تعيش بريطانيا الآن أجواء سياسية أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها laquo;غير مألوفةraquo; بسبب قوة الديمقراطيين الأحرار.

لندن: في ما مضى كان صانعو الاستراتيجية في كل من الحزبين البريطانيين الرئيسيين، laquo;العمالraquo; وlaquo;المحافظينraquo;، لا يكلفون أنفسهم عناء إلقاء نظرة على الحزب الديمقراطي الحر باعتباره laquo;أضعف من أن يشكل أي خطر أياً كانraquo;!

لكن بريطانيا تعيش الآن أجواء سياسية أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها laquo;غير مألوفةraquo; إذ تحفل بتطور لم تشتهد له مثيلا في تاريخها الحديث. فحزب الديموقراطيين الأحرار، الذي ظل يقبع تقليديا في المرتبة الثالثة بهامش كبير، صعد فجأة وبسرعة لا تصدق حتى انتزع الصدارة من المحافظين أنفسهم وقذف بالعمال الى المؤخرة.

فقد أظهر آخر استطلاع للرأي أن laquo;الأحرارraquo; يتمتع بتأييد 33 في المائة من الناخبين (بفارق 13 نقطة مئوية عن رصيده يوم الخميس الماضي)، متقدما على المحافظين (32 في المائة) والعمال (26 في المائة). وكما أوردت laquo;إيلافraquo;، فإن هذا يعني برلمانا معلقا يمسك فيه الأحرار بخيوط اللعبة السياسية كافة بما ذلك تشكيلهم الحكومة مع أي ممن يرغبون فيه من الحزبين الكبيرين. على أن مسألة اختيارهم هذه شبه محسومة لصالح العمال بسبب التقارب التاريخي والآيدلوجي بينهم.

واليوم، راح غوردون براون يراوغ خلال مؤتمر صحافي في الإجابة على ما إن كان يقبل أو يرفض اتخاذ مقعد له في مجلس وزراء يترأسه نِك كليغ زعيم الأحرار. وبدلا من ذلك تحدث مطولا عن ضرورة ان يقتنع الناخبون بمنحه الفرصة لإكمال مشواره ومتابعة مشروعه لانتشال البلاد من وهدتها الاقتصادية.

ولما حوصر بالأسئلة عما إن كان الأحرار والعمال مقبلين عل تشكيل حكومة ائتلافية في حال استمرار الوضع الراهن كما هو، رضخ أخيرا وقال laquo;ثمة أرضية مشتركة تجمع الحزبين.. لكن هذا الأمر متروك للناخبينraquo;. وحقا فإن ما يريد براون قوله بعبارة أخرى هو: laquo;نعم مدويّةraquo;!
ويذكر ان رئيس الروزراء ركز هجومه في الآونة الأخيرة هجومه على ما ينوي المحافظون فعله بالاقتصاد محذرا من laquo;خطر هائلraquo; على البلاد بأكملها لو اتيح لهم وضع نواياهم بهذا الشأن موضع التنفيذ. لكنه، في المقابل، حصر انتقاداته للأحرار في هوامش سياساتهم وكان أكبر ما لامهم عليه هو نيتهم التخلص من غواصات laquo;ترايدانتraquo; النووية التي تكلف الخزينة مليارات الجنيهات ويعتبرها العديد من البريطانيين غير ضرورية لأنها مرتبطة في الأصل بالحرب الباردة.

تبدلت الأحوال إذن. فقديما لو سئل العمال عن احتمال سيناريو يشكلون فيه حكومة ائتلافية مع الأحرار لضحكوا حتى بانت نواجذهم. لكن المثل الانجليزي يقول laquo;أبدا لا تقل laquo;أبداraquo;! وها هو ذلك السيناريو يلوح عل الأفق القريب واضحا لا مراء فيه. والعمال لا يضحكون الآن استهزاءً وإنما فرحا بأن صعود الأحرار الصاروخي يعني، على الأرجح، إنقاذهم من الهزيمة وتمسكهم بأهداب السلطة في الحكومة الجديدة.. وهذا بينما يجد المحافظون أنهم مقيّدون من جديد الى كراسي المعارضة بعدما ساد بينهم شعور للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات بأنهم أقرب ما يكونون الى الفوز بانتخابات الشهر المقبل.