دارفور غرب البلاد، وصراعاتها على فترات متباعدة مع دول الجوار لاسيما تشاد. أما إثيوبيا فلا تزال في صراع دائم مع جارتها إريتريا، كما تزداد الانشقاقات والصراعات في الصومال بين الحكومة والمتمردين الإسلاميين وبين الصومال وإثيوبيا. كما تعاني جيبوتي من صراعات دورية بين الحكومة والحركات المعارضة لاسيما جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية ونزاعها الحدودي مع إريتريا.
وعلى الرغم من هذا الزخم من الصراعات إلا أن الولايات المتحدة قد ركزت بشكل كبير جهودها على السودان في السنوات الأخيرة ظهرت بصورة جلية إبان عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي كرس كل جهود بلاده لإنهاء الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان انتهت بتوقيع اتفاق السلام في عام 2005. وهو الأمر الذي يعتبر أعظم انتصار للدبلوماسية الأميركية في إفريقيا في السنوات الأخيرة. أما على صعيد النزاع في دارفور فقد كان الرأي العام الأميركي هو المحرك الرئيسي الذي دفع الرئيس وإدارته للتدخل.
وعلى النهج ذاته دفع الرأي العام الأميركي الإدارة الأميركية للتدخل في الصومال لاسيما فيما يتعلق بقضية القرصنة في خليج عدن والمحيط الهندي، ولكن لم يحظ التدخل في الصومال بما تضمنه من دعم لأمراء الحرب في مواجهة المحاكم الإسلامية وتقديم الدعم الكامل للقوات الإثيوبية للتدخل في الصومال في عام 2006 بالنجاح كما حظي في السودان، بل على العكس كان له عديد من السلبيات يأتي في مقدمتها غياب الثقة في الولايات المتحدة وعدم قدرتها في المستقبل على تقديم حلول إيجابية للأزمات التي تعاني منها الصومال.
الولايات المتحدة ومنطقة البحيرات العظمى
يرجع اهتمام الولايات المتحدة بالانخراط والقيام بدور فعال في منطقة البحيرات العظمى إلى عام 1960عندما تدخلت في الكونغو الديمقراطية مع بزوغ الإرهاصات الأولى للفوضى، وعلى الرغم من القناعة الأميركية الراسخة بضرورة دعم الكونغو الديمقراطية لتتجاوز أزماتها إلا أن التدخل كان غير مكتمل الأركان وفشل بصورة أو بأخرى في وضع حلول جذرية لمشكلات الدولة، حتى تقوية وتدعيم الجيش الوطني ليكون عنصرًا لتحقيق الاستقرار وحفظ الأوضاع الأمنية وحماية السكان وحل الانقسامات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لم تنجح الولايات المتحدة في تحقيقها. كما أعطت الولايات المتحدة القيادة والريادة لدول ومنظمات أخرى في الكونغو لاسيما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبالتالي تؤكد الدراسة على إمكانية قيام الولايات المتحدة بجهود حثيثة في المنطقة تتمثل في القيام بدور فعال لتخفيف حده التوترات بين كل من الكونغو الديمقراطية وجارتها رواندا حيث إن الولايات المتحدة تحظى بمصداقية وعلاقات جيدة بكافة دول المنطقة، ذلك فضلاً عن تكوين علاقات اقتصادية قوية في منطقة البحيرات العظمى عن طريق تشجيع وإقامة تجمعات اقتصادية بين كل من الكونغو الديمقراطية ورواندا بروندي، بالإضافة إلى المساهمة في وضع إطار لتنظيم المسائل التجارية بين البلدان الثلاثة والتأكد من استفادة سكان المنطقة من الجهود التنموية مما يضمن تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار.
المساعدات الأميركية كأداة لإنهاء الصراعات الإفريقية
في مستهل الحديث عن أن الوسائل والأدوات التي من الممكن أن تستعين بها الولايات المتحدة في وضع حد نهائي للصراعات الإفريقية - الإفريقية وبالتالي تحقيق المصالح الوطنية العليا والأهداف الاستراتيجية الأميركية تؤكد الدراسة على ضرورة إجراء عدة تعديلات على النهج الأميركي المتبع في الوقت الراهن يأتي في مقدمتها:
أولاً: تطبيق سياسيات اللامركزية في تقديم المساعدات الإنسانية مما يعطي فرصة أكبر في الوصول إلى أهم الجماعات والأشخاص وأكثرها تأثيرًا داخل المجتمعات الإفريقية.
ثانيًا: البعد عن النظام البيروقراطي الذي يركز على الأبعاد الكمية للمساعدات الإنسانية الأميركية وليس الكيفية، الأمر الذي يقيد لجنة المعاونة الأميركية في القيام بمهامها، مما يؤثر على قدرتها الإبداعية والابتكارية مما يحول دون تحقيق المصالح الأميركية في القارة الإفريقية.
ثالثًا: التحرر من هيمنة جماعات المصالح على الخطاب التنموي وتداعياته المتمثلة في انحراف واختلاط الأولويات والمصالح الأميركية.
ماذا يجب أن تفعل الإدارة الأميركية في إفريقيا؟
فرض تزايد الأهمية للاستراتيجة للقارة الإفريقية على الولايات المتحدة الأميركية ضرورة القيام بدور دبلوماسيًّا أكبر فيها نظرًا لما تمثله من ثقل سياسي وزيادة مواردها الاقتصادية لاسيما مع تزايد وتيرة وحدة الأزمات الاقتصادية والمالية بداية من الربع الأخير من عام 2008.
ولهذا تنصح الدراسة الإدارة الأميركية بعدة نصائح حتى تحقق الهدف المنشودة يأتي في مقدمتها:
أولاً: على الإدارة الأميركية الاستمرار في إقناع مجلس الشيوخ والرأي العام الأميركي بتزايد المصالح الأميركية في إفريقيا وزيادة المخصصات المالية والدبلوماسية لإفريقيا حتى تحقق الولايات المتحدة مصالحها الوطنية في القارة السوداء.
ثانيًا: على الرغم من نقص الموارد الأميركية الموجهة لإفريقيا إلا أنه يقع على عاتقها القيام بدور أكبر من شأنه مسئولية إعادة تنظيم المسائل المختلفة لاسيما الأمنية، والتنموية، وإدارة الصراعات.
ثالثًا: تشجيع وتدعيم الدور القيادي لسفراء الولايات المتحدة في مختلف البلدان الإفريقية للقيام بإدارة وتوجيه كيفية دمج بلادهم في شراكات مع الدول الإفريقية على كافة الأصعدة والمستويات بخاصة العسكرية والمدنية.
رابعًا: على المكاتب الأميركية في إفريقيا تكثيف استثماراتها في الدبلوماسية العامة وأدواتها كتطويع وسائل الإعلام لخدمة هذا الغرض والاستعانة بسفاراتها في تشكيل استراتيجية أميركية جديدة قائمة على توسيع شبكة اتصالاتها مع المؤسسات العسكرية ومنظمات المجتمع المدني على حد سواء.
خامسًا: عدم استبعاد خيار التدخل في حالات معينة مثل تهديد المصالح الاستراتيجية الأميركية في القارة، أو عند حدوث كارثة لا تقف عند حدود دولتها وإنما تمتد إلى الأقاليم والبلدان المجاورة، أو عندما يكون هناك توقعات بقيادة أميركية لأحد الأزمات في إفريقيا، أو عندما يكون التدخل لهدف تحقيق مصلحة أميركية معينة.
التعليقات