ترى أوساط قريبة من ميشال سليمان أن الدعوة التي وجهها وئام وهاب لاستقالة الرئيس اللبناني حملت رسالة سياسية واضحة فحواها أن هناك ما هو مطلوب من رئيس الجمهورية، إلا أن المقربين لا يرون لتلك الدعوة الكثير من التأثير، ويصفونها بأنها quot;زوبعة في فنجانquot;.

إيلي الحاج من بيروت: تبدي الأوساط القريبة من رئاسة الجمهورية اللبنانية ثقتها بأن دعوة رئيس تيار quot;التوحيد اللبناني quot; وئام وهاب من منزل النائب الجنرال ميشال عون إلى استقالة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ليست سوى زوبعة في فنجان ، ولن تكون لها آثار مستقبلية في الحياة السياسية خصوصًا بعدما أثارت دفاعًا صلبًا عن سليمان من جبهة واسعة انضمت إليها شخصيات سياسية كان المفترض أنها محسوبة على المعارضة السابقة وتشكل جزءًا من quot;تكتل التغيير والإصلاحquot; الذي يترأسه الجنرال عون .

إلا أن تلك الأوساط القريبة من الرئاسة تقر بأن هذه الدعوة المفاجئة إلى الإستقالة والصادرة عن وئام وهاب، الوثيق الصلة بدوائر القرار في سورية، حملت رسالة سياسية واضحة فحواها أن هناك ما هو مطلوب من رئيس الجمهورية الللبنانية، والسؤال هل يقع هذا المطلوب في خانة التعيينات الأمنية التي يتردد أن صدورها أصبح قريبًا والتي تهم دمشق وحلفاءها إلى حد بعيد؟ أو يقع في خانة الدعوة إلى سليمان لتوجيه مسار عمل جلسات الهيئة الوطنية للحوار بما يلائم أو يخدم أكثر الإستراتيجية الخاصة بـ quot;حزب اللهquot; ، وبالتالي مغادرة موقفه المحايد في هذا الموضوع ، والذي تجلى في عدم صدور رد فعل عنه لدى إلغاء فقرة من بيان الجلسة الماضية من الحوار تتضمن تأكيدًا على دور المقاومة في مواجهة أي اعتداء إسرائيلي مع الجيش والشعب، على غرار ما ورد في البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري؟

في تحليلها لهذه الرسالة لا تهمل الأوساط المذكورة جانبًا يتمثل في أن الدعوة إلى استقالة سليمان انطلقت من منزل الجنرال عون الذي كان قد وعد أنصارًا له بعد quot;اتفاق الدوحةquot; الذي أدى إلى انتخاب الرئيس سليمان توافقيًا بألا يبقى الرجل في منصبه أكثر من سنتين، تعود بعدهما الرئاسة إلى عون، لذلك لم تكن مصادفة كتابة أحد الإعلاميين القريبين من quot;جنرال الرابيةquot; قبل يوم واحد في صحيفة محلية تقريرًا عن محاولة لتقصير ولاية رئيس الجمهورية إلى سنتين. وليست مصادفة كذلك أن يستخدم وهّاب تعبير quot;الرئيس القويquot; في معرض كلامه على الرئيس الذي يحتاج إليه لبنان، وهذه الصفة ( القوي) يطلقها على عون أنصاره والمتحالفين معه .

وبالتالي حتى لو كانت هذه الآمال التي أطلقت من منزله لا تحمل أي احتمال للتحقق، فإنها تفيد الجنرال عون من حيث إنها تدغدغ مشاعر لدى أنصار له يظلون بحاجة إلى اقتناع بأنه quot;سيستعيدquot; قصر الرئاسة في بعبدا الذي quot;سُلبquot; منه بقوة الدبابات والمدافع السورية قبل عشرين عامًا. في هذه الحالة يكون حصل تقاطع سوري- عوني على هذه quot;النقلة الصغيرةquot; في الحياة السياسية اللبنانية في إطار توزيع للأدوار بين حلفاء دمشق، مع التأكيد أن هذه quot;النقلةquot; لن تلقى متابعة لعدم وجود قرار جدي في شأنها لدى القيادة السورية كما تبين حتى اليوم، بدليل مسارعة بقية هؤلاء الحلفاء إلى quot;التنصلquot; من دعوة وهّاب الذي يجمع العارفون انه لما كان يتمتع بأي وزن سياسي لو لم تعتمده دمشق متحدِّثًا باسمها ، وهو لا يتورع عن أي موقف أو كلام يأخذه على عاتقه الشخصي ، فيفيد في التكتيك ولا سيما في مهمة إبلاغ الرسائل إلى من يعنيهم الأمر . وهذا ما حصل في الرابية مقر سكن عون الذي تبرّأ بسرعة عبر إعلامه مما قاله وهاب، فتحاشى أزمة مع رئاسة الجمهورية كانت ستهدد بخسارة إضافية لـquot;الجنرالquot; في بيئته السياسيّة والشعبيّة.

وعلمت quot;إيلافquot; أنّ عددًا من سياسيي المعارضة السابقة ( قوى 8 آذار/ مارس) درس فعلًا في مرحلة سابقة السبل الدستورية التي يمكن سلوكها للطعن في دستورية انتخاب ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية قبل سنتين إذا استدعت الحاجة ذلك . وقد راجعوا بعض كبار الدستوريين في هذا الشأن، على أساس أن الدستور يقول بأن يستقيل المرشح لرئاسة الجمهورية إذا كان موظفًا في الدولة قبل ستة أشهر من موعد الإنتخاب، في حين أن سليمان لم يستقل بل انتقل مباشرة من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية ولم يتم تعديل الدستور لانتخابه،على الرغم من مخالفة وضعه الشروط . ولكن فات هؤلاء السياسيين على ما تبيّن لهم لاحقًا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تحكم في تلك المرحلة بالعملية الإنتخابية كان قد استند إلى فتوى قانونية من المرجع الدستوري النائب والوزير السابق بهيج طبارة جاء فيها أن استقالة المرشح للرئاسة من الوظيفة العامة تكون ملزمة عندما تجري الإنتخابات في موعدها ، أما في ظل الفراغ الرئاسي الذي امتد نحو ستة أشهر بين تشرين الثاني / نوفمبر 2007 وأيار /مايو 2008 فلا تنطبق المهلة الدستورية على واقع الحال. وقد باتت هذه القاعدة معمولًا بها في لبنان علمًا أنها تحمل أخطارًا على العملية الديمقراطية ، لأنها تعني أن كل صاحب مصلحة يمكن أن يسعى مستقبلاً إذا كان موظفًا كبيرًا في الدولة إلى إمرار الإستحقاق الدستوري من دون انتخاب رئيس ليحق له في الترشح والترؤس على البلاد من غير أن يستقيل من منصبه الذي سيشكل مصدر قوته.

يبقى لافتًا أن الرئيس سليمان رفض في جلسة مجلس الوزراء التي تلت الدعوة المفاجئة واليتيمة إلى استقالته أن يتطرق المجلس إلى هذه المسألة. يوقن سليمان أنّه أتى إلى الرئاسة بتوافق عربي ndash; عربي تمثل في تفاهم السعودية وسورية على قضايا كبيرة وخلافية في المنطقة، وهذا التفاهم يقضي بتهدئة وإطفاء نار النزاعات لا يزال ساري المفعول، وليس واردًا أي مساس به من طرف واحد من خلال تدبير أزمة سياسية كبيرة في لبنان على قاعدة المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية رأس المؤسسات وناظم الإستقرار والحوار. لذلك ولغيره تعامل ويتعامل مع المسألة ببرودة، بل لم يتوقف عندها في ذاتها، ذاكرًا أن هذا الأسلوب عادي في التعامل مع المسؤولين والسياسيين في لبنان حتى لو كانت تربطهم علاقات جيدة بدمشق كما هي حاله معها.