شهدت الجزائر حالة من الاستنفار بعد اغتيال العقيد علي تونسي المدير العام للشرطة صباح الخميس. وبهذه الجريمة انفجر كم هائل من التساؤلات في الشارع المحلي خاصة ان البلاد لم تشهد حوادث اغتيال حتى في أكثر سنوات الاقتتال الداخلي دموية وسخونة.

FILE - This undated photo shows chief of Algeria's national ...

الجزائر: أحدث اغتيال العقيد علي تونسي المدير العام للشرطة الجزائرية ،الخميس، هزة قوية في البلاد، وانفجر كم هائل من التساؤلات في الشارع المحلي بشأن quot;جريمةquot; طالت مسؤولا أمنيا كبيرا بوزن الرقم الأول في جهاز الشرطة، وهو سيناريو لم تشهده الجزائر حتى في أكثر سنوات الاقتتال الداخلي دموية وسخونة، إذا ما استثنينا اغتيال الرئيس الجزائري الأسبق محمد بوضياف أثناء إلقائه خطابا في منطقة عنابة الشرقية في 28 يونيو/حزيران 1992.

وبطريقة تعدّ سابقة من نوعها، أفادت مصادر quot;إيلافquot; أنّ الساعة كانت تشير إلى التاسعة صباحا بالتوقيت المحلي (الثامنة بتوقيت غرينتش)، علما أنّ بيان الداخلية الجزائرية تحدّث عن (10.45 بالتوقيت المحلي - 09.45 بتوقيت غرينتش)، حيث وجه أحد كوادر جهاز الشرطة - اسمه الكامل شعيب ولطاش ndash; (64 عاما)، رصاصات إلى مدير الأمن الجزائري أردته قتيلا على الفور.

الا ان مصادر غير رسمية ذكرت أنّ تجميد مهام الجاني الذي كان عقيدا متقاعدا في الجيش ومسؤولا على وحدة الطائرات العمودية التابعة لجهاز الشرطة، واتهامه الصريح بالفساد ما يعرضه للمتابعة القضائية، جعله يُصاب بفورة غضب ويتجه إلى الطابق العلوي لمقر الأمن الجزائري في منطقة باب الوادي وسط العاصمة الجزائرية بغرض الانتقام، وأقدم على تنفيذ فعلته من خلال إطلاق خمس رصاصات بعد مناوشة مع الضحية.

من جانبها، أشارت الداخلية الجزائرية في بيان تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، إلى أنّ الحادثة وقعت أثناء جلسة عمل، وركّزت على معاناة الجاني من quot;نوبة جنونquot;، ما جعله لا يكتفي بقتل مديره العام فحسب، بل حاول الانتحار، بيد أنّه تلقى إصابات بليغة وجرى نقله إلى مستشفى quot;الأمين دباغينquot; المحاذي، حيث لا يزال القاتل في حالة غيبوبة.

لكن رواية غير رسمية، تشير إلى أنّ quot;شعيب ولطاشquot; لم يكن منفردا بالراحل علي تونسي، بل كان كلاهما في اجتماع رفيع المستوى ضم مدراء مركزيين للجهاز، وعلى إثر ملاسنة حادة حصل المحظور، كما أفيد أنّ تونسي كان في طريقه للفتك بضحايا آخرين، لولا تدخل عناصر الأمن، ما جعله في خطوة يائسة يطلق النار على نفسه، في حين لم تتعرض الداخلية الجزائرية إلى تفاصيل الحادث، واكتفت قنوات التلفزيون والإذاعة ووكالة الأنباء الرسمية بتأكيد نبأ الاغتيال بعد أربع ساعات على وقوعه.

وشهدت شوارع العاصمة حالة من الاستنفار، حيث تسببت الواقعة في ازدحام شديد إثر تدافع الجماهير ورجال الإعلام إلى مقرّ جهاز الشرطة، فيما عمد عناصر الأمن إلى فرض طوق صارم على المكان وسط حالة من التدافع والذهول والاستنكار.

و كان الراحل نجا من محاولة اغتيال استهدفته في الحادي عشر نيسان/أبريل 2007، حينما جرى وضع سيارة مفخخة أمام منزله في منطقة حيدرة وسط العاصمة بالتزامن مع التفجيرات المدوية التي شهدها ذاك اليوم، لكنّ يقظة أجهزة الأمن مكّنت من تفكيك السيارة المفخخة لحظات قبيل انفجارها.

وأعلنت وزارة الداخلية عن فتحها تحقيقا قضائيا للتحري بشأن حيثيات هذه الواقعة المأسوية، كما حيت تضحيات الفقيد الذي كرّس حياته خدمة للأمة، وفي مكافحة الإرهاب مثلما حرص على عصرنة الأمن الوطني على مدار الست عشرة سنة الماضية.

ويحتفظ الراحل quot;علي تونسيquot; المكنّى quot;سي الغوتيquot; بمسار مهني حافل منذ خمسينات القرن الماضي، اذ نشط في حرب التحرير الجزائرية، قبل أن ينضم إلى جهاز المخابرات الجزائري مباشرة بعد استقلال البلاد (1962)، ويقول من عرفوا علي تونسي أنّه كان غاية في الجدية والانضباط والتفاني، حيث يشكّل quot;علي تونسيquot; المدير العام للأمن الوطني نموذجا لرجال خدموا وطنهم في أحلك الظروف، وكان للفقيد عديد المنجزات عبر مساره المهني الحافل، وترك الراحل أرملة وثلاثة أبناء، علما أنّ آخر ما كتبه بيده كانت كلمة quot;إنها النهايةquot;.

وشهد إشراف الراحل على المديرية العامة للأمن الجزائري بين سنتي 1995 و2010، نقلة نوعية لسلك الشرطة الذي تعزز بحوالي مائتي ألف شرطي، ورغم كل الذي أثير عن إقالة علي تونسي خلال السنوات الماضية، إلاّ أنّ الفقيد ظلّ محتفظا بمنصبه إلى غاية رحيله الدرامي عن سن الـ74.

ويٌحسب لعلي تونسي نجاحه في تقريب جهاز الأمن من مواطنيه خلال السنوات الأخيرة، بجانب التقدم الذي أحرزه الجهاز ذاته على عدة أصعدة، حيث تمكنت الشرطة العلمية في السنوات القليلة الماضية من فك شفرة 70 بالمائة من الجرائم المعقدة، بجانب حل ألغاز 85 بالمائة من الجرائم عن طريق استعمال تقنية تحليل الحمض النووي التي دخلت حيز التنفيذ منذ سنة 2002.