يعيش السودان مرحلة إنتقاليّة في وقت تراهن فيه الخرطوم علىمصداقية أولإنتخابات تجري منذ24 سنة في البلاد التي تعاني من أزمة الحربفي دارفور، ومن خطر إنقسامالجنوب والشمال، وبعد أن أعلنت أحزاب المعارضة مقاطعتها للإنتخابات، فما سيكونمصير أكبر بلدانأفريقيا، وكيف سيغيّر هذا الإستحقاق مصيره؟

الخرطوم: قالت صحيفة ذي الغارديان البريطانية إن الانتخابات السودانية المزمع إجراؤها في 11 أبريل/نيسان الجاري ستفقد مصداقيتها إذا رفضت أحزاب المعارضة خوضها. وأشارت الصحيفة في افتتاحيتها اليوم تحت عنوان quot;السودان: أهون الشرَّينquot;، إلى أن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب التي أبرمت قبل خمس سنوات ووضعت حدا للحرب الأهلية في السودان قضت بإجراء انتخابات حرة تفضي إلى تحول ديمقراطي في البلاد.

ورأت الصحيفة ndash; وهي إحدى كبريات الصحف البريطانية التي تميل إلى يسار الوسط- أن كل ما تمخضت عنه تلك الانتخابات بحسب مجموعة الأزمات الدولية هو إحصاء سكاني مضروب، وسجل انتخابي معيب، وتقسيم المناطق الانتخابية لمصلحة حزب معين وشراء ولاءات قبلية. ومضت الافتتاحية إلى القول إن الانتخابات ndash;وهي الأولى من نوعها منذ عام 1986- ستفقد مصداقيتها إذا ما ظلت أحزاب المعارضة خارج السباق.

وأشارت إلى أن الرئيس عمر حسن البشير بحاجة إلى هذه الانتخابات لإضفاء الشرعية على حكمه على الأقل اتقاءً لاتهام المحكمة الجنائية الدولية له بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور. وأعادت الصحيفة إلى الأذهان تهديد البشير بقطع أصابع بعض مراقبي الانتخابات الغربيين بعد أن نصحوه بتأجيلها، ووعيده بنسف الاستفتاء المقبل على مصير الجنوب، إذا ما انسحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان من الانتخابات.

وبرأي ذي غارديان، فإن الاستفتاء أهم لجنوب السودان والحركة الشعبية من الانتخابات القومية، ذلك أنه إذا أعيق إجراؤه وعاد الطرفان إلى تسليح نفسيهما فلن يكون من العسير تخيل نشوب الحرب مجددا والتي ستنتهي هذه المرة في العاصمة الخرطوم. ولعل ثمة حلا وسطا يجري الإعداد له يتيح للبشير إجراء انتخاباته إذا ما سمح للحركة بإقامة استفتائها.

ولهذا السبب جاءت مقاطعة الحركة لانتخابات جزئية. فهي قد سحبت مرشحها للرئاسة ياسر عرمان ومرشحيها للبرلمان في غرب دارفور حيث أقدم حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير على أسوأ عملية تزوير، على حد رأي الصحيفة. وزعمت الصحيفة أن حزب المؤتمر الوطني قام بتسجيل العرب والبدو والوافدين من تشاد والنيجر وكل من وقعت عليه أيديهم، ما عدا نازحي دارفور البالغ عددهم 2.6 مليون شخص الذين يقيمون في معسكرات اللاجئين.

وخلصت الصحيفة إلى القول إنه في ظل الخيار المر بين إجراء انتخابات قومية سيكون الرابح فيها البشير وحزبه، وبين تفادي اندلاع حرب أخرى بين الشمال والجنوب، ربما يقدم المبعوث الأميركي للسودان سكوت غريشن على تبني المسار العملي. لكن ذلك سيترك مشكلة البشير مع المحكمة الجناية قائمة، مثلما ستكون عليه قضية حزب المؤتمر الوطني مع الصراع الذي لم ينته في دارفور.

إلى ذلك، اكدت المفوضية السودانية للانتخابات السبت رفضها دعوة بعض اقطاب المعارضة الى تأجيل الانتخابات المقررة في 11 نيسان/ابريل لشهر واحد، في وقت أكد الموفد الاميركي الى السودان سكوت غرايشن انها ستكون quot;على اكبر قدر ممكن من الحرية والنزاهةquot;.

واعلن عبدالله احمد عبدالله مساعد رئيس المفوضية القومية للانتخابات في تصريح صحافي اثر لقاء عقده مع غرايشن quot;تؤكد المفوضية القومية للانتخابات ان الانتخابات ستجري في مواعيدها المقررة في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من نيسان/ابريلquot;.

وقال غرايشن من جانبه بعد اللقاء ان المفوضية quot;زودتني معلومات جعلتني واثقا من ان الانتخابات ستبدأ في الموعد المقرر وستكون على اكبر قدر ممكن من الحرية والنزاهةquot;. وقال غرايشن ان المفوضية quot;قامت بعمل جدي لضمان وصول السودانيين الى مراكز التصويت. وستضمن الاجراءات والآليات المعتمدة الشفافية وسيتم تسجيل السكان وفرز (الاصوات) بأفضل طريقة ممكنةquot;.

ويغادر غرايشن الخرطوم قبيل ظهر السبت متوجها الى الدوحة حيث تجري محادثات السلام بين مجموعات متمردة من دارفور والسلطات السودانية. ومن المقرر ان يعود الموفد الاميركي الى السودان مبدئيا من اجل الانتخابات المقررة خلال اسبوع، كما افادت مصادر متطابقة.

والجمعة، طالب حزب الامة السوداني الذي كان الفائز في اخر انتخابات تعددية اجريت في السودان في 1986، بارجاء موعد الانتخابات التشريعية والاقليمية والرئاسية الى الاسبوع الاول من ايار/مايو. كما اعلنت احزاب معارضة بينها الامة عزمها على مقاطعة الانتخابات التي شككت مسبقا في نزاهتها في غياب إصلاحات طالبت بها لضمان شفافيتها. واعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي شكل القوة الثانية في انتخابات 1986، الجمعة انه سينسحب من الانتخابات الرئاسية لكنه سيشارك في الانتخابات التشريعية والاقليمية.

وسحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تمثل ابرز قوى جنوب السودان مرشحها الى الانتخابات الرئاسية ياسر عرمان الا انها ستشارك في الانتخابات التشريعية والاقليمية في كل المناطق باستثناء منطقة دارفور. الا ان حزب quot;المؤتمر الشعبيquot; الاسلامي المعارض بزعامة حسن الترابي الذي كان حليف الرئيس عمر البشير قبل ان يتحول الى اشد منتقديه، اعلن انه سيشارك في الانتخابات بمختلف محطاتها.

وكانت احزاب المعارضة والمتمردين الجنوبيين السابقين اجتمعوا في ايلول/سبتمبر في مدينة جوبا، عاصمة جنوب السودان الذي يتمتع بشبه حكم ذاتي، بهدف الضغط على الحكومة لاعتماد اصلاحات ديمقراطية بهدف ضمان اجراء انتخابات quot;حرةquot; وquot;نزيهةquot;. وكانت المعارضة تسعى من خلال الانتخابات الى انهاء حكم الرئيس حسن البشير الذي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه على خلفية اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في دارفور.

وفي الاوضاع الحالية، يبدو ان الرئيس البشير الذي يتزعم حزب المؤتمر الوطني، ضمن الفوز في الانتخابات الرئاسية وان كان من المتوقع ان تشهد الانتخابات النيابية وانتخابات مجالس الولايات منافسة حامية. وقال الرئيس البشير السبت في خطاب في كسلا، شرق السودان، نقلته قناة quot;النيل الازرقquot; ان quot;برنامج مؤتمر جوبا كان يقوم على انزال الهزيمة بحزب المؤتمر الوطني، لكنه لم يكن لديه برنامج للشعب السودانيquot;. وانتخابات هذا الشهر هي اول انتخابات تعددية منذ 1986 في السودان، اكبر بلدان افريقيا والذي يتولى السلطة فيه البشير منذ 1989 بعد انقلاب عسكري بدعم من الاسلاميين.