معركة سرية في حزب العمال.. وميليباند قد يخلف براون

لندن: صباح الجمعة ترجل الزعيم العمالي غوردون براون عن سيارته الرسمية أمام 10 داونينغ ستريت ودخل الى مقره الرسمي بعد عودته من دائرته الانتخابية في اسكتلندا. في الأحوال العادية، فإن هذا ليس خبرًا على الإطلاق. لكن الأحوال ليست عادية على الإطلاق. فقد كانت البلاد تستيقظ على نتائج الانتخابات العامة.

وعلى الرغم من أن هذه لم تكمل صورتها النهائية بعد، صار واضحًا أن المحافظين هم أصحاب النصيب الأكبر من الكعكة البرلمانية بنسبة 36 في المئة من الأصوات، يليهم العمال بنسبة 29 في المئة، فالليبراليون الديمقراطيون بنسبة 24 في المئة.

إقرأ أيضاً
متابعة خاصّة: انتخابات بريطانيا 2010

فلماذا عاد براون الى 10 داونينغ ستريت هذا الصباح وسط بقعة ساطعة من الضوء الإعلامي وهو الذي يفضل عادة دخول مقرّه الرسمي في الخفاء ومن الباب الخلفي إذا استدعى الأمر؟ لماذا من الباب الأمامي تحت وميض الكاميرات في هذا الصباح الذي فقد فيه حزبه تفويضه الشعبي بهزيمة مهينة؟

الإجابة quot;الرسميةquot; هي أنه - دستورًيا - لا يزال رئيس الوزراء يمنح الفرصة الأولى لتشكيل حكومة ائتلافية على نحو ما. أما الإجابة quot;الحقيقيةquot; فهي أنه يريد تذكير بريطانيا بهذا الحق الدستوري نفسه. والأمر يتعلق، طبعًا، بالبرلمان المعلق الذي استيقظت عليه البلاد للمرة الأولى منذ 36 عامًا، بسبب قصور المحافظين عن الأغلبية المطلقة.

في غضون ذلك، كان كبار العمال، بإيعاز من زعيمهم، يدعون الليبراليين الديمقراطيين علنًا عبر وسائل الإعلام لاقتسام الحكم، خصوصًا على ضوء أنهم لم يحققوا نوع المكاسب التي كانوا يتوقعونها بل فقدوا جزءًا من نصيبهم البرلماني القديم. وبدا أن هذا هو الافتراض الذي بنى عليه غوردون براون آمال بقائه في 10 داونينغ ستريت ومن هنا جاءت عودته quot;المظفرةquot; اليه عبر بابه الأمامي.

وطبيعي أن يكون الشعور بالمرارة الغامرة قد اجتاح المحافظين والمتعاطفين معهم من الناخبين quot;المترددينquot;. ففي حال تآلف العمال مع الليبراليين، يكونون قد تمسّكوا بالحكم من دون التفويض الشعبي الذي حصلوا عليه في الانتخابات الماضية. ويكون براون قد أمسك بتلابيب الحكم من دون التفويض الذي لم يحصل عليه سواء في الانتخابات الأخيرة أو الحالية. بعبارة أخرى كان إحساس المحافظين هو إحساس من سُرق منه أعز شيء الى قلبه.

وفي خضم كل هذا ووسط الغموض الذي ألقى بظلال ثقيلة على مستقبل البلاد، يأتي زعيم الليبراليين، نِك كليغ، ليلقي بقنبلة سياسية تلهب الساحة وتقلب كل المعادلات والتوقعات فيها رأسًا على عقب. فقد أعلن في بيان مقتضب أمام وسائل الإعلام ورد فيه ما يلي: quot;كنت وما زلت اعتقد أن الحزب صاحب العدد الأكبر من الأصوات والمقاعد - وإن لم يكن بالأغلبية المطلقة - يجب أن يُمنح الفرصة الأولى لتشكيل الحكومة. واعتقد الآن أن على المحافظين، باعتبارهم الحزب صاحب ذلك العدد، إثبات أنهم مؤهلون للحكمquot;.

بداية الحسم

هذه طامة كبرى بالنسبة إلى العمال، لأنها تسد عليهم الطريق الضيق الوحيد الى الاستمرار في الحكم، ويرمي تاليًا بطوق النجاة الى المحافظين. ومع أن كليغ لم يدع المحافظين صراحة الى التآلف معه لتشكيل الحكومة الجديدة، فهو يوحي بذلك على نحو لا يترك مجالاً للشك. كما أنه لا يترك مجالاً للشك في أنه يدعو الزعيم العمالي إلى تقديم استقالته وترك الساحة لمفاوضات بينه وبين المحافظين.

والأنظار الآن معلقة بزعيمهم ديفيد كامرون بانتظار ردّه على هذا التطور المثير وغير المتوقع. فهو معروف بنفوره الكامل من أي حكومة ائتلافية تكبل يده عن اتخاذ ما يراه مناسبًا لمعالجة مصائب البلاد العديدة، ومعروف أيضًا بنفوره quot;المتبادلquot; من الليبراليين الدمقراطيين. لكنه، من الجهة الأخرى، لا يملك ما يكفيه لتشكيل حكومته منفردًا. الخيار له، لكنه ليس خيارًا سهلاً بأي من المقاييس. ومع ذلك فيمكن القول في هذه اللحظة إن الكرة بدأت تتحرك باتجاه الحسم على نحو أو آخر.